السودان يعلن تحريره لبلدة هجليج والبشير يتوعد بمواجهة جوبا

الناطق باسم الجيش الشعبي لـ «الشرق الأوسط»: قواتنا لم تهزم وانسحابنا بقرار من الرئيس سلفا كير

TT

في تطور لافت وسريع للأحداث بين دولتي السودان وجنوب السودان حول النزاع الحدودي بينهما، أعلن الرئيس السوداني عمر البشير تحرير قواته لبلدة هجليج النفطية الحدودية صباح أمس، بعد وقت قليل من إعلان نظيره الجنوبي سلفا كير ميارديت سحب قواته في غضون ثلاثة أيام من البلدة التي دخلتها الثلاثاء الماضي. وأفادت مصادر في جوبا بأن الخطوة تمت بعد ضغوط كبيرة إقليمية ودولية تعرضت لها حكومة الجنوب لكي تسحب قواتها من البلدة النفطية، في وقت نفى المتحدث باسم الجيش الشعبي أن تكون القوات السودانية قد دخلت البلدة بالقوة.

وقال الرئيس السوداني عمر البشير أمام جموع من مؤيديه عند مقر قيادة الجيش في الخرطوم، أمس، إن قواته استطاعت تحرير البلدة عنوة وإن جنود جيش الجنوب ما زالوا يوالون الفرار. وجاء حديث البشير بعد وقت قليل من إعلان رئيس دولة جنوب السودان سلفا كير ميارديت أنه سيسحب قواته في غضون ثلاثة أيام من البلدة. وكان البشير يؤكد عزمه مواجهة الجنوب أمس، واصفا رئيس دولة جنوب السودان سلفا كير ميارديت بـ«رئيس الحشرات». وقد كرر كلمة «الحشرات» عدة مرات في وصفه للحركة الشعبية الحاكمة في جنوب السودان. وتعهد البشير بأن يلحق الهزيمة بقوات الجبهة الثورية السودانية التي تقاتله في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، قائلا «لن تنتهي معاركنا مع الحشرة الشعبية إلا بعد تطهير السودان كله في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور»، مضيفا: «نحن جاهزون لحسم أي تمرد وأي اعتداء على حدود السودان».

وكان وزير الدفاع السوداني، عبد الرحيم محمد حسين، قد أعلن في بيان أذاعه التلفزيون الرسمي أن قواته دخلت هجليج، وخرجت جموع من المواطنين السودانيين إلى مقر القيادة العامة للجيش السوداني تأييدا له. وقال إن قواته حررت بلدة هجليج النفطية، مضيفا: «تمكنت القوات المسلحة من هزيمة فلول جيش جنوب السودان والمرتزقة وتمكنت من تحرير هجليج عنوة واقتدارا». وقال إن قواته تواصل إكمال مهمتها. وأضاف أن قواته دخلت في معارك قاسية مع قوات الجنوب.

ومن جانبه، قال الدكتور أمين حسن عمر، الوزير في الرئاسة السودانية، إن حكومته دخلت في معركة طويلة الأمد. وأضاف: «ينبغي أن نرتب أوضاعنا الأمنية والعسكرية والاقتصادية على هذا الأساس وبحيث تكون قابلة للاستمرار على الصعيدين الاقتصادي والأمني معا». ولكنه لم يستبعد العمل الدبلوماسي أو الهدنة بين الطرفين، وقال: «في كل الأحوال، ينبغي أن ندرك حقيقة أن (الحركة الشعبية) الحاكمة في الجنوب صنيعة وأداة في يد الصهيونية وتملك جيشا قبليا غير نظامي تخترقه صراعات كثيرة». وأضاف: «نحن لسنا حريصين على تفكيك الجنوب أو نسف جيشه أو نسف استقراره، ولكن نحن أيضا لن نضعف عن استعمال أي وسيلة في مواجهة العدوان علينا».

ومن جهته، نفى الناطق باسم الجيش الشعبي لجنوب السودان فيليب أقوير لـ«الشرق الأوسط» أن تكون القوات المسلحة قد تمكنت من دخول هجليج بالقوة. وقال: «الخرطوم استغلت قرار الرئيس سلفا كير بسحب قوات الجيش الشعبي من هجليج لتحوله إلى نصر ودعاية»، مضيفا: «البشير ووزير دفاعه يبثان الكذب للشعب السوداني بهذه الدعاية وتصوير انتصار في خيالهم». وأقر بأن خطوة الانسحاب ستغضب الشعب الجنوبي، لكنه عاد وقال: «انسحاب قواتنا يأتي تنفيذا لقرار الرئيس سلفا كير، وهناك ضغوط تمت من قبل المجتمع الدولي والأمم المتحدة والغرب، لكن هذه الدول لا تعرف حقيقة الحدود بين الدولتين». وتابع أن «قرار الانسحاب لإعطاء الفرصة لحل النزاع سياسيا»، معتبرا أن الجيش الشعبي حقق انتصاراته على القوات السودانية، آخرها أمس في منطقة شمال هجليج.

من جانبه، أكد وزير النفط والتعدين في جنوب السودان أستيفن ديو داو، لـ«الشرق الأوسط»، أن قرار سحب قوات بلاده من هجليج جاء نتيجة للمناشدات الدولية من الأمم المتحدة وأصدقاء دولته في الولايات المتحدة وأوروبا ومصر بسحب قوات الجيش الشعبي والعودة إلى طاولة المفاوضات، مشيرا إلى أن الأمم المتحدة عليها أن تقوم بنشر مراقبين في المنطقة بحسب ما وعدت به من قبل. وأضاف: «إذا فشلنا في المفاوضات فسنتوجه إلى التحكيم الدولي، والبشير يعرف أن هجليج جنوبية تم ضمها إلى السودان الشمالي في عام 1978 في عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري»، معتبرا أن إعلان البشير أن قواته حققت انتصارا في هجليج محض دعاية. وقال: «هذه محاولة من البشير لرفع معنويات قواته التي تمت هزيمتها بصورة مهينة والخرطوم تحلم بأنها هزمت الجيش الشعبي»، قائلا: «لم تدخل قوات البشير حتى الآن منطقة هجليج، ونحن انسحبنا بإرادتنا وتلبية للمناشدات الدولية والإقليمية».

واتهم داو الحكومة السودانية باستهداف مواقع النفط في هجليج ومناطق أخرى، قائلا «بالأمس تم قصف وحدة المعالجة المركزية للنفط في هجليج وما زالت النيران مشتعلة فيه»، مناشدا المجتمع الدولي والمنظمات للتدخل وإجراء التحقيقات اللازمة لما يمكن أن يسببه التدمير الذي تم لوحدة المعالجة المركزية من كارثة بيئية وبشرية. وقال: «سنتقدم بدعوة إلى المحاكم الدولية ضد السودان ليدفع التعويضات المادية لقتله مواطنين في ولاية الوحدة وهجليج، إلى جانب الكارثة التي تسبب فيها»، نافيا قيام الجيش الشعبي بقصف مواقع النفط. وأضاف: «ليست لدينا طائرات حتى نقوم بالقصف، وقاذفات الطائرات معروفة، وطريقة القصف يعرفها العسكريون».

في غضون ذلك، نقلت صحيفة أوغندية عن أكبر مسؤول عسكري في كمبالا أمس قوله إن بلاده ستساند جارتها المستقلة حديثا جنوب السودان في حالة اندلاع حرب بينها وبين السودان. ونقلت صحيفة «ديلي مونيتور» عن الجنرال أروندا نياكايريما، قائد قوات الدفاع الأوغندية، قوله «لن نقف مكتوفي الأيدي. سنشارك لأننا عانينا حربا بالوكالة من جانب الخرطوم». وأوضحت الصحيفة أن نياكايريما أدلى بهذه التصريحات خلال اجتماع لقادة عسكريين إقليميين في العاصمة كمبالا مساء الأربعاء الماضي. وقال نياكايريما «عانى شعبنا في شمال أوغندا، وتشير معلومات مخابراتنا أيضا إلى أن جيش الرب للمقاومة الذي يملك ما يقدر بنحو 200 مدفع على اتصال مجددا بالخرطوم». وأكد فيليكس كولاييجي، المتحدث باسم الجيش الأوغندي، أن نياكايريما أدلى بالفعل بالتصريحات المنشورة في «ديلي مونيتور».