ارتفاع معدلات انتحار المراهقين يدق ناقوس الخطر في روسيا

تحذير الإعلام من كيفية التعاطي مع الظاهرة وتحميل المسؤولية لتداعيات الانهيار السوفياتي

فتاتان تنظران من النافذة في مركز يقدم الدعم النفسي للمراهقين في موسكو، أول من أمس (نيويورك تايمز)
TT

تواجه روسيا زيادة كبيرة في معدلات الانتحار بين المراهقين الذين يقلدون بعضهم البعض، مما دفع الرئيس ديمتري ميدفيديف إلى تحذير وسائل الإعلام يوم الخميس الماضي من زيادة التركيز على أخبار تلك الوفيات، خوفا من قيام المزيد بتقليدها.

وقال ميدفيديف: «إنه أمر مقلق وخطير بالفعل، ولكن هذا لا يعني أن تلك الظاهرة ستتنامى من عام إلى آخر. ويجب التعامل مع هذا الأمر بهدوء شديد».

وقد بدأت موجة الانتحار بين المراهقين في شهر فبراير (شباط) الماضي، عندما قامت فتاتان لا تتعديان 14 ربيعا بالإمساك بيد بعضهما والقفز من سطح الطابق السادس عشر لمبنى سكني في إحدى ضواحي العاصمة موسكو، وأعقب ذلك سلسلة من عمليات القفز من المباني السكنية التي أثارت الرأي العام في روسيا.

وكانت هناك 6 حالات وفاة على الأقل خلال 24 ساعة فقط، بداية من يوم 9 أبريل (نيسان)، حيث قامت مراهقة في السادسة عشرة من عمرها بالقفز من أحد المستشفيات الذي لم يتم تشييده بالكامل في سيبيريا، بينما قام 5 آخرون بشنق أنفسهم: وهم فتى، 15 عاما، من مدينة بيرم، حيث اكتشفت أمه وفاته بعد يومين من انتحاره، وفتى آخر، 15 عاما، قتل نفسه في يوم عيد ميلاده في مدينة نيجني نوفغورود التي تقع على نهر الفولغا، بالإضافة إلى بعض المراهقين الذين قتلوا أنفسهم في مدينة لومونوسوف الشمالية وفي مدينة سامراء وفتى آخر، 16 عاما، يشتبه في انتحاره باستخدام ملاءات السجن في مدينة كراسنويارسك. وشهد الأسبوع الماضي 10 حالات انتحار على الأقل، بما في ذلك صبي في الحادية عشرة من عمره، وجد مشنوقا تحت سقف منزله في كراسنودار.

ورغم أن الازدهار الاقتصادي الذي تشهده روسيا قد أدى إلى تقليل معدلات انتحار البالغين، لا يزال معدل انتحار المراهقين في روسيا يفوق المتوسط العالمي بثلاثة أضعاف. ويعزو الخبراء هذا إلى إدمان الكحول والمشاكل العائلية وغيرها من التداعيات التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي، بالإضافة إلى غياب المؤسسات الخاصة بالصحة العقلية وشبكات الدعم الاجتماعي لمساعدة الشباب الذي يعاني من اضطرابات.

ويتفق هؤلاء الخبراء أيضا مع الرئيس ميدفيديف في أن الدعاية التي تحيط بحالات الانتحار – والتي تنتشر أخبارها سريعا على شبكات التواصل الاجتماعي الروسية – قد تشجع المزيد على تقليد تلك الأفعال. وخلال الأسبوع الجاري، وجهت صحيفة «سمينا»، التي تصدر في مدينة سان بطرسبرغ، انتقادا شديدا للاهتمام المتزايد بتلك الظاهرة، وقالت: «في الوقت الذي يبدي فيه عدد قليل من البالغين قلقهم تجاه حالات الوفاة تلك، وبينما يحاول آخرون فهم الدوافع وراء انتحار هؤلاء المراهقين، يرى بعض المراهقين تلك الأفعال على أنها نموذج يجب تقليده».

ويؤكد تقرير صادر عن صندوق الأمم المتحدة للطفولة في أواخر العام الماضي أن روسيا، التي يبلغ عدد سكانها 143 مليون نسمة، تحتل المرتبة الثالثة في العالم في معدلات الانتحار بين المراهقين، تتقدمها جمهوريتان سابقتان في الاتحاد السوفياتي هما كازاخستان وبيلاروسيا. ويبلغ المعدل العالمي للانتحار بين المراهقين 7 حالات من بين كل 100000 مراهق في العام، بينما يزداد هذا الرقم إلى 22 حالة انتحار من بين كل 100000 مراهق في روسيا، ويصل إلى 100 حالة انتحار بين كل 100000 مراهق في منطقتين في روسيا هما توفا وتشوكوتكا. ويؤكد التقرير أن 1700 مراهق روسي خلال الفئة العمرية بين 15 و19 عاما يقدمون على الانتحار سنويا.

ويقول بوريس بولزهاي، وهو طبيب نفسي في معهد موسكو سيرسكي للطب النفسي الاجتماعي والشرعي: «تتنوع أسباب الانتحار في روسيا ما بين العوامل الاجتماعية والطبية والنفسية، لذا يجب حل هذه المشكلة بشكل منهجي ويجب تنسيق كافة الجهود. ولكن لسوء الحظ، لا يوجد مثل هذا النظام في روسيا حتى الآن».

وطبقا للقانون الروسي، ينبغي أن يوجد طبيب نفسي واحد على الأقل في كل مدرسة في روسيا، ويوجد خط ساخن على المستوى القومي ليقوم الأشخاص الذين تراودهم تلك الأفكار الانتحارية بالاتصال به. وباستثناء تلك الإجراءات، لم تكن هناك جهود تذكر لمعالجة تلك المشكلة على المستوى الفيدرالي.

ووصف بافيل أستاخوف، وهو مفوض الرئيس الروسي لحقوق الأطفال، هذا الوضع بـ«الكارثة». وقال: «يكره المسؤولون، ولا سيما البيروقراطيين هذا الموضوع، حيث توجد إدارة مختصة بهذا الشأن في وزارة الصحة، والتي من المفترض أن تقوم ببعض التدابير الوقائية، ولكن كل ما يقومون به حتى الآن هو تجميع البيانات الإحصائية والمعلومات والأرقام. وفي الواقع، تلك الأرقام مروعة للغاية، حيث يتعلق كل رقم بحياة أحد هؤلاء الأطفال».

وركز المشرعون على الدور الذي تلعبه شبكات التواصل الاجتماعي وتغطية وسائل الإعلام لعدد الوفيات خلال العام الجاري. ونظرا للضغط الشعبي، بدأ «فكونتاكتي»، وهو أكبر موقع للتواصل الاجتماعي في روسيا، بحذف المجموعات المجتمعية التي توفر إرشادات أو طرق القيام بالانتحار، بينما اختفت إلى حد كبير تغطية تلك الأحداث عن طريق الرسومات في التلفزيون الحكومي، بما في ذلك المشاهد التي تسبب الدوار والمأخوذة من فوق الأسطح وإحدى اللقطات التي تم تصويرها، لمرة واحدة على الأقل، لجثة مليئة بالدماء ومغطاة بملاءة.

ويقول كيرل خلوموف، وهو رئيس «مركز مفترق الطرق»، الذي يقع في موسكو ويوفر النصائح للمراهقين المعرضين للخطر، إن هذه المشكلة تتفاقم، مضيفا: «عندما تتحدث وسائل الإعلام عن حالات الانتحار، يبدو الأمر دائما كما لو كان الحل يكمن في تلك الأفعال. يجب إغلاق الـ(فيس بوك) فقط وكل شيء سيكون على ما يرام، لأن الأمور تسير بشكل سيئ في الوقت الحالي». ويشير خلوموف إلى حالة الفراغ التي خلفها غياب المنظمات الشبابية السوفياتية مثل منظمة «يونغ بايونيرز» والتي كانت بمثابة الهيكل الاجتماعي للمراهقين. ويضيف خلوموف: «يجد الصغار اهتماما من الحضانات ومن السهل على البالغين الاهتمام بهم، ولكن المراهقين يكونون في مرحلة سنية يرون فيها أن المهمة تكمن في الانفصال عن عائلاتهم».

وفي إحدى الليالي خلال الآونة الأخيرة، حضر 9 فتيان وفتيات إحدى فعاليات الأبواب المفتوحة التي ينظمها «مركز مفترق الطرق»، حيث قام بعضهم بالرسم، بينما كان الآخرون يشعرون بالسعادة فقط لقربهم من بعضهم البعض، ولكن يعتبر هذا المركز، الذي يخدم 400 عميل مجانا، شيئا نادرا في روسيا. ويقول خلوموف إن الآباء والمعلمين الروس غالبا ما يقومون بطرد المراهقين الذين يعبرون عن أفكار انتحارية، معتبرين هذا الكلام محاولة للتلاعب بدلا من كونه صرخة طلبا للنجدة. ويزيد هذا التصرف من عزلة هؤلاء الشباب ويعزز من قناعتهم بأن أحدا لن يفهم شعورهم أبدا. وأضاف خلوموف: «عندما يقدم شخص ما على الانتحار، فإنه ينسى أمر حياته الشخصية ويقتصر هدفه على معاقبة الآخرين، ولكن لن يحدث شيء بعد ذلك. ويعتبر الشعور بالقوة المطلقة وغير المحدودة، إحدى السمات المميزة لمرحلة المراهقة».

* خدمة «نيويورك تايمز»