باريس تشدد على أن النظام السوري «لا يحترم تعهداته».. وجوبيه يلوح بـ«البدائل»

ساركوزي: الأسد يكذب.. يريد محو حمص من الخارطة مثلما أراد القذافي تدمير بنغازي

صورة جماعية للقادة المشاركين في مؤتمر «اصدقاء سورية» في باريس أمس (رويترز)
TT

طالب وزراء خارجية وممثلو الدول الـ14 والممثلة العليا للسياسة الخارجية الأوروبية النظام السوري بوقف العنف فورا تحت طائلة مطالبة مجلس الأمن الدولي بالتحرك وممارسة الضغوط على دمشق لوقفه. وقال وزير الخارجية الفرنسية الذي كان يتحدث باسم المجتمعين إن كافة الأطراف تقدم دعمها «الكامل» لجهود المبعوث الدولي - العربي كوفي أنان وتوفير الإمكانيات الضرورية له من أجل تنفيذ خطته. ولذا، ستتقدم باريس وعواصم أخرى في أقرب وقت بمشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي لزيادة بعثة المراقبين الدوليين إلى عدة مئات بحيث تتمتع بالصدقية وحرية الحركة والقدرة على تغطية كافة الأراضي السورية محملا سوريا سلفا مسؤولية أمن وسلامة المراقبين.

وشدد المؤتمرون على أن الخطة المذكورة ليست فقط أمنية بل يتعين عليها توفير «عملية الانتقال السياسية» التي يتعين على المعارضة أن تلعب في إطارها «دورا أساسيا». وتوقف جوبيه عند حرية التظاهر وهي أحد البنود المنصوص عليها في خطة أنان. وأخيرا، عبر المجتمعون عن التزامهم بتقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين المحتاجين الذين يزيد عددهم على المليون.

والخلاصة التي توصل إليها الوزراء وممثلو الدول الآخرون أن «الوقت لم يعد للمماطلة» وأنه «حان وقت العمل الجدي». ورغم هشاشة الخطة فإن الدول المعنية تدعمها بقوة. وقال جوبيه: «في حال الفشل، يتعين أن نأتي بخيارات أخرى» من غير أن يكشف طبيعة هذه البدائل. وبانتظار توضيح الأمور، لفت جوبيه النظر إلى «استحقاقين» قادمين: الأول القرار المنتظر في مجلس الأمن والثاني مؤتمر أصدقاء الشعب السوري الذي ستستضيفه العاصمة الفرنسية. لكن حتى تاريخه، لم يحدد موعد لهذا المؤتمر الذي سيكون الثالث من نوعه بعد تونس وإسطنبول.

ومن جانبه، قال الوزير سعود الفيصل الذي شارك مع وزراء آخرين في المؤتمر الصحافي النهائي للمؤتمر ردا على سؤال حول موضوع تسليح المعارضة السورية ووجهات النظر المتضاربة بين المجتمعين، إن ثمة «مذبحة ترتكب ودماء زكية تسال في سوريا والغريب في الأمر أن مجال التسلح متاح لمن يقوم بالجريمة بينما الأبرياء لا يسمح لهم بالدفاع عن أنفسهم». وختم الفيصل قائلا: «طالما الموقف الدولي لم يتمكن من وقف النزيف، فيتعين على المجتمع الدولي، على الأقل، أن يساعد السوريين للدفاع عن أنفسهم».

وكانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون قد غادرت المؤتمر مبكرا ولم تحضر عشاء العمل وعادت إلى بلادها. وقال جوبيه إنه على تواصل مع روسيا التي لم تحضر المؤتمر وإنه يأمل في «تطور موقفها». وسيكون الاختبار لدى طرح مشروع القرار على المناقشة فالتصويت في مجلس الأمن.

ورأى الوزير الفرنسي أن خطة أنان هي الفرصة الأخيرة «قبل الحرب الأهلية» في سوريا، مؤكدا أن موضوع دور للأطلسي في سوريا «غير مطروح» ولكن «إذا تعرضت دولة أطلسية للهجوم فإن الموضوع سيطرح عندها».

ونقلت مصادر رافقت أعمال المؤتمر أن تركيا «طلبت المساعدة» من الأطلسي.

