الطريق إلى دمشق يبدو طويلا وصعبا على الأمم المتحدة

تجارب قوات حفظ السلام المنتشرة في المنطقة منذ عقود غير مشجعة

TT

حلقت أربع طائرات نقل عسكرية فوق البحر المتوسط في طريقها إلى بيروت هذا الأسبوع من قواعد في برينديزي وبراغ حاملة أول المعدات لبعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في سوريا والتي لا يمكن التنبؤ بنتائجها النهائية. ولكن كيف ومتى قد تنتهي العملية؟ سؤال ربما ستبحث المنظمة الدولية عن إجابة له لبعض الوقت.

وكانت حمولة الطائرات وهي عبارة عن عشر سيارات رباعية الدفع مطلية باللون الأبيض المميز للأمم المتحدة، والمألوفة في ساحات القتال على مستوى العالم، مخصصة لفرقة غير مسلحة من 30 من مراقبي وقف إطلاق النار، سيتسع حجمها على مدى الأسابيع القادمة لتشمل 300 مراقب.

من بيروت 90 دقيقة بالسيارة عبر الجبال إلى سهل البقاع في لبنان، ثم الطريق إلى دمشق.. الاسم الذي يفوح بالقومية العربية والذي أصبح الآن محورا لانتفاضