القوى السياسية في مصر تسعى لتجاوز خلافاتها في مليونية «الحسم»

طالبوا «العسكري» بتسليم السلطة وعزل «الفلول».. ومناوشات بالمحافظات بسبب «الإخوان»

مئات الآلاف من المصريين في ميدان التحرير بوسط القاهرة أمس يطالبون بحماية الثورة ومنع فلول النظام السابق من خوض انتخابات الرئاسة (أ.ف.ب)
TT

الأقصر: يوسف رجب

* تجاوزت القوى السياسية في مصر، أمس، خلافاتها، ونجحت في حشد مئات الآلاف من المصريين في ميدان التحرير بوسط القاهرة للمطالبة بحماية الثورة ومنع فلول النظام السابق من خوض انتخابات الرئاسة المقرر أن تجري جولتها الأولى نهاية الشهر المقبل، وعلى الرغم من المخاوف التي سادت قبل انطلاق فعاليات جمعة «الحسم» من اشتباك أنصار التيارات الليبرالية واليسارية مع القوى الإسلامية، حرص المشاركون من تكريس شعارات الوحدة، وإن احتفظ كل فصيل بمطالبه خاصة.

وتدفق المصريون على الميدان، مقبلين في مسيرات حاشدة، ضمت كل أشكال الطيف السياسي في البلاد. وخرجت المسيرات من عدة مساجد وأماكن رئيسية بالعاصمة قاصدة ميدان التحرير، للمشاركة في مظاهرة مليونية حملت عنوان «تقرير المصير»، و«الحسم».

واختلفت مطالب المشاركين في المظاهرة، إلا أنهم توافقوا على ضرورة استكمال تحقيق أهداف الثورة وسرعة تسليم السلطة للمدنيين، وعزل فلول (أتباع) النظام السابق، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني بكل الصلاحيات، وانتخاب الجمعية التأسيسية للدستور عن طريق توسيع المشاركة بها، لتمثل كل أطياف الشعب، مع وضع ضوابط لتشكيل الجمعية تسمح بهذا التنوع دون وصاية من المجلس العسكري الحاكم.

وتوافد أنصار المرشح السلفي المستبعد من سباق الرئاسة، حازم صلاح أبو إسماعيل، على الميدان، منذ الليلة قبل الماضية، مطالبين بعودة مرشحهم لسباق الرئاسة، رافعين شعارات مناوئة للمجلس العسكري، متفقين مع مطالب باقي القوى ومن بينها جماعة الإخوان المسلمين حول ضرورة تسليم السلطة في الموعد المحدد في نهاية يونيو (حزيران) المقبل.

واستند المجلس العسكري منذ تسلمه السلطة في البلاد على تأييد واسع من التيار السلفي وجماعة الإخوان المسلمين، خاصة بعد حصولهما على أغلبية مقاعد غرفتي البرلمان (مجلسي الشعب والشورى)، مما سبب ابتعاد هذين الفصليين عن بقية القوى الثورية، إلا أن صدامات متتالية بين تيار الإسلام السياسي والمجلس جعلتهم يعودون مجددا إلى ميدان التحرير ملتحمين بقوى الثورة على أمل الوفاق مرة أخرى، بعدما عارض الإخوان والسلفيون المظاهرات المختلفة التي نظمتها قوى الثورة والتيارات والأحزاب المدنية، خاصة تلك التي حدثت خلالها مواجهات مع قوات الجيش وخلفت ضحايا.

وتجمعت المسيرات المقبلة عند مداخل ميدان التحرير، وهتف المتظاهرون قبل دخولهم للتحرير: «أوقفوا هنا يا ثوار.. ياما هنا مات أبرار».. «يا بن الخال يا بن العم الحرية ثمنها الدم»، ووقف المتظاهرون دقيقة حداد على أرواح الشهداء.

وقال أحمد السويفي، أحد المتظاهرين: «نتخوف من فكرة إلغاء الانتخابات الرئاسية، لأن ذلك يعني استمرار الفترة الانتقالية، واستمرار العسكر في الحكم.. نطالب بإجراء الانتخابات في موعدها، وإقصاء مرشحي النظام السابق عن السباق حتى تكون الانتخابات نزيهة».

وانتشرت اللجان الشعبية على مداخل الميدان وبأنحاء متفرقة منه، تحسبا لتسلل عناصر قد تفتعل مشكلات أو تثير فوضى. وبينما انتشر الباعة الجائلون وباعة الأعلام بأماكن عدة، اكتظ الميدان بلافتات وملصقات تنتقد ترشح الفريق أحمد شفيق وعمرو موسي؛ المرشحين لرئاسة الجمهورية.

وهتف المتظاهرون برحيل المجلس العسكري، ونصبوا 5 منصات كبرى، واستحوذت جماعة الإخوان المسلمين ومجلس أمناء الثورة على المنصة الرئيسية التي توسطت الميدان، بينما نصب أنصار الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل منصة انفردت بهتافات تتعلق بموقف مرشحهم المستبعد، مطالبين بإنشاء محاكم ثورية وتفعيل قانون العزل السياسي ضد فلول نظام مبارك، كما أيدت حركات ثورية وائتلافات شبابية نفس المطلب، داعين إلى سرعة محاسبة رموز النظام السابق ومعاقبتهم على قتل الثوار.