استقطب مؤتمر «المجموعة الرائدة من أصدقاء سوريا» الذي التأم مساء أمس في باريس 15 دولة «منها خمسة بلدان أوروبية هي فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، إسبانيا، بريطانيا. واثنان من أميركا الشمالية هما الولايات المتحدة، وكندا. وسبع دول عربية هي مصر، المملكة السعودية، المغرب، قطر، الإمارات، الكويت وتونس. بالإضافة إلى تركيا». وانضمت إلى الاجتماع الذي غابت عنه روسيا والصين رغم دعوتهما إليه، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاترين أشتون. وباستثناء بريطانيا التي مثلها سفيرها في باريس بسبب انشغال الوزير ويليام هيغ في البرلمان والكويت وتونس والإمارات، فإن كل الدول الحاضرة الأخرى تمثلت بوزير خارجيتها.

وتجدر الإشارة إلى حضور وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو مما يؤشر لعودة التنسيق بين باريس وأنقره بخصوص الملف السوري بعد فترة البرود التي شابت علاقتيهما بسبب ملف تجريم إنكار المذبحة الأرمنية وما رافقها من نقمة تركية على فرنسا وإجراءات عقابية.

ويأتي الاجتماع في سياق ما سماه وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه «تصعيد الضغوط» على النظام السوري من أجل حمله على تنفيذ التزاماته في إطار خطة المبعوث الدولي - العربي كوفي أنان. وبعد اجتماع الثلاثاء الذي ضم 56 دولة على مستوى الموظفين في العاصمة الفرنسية لتنسيق الجهود وتفعيل العقوبات الاقتصادية والمالية على النظام السوري، فإن اجتماع باريس أمس جاء سياسيا بامتياز.

وقال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أمس إن حل الأزمة في سوريا يكمن في إقامة ممرات للمساعدات الإنسانية تسمح باستمرار وجود المعارضة للرئيس السوري بشار الأسد. وقال ساركوزي: «بشار الأسد يكذب.. يريد محو حمص من الخارطة مثلما أراد الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي تدمير بنغازي».

وتابع يقول: «الحل إقامة ممرات للمساعدات الإنسانية حتى يمكن أن توجد معارضة في سوريا».

وأضاف: «دعونا لعقد هذا الاجتماع لجمع كل من لا يطيقون رؤية ديكتاتور يقتل شعبه.. أنا مقتنع بأن نظام الأسد سيسقط».

وتشدد باريس على أن النظام السوري «لا يحترم تعهداته» وأن خطة أنان السداسية «لم تطبق» لا لجهة وقف النار ولا لجهة عودة القوات السورية إلى ثكناتها. ولذا، فإن سوريا، وفق جوبيه، «تمر بلحظة حرجة» وخطر الحرب الأهلية قائم. وأبعد من ذلك، رأى جوبيه أن الوضع في سوريا «يشكل خطرا على الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم».

وأعلن جوبيه في لقاء صحافي قبل ظهر أمس أن الغرض من الاجتماع مزدوج: فمن جهة، البحث «في ما إذا كنا قادرين ميدانيا على نشر قوة من المراقبين تتمتع بالفعالية وكثيرة العدد «ما بين 300 و400 رجل لتغطية كافة المناطق السورية» ومجهزة بشكل كاف مما يمكنها من التنقل. ومن جهة ثانية «النظر في ما يتعين اتخاذه من إجراءات لوقف المجازر إن لم يكن الهدف الأول ممكن التحقيق في مهلة معقولة». وبحسب الوزير الفرنسي، فإن مهمة المؤتمر النظر في الوضع الإنساني وكيفية مساعدة المدنيين السوريين. وشدد جوبيه على وجود «مأساة إنسانية حقيقية في سوريا اليوم» مما يستدعي في نظره معالجة طارئة.

غير أن الوزير الفرنسي امتنع صباحا عن الكشف عن طبيعة «التدابير الإضافية» التي يمكن أن تلجأ إليها المجموعة وهو الموقف الذي التزمت به وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي تحدثت أول من أمس في بروكسل عن «إجراءات إضافية» رافضة هي الأخرى الكشف عن طبيعتها.

وفي أي حال، فإن فرنسا، على لسان وزير خارجيتها، استبعدت مسبقا أمس القبول بتسليح المعارضة السورية وهو الموقف الذي لم تحد عنه منذ البداية. كذلك استبعد جوبيه أي دور للحلف الأطلسي في سوريا. والحال، أن دولا حضرت اجتماع أمس وكذلك المعارضة السورية ممثلة بالمجلس الوطني السوري، لا تخفي أن لها رأيا مختلفا إن لجهة التسليح أو لجهة المطالبة جهارا بتدخل عسكري أجنبي لوضع حد لقمع النظام.

وفي موضوع الاعتراف الكلي بالمعارضة السورية وتحديدا بالمجلس الوطني السوري، فإن التوجه هو إلى انتظار نضوج الظروف التي تمكن دول مجموعة أصدقاء سوريا من أن تخطو هذه الخطوة التي تعني قطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري ونقل شرعية التمثيل إلى المعارضة مثلما حصل مع المجلس الوطني الليبي المؤقت. واغتنم جوبيه الفرصة أمس ليؤكد أن المعارضة بحاجة إلى إحراز «مزيد من التقدم» لجهة ضم كل الفئات والتوجهات وخصوصا الانفتاح على الأقليات وضمها إليها وعندها «تتمكن مجموعة أصدقاء سوريا من أن تخطو خطوة إضافية باتجاهها».

وقالت مصادر دبلوماسية في باريس لـ«الشرق الأوسط» إن المجموعة الرائدة «بحاجة إلى تنسيق مواقفها برسم خط واضح للتعامل مع الوضع السوري». وحتى الآن، تبدو خطة أنان السداسية الوحيدة المطروحة بجدية على الطاولة. لكن مشكلتها تكمن، كما تؤكد هذه المصادر، في أن النظام السوري «لا ينوي تنفيذها بل يسعى للالتفاف عليها». ولذا فالحاجة ماسة لإيجاد الوسائل لحمله على تغيير سلوكه وأدائه أي البحث عن «أدوات إضافية للضغط» بما فيها الحديث عن الدول التي «حمت النظام حتى اليوم» وعلى رأسها روسيا.

وأمس، بدا نوع من الارتباك في الكلام الرسمي الفرنسي إزاء هذا الموضوع. وفيما أكد الرئيس ساركوزي، في حديث صحافي صباحي أن «عزلة روسيا والصين لن تدوم» باعتبار الدولتين المعنيتين «لا تحبان العزلة» وبالتالي فإن «عزلتهما في الملف السوري لن تدوم» فإن الوزير جوبيه يتبنى موقفا متمايزا. وقد أعلن أمس عن «أسفه» لأن روسيا تستمر في «الانغلاق في رؤية تعزلها أكثر فأكثر ليس فقط عن العالم العربي بل أيضا عن الأسرة الدولية». كذلك بدا التمايز بين ساركوزي ووزير خارجيته في موضوع إنشاء الممرات الإنسانية. وفيما رأى الأول أن الحل لوقف المجازر وتمكين قيام معارضة سورية قوية يكمن في إقامة الممرات الإنسانية، فإن جوبيه لم يدعم هذا التوجه في الوقت الذي شدد فيه على الحاجة لإيصال المساعدات الإنسانية بصورة عاجلة.

وبسبب هذه المعطيات، يبدو التوجه الأقرب هو العودة إلى مجلس الأمن الدولي حيث سيطرح طلب أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون تشكيل قوة الرقابة الجديدة في سوريا. ويرجح أن تسعى الدول العربية والغربية بهذه المناسبة إلى استصدار قرار أقوى من مجلس الأمن مع المطالبة بالعودة الدورية إليه وترك الباب مفتوحا أمام «تدابير إضافية» في حال عدم تنفيذ النظام السوري لالتزاماته.

غير أن باريس ما زالت تعتبر أن لا مستقبل للرئيس السوري في سوريا الجديدة؛ إذ أكد جوبيه أنه «من الصعب أن يبقى رئيس قتل 10 آلاف من مواطنيه في السلطة» في إشارة إلى الرئيس الأسد. كذلك ذكر جوبيه أن كوفي أنان هو مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية معا وأن الأخيرة تبنت خطة تدعو إلى الانتقال السياسي في سوريا على غرار ما حصل في اليمن أي الخطة التي تفضي، في المحصلة النهائية، إلى رحيل الأسد عن السلطة.