وشدد المجلس العسكري الحاكم على أنه ملتزم بتسليم السلطة للرئيس المنتخب في موعد غايته نهاية شهر يونيو (حزيران)، لكن القوى السياسية تتخوف من قدوم رئيس من رجال مبارك يمكن أن يضيع مكاسبهم السياسية، خاصة بعد ترشح اللواء عمر سليمان، نائب مبارك ووزير مخابراته السابق، إلا أن اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة استبعدته لعدم استيفائه الشروط الإجرائية للترشح.

وشهدت المحافظات المصرية المختلفة مظاهرات مماثلة لتأييد مطالب التحرير؛ ففي محافظة الإسكندرية انطلقت مظاهرة حاشدة من أمام مسجد القائد إبراهيم، وصولا إلى مقر قيادة المنطقة الشمالية العسكرية، حيث شاركت جميع القوى السياسية دون استثناء بالمسيرات، مؤيدين مطالب التحرير بتسليم السلطة وعزل الفلول، وشهدت المسيرات مناوشات طفيفة بين أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وعدد من القوى السياسية المدنية التي رددت هتافات مناوئة للمجلس العسكري وجماعة الإخوان.

وقالت بسمة فوزي، المتحدثة باسم حركة 6 أبريل بالإسكندرية، إن مطالب القوى الثورية تتلخص في ضرورة تفعيل قانون العزل السياسي لكل رموز النظام السابق ومنعهم من الترشح ومحاكمتهم، وإن الإخوان المسلمين والسلفيين ظلوا واقعين تحت ما وصفته بـ«التنويم المغناطيسي»، مما عطل تحقق مطالب الثورة، وأصدر المتظاهرون في نهاية مسيرتهم بيانا باسم الشعب للتأكيد على مطالبهم، وأنها مطالب الشعب أصدرها ولا يحق لأحد أن «يعدل» عليها.

وفي السويس، وبينما طافت مسيرة للإخوان المسلمين شوارع المدينة، بعد أن رفض «الإخوان» الانضمام للمظاهرة التي نظمتها الأحزاب والحركات الشبابية بالسويس، تظاهر عدة آلاف بميدان الأربعين بالسويس مطالبين بإسقاط فلول النظام الذين اتهمهم الأهالي خلال المظاهرة بمحاولة إحراق مدينتهم عقابا لها على دورها في الثورة، وأن أتباع النظام السابق هم السبب في الحريق الكبير الذي شب في شركة «النصر للبترول» مؤخرا، وشارك في مظاهرات السويس ائتلاف شباب السويس والتيار السلفي، مطالبين بإقالة محافظ السويس ومدير الأمن، مؤيدين مطالب التحرير برحيل المجلس العسكري.

وفي الإسماعيلية، شارك نحو ألفي متظاهر في مظاهرات ميدان الممر للتأكيد على مطالب المتظاهرين بميدان التحرير، بينما شاركت بعض القوى والكيانات المستقلة في المظاهرة لإعلان الحرب (على حد تعبيرهم) على المادة 28 من الإعلان الدستوري، وتم تنظيم ثلاث مسيرات نظمتها حركة شباب 6 أبريل وجماعة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية.

وفي بورسعيد، انطلقت مسيرة حاشدة بوسط المدينة وشارك رموز من حزب النور السلفي وعدد من الأحزاب والحركات الثورية في المظاهرات، مؤيدين مطالب التحرير بسرعة تسليم السلطة للمدنيين وعودة الجيش إلى مهمته الرئيسية في حماية الدولة، رافضين وضع دستور جديد واختيار الرئيس في ظل حكم العسكر، وردد المتظاهرون هتافات: «اهتف يلا يا مصري وقول.. لا.. لا للفلول» و«من المنشية للتحرير.. يسقط يسقط المشير».

وفي صعيد مصر، تظاهر الآلاف لتأييد متظاهري التحرير، وتكرر الانقسام الذي حدث بالسويس في محافظة قنا، حيث انسحب أعضاء ائتلاف شباب الثورة وحركة شباب 6 أبريل من المظاهرة الجامعة التي شهدتها المحافظة لاعتراضهم على استئثار أعضاء جماعة الإخوان المسلمون والتيار السلفي بالمظاهرة، وعدم الالتزام بالتوحد المتفق عليه أثناء المظاهرة.

وأدى أعضاء القوى السياسية والدينية صلاة الجمعة بميدان الساعة، وهتف الجميع ضد العسكر، ونددوا بترشح رجال النظام السابق لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي محافظة الأقصر، أدى أعضاء القوى السياسية صلاة الجمعة بميدان أبو الحجاج الأقصري، وندد الجميع بترشح فلول النظام السابق لمقعد الرئاسة، وطالبوا بتفعيل قانون العزل السياسي ضدهم، كما نددوا بحكم العسكر، ووجه له المشاركون اتهامات بالتسبب في الأزمات التي تعيشها مصر وعلى رأسها أزمة السولار والبنزين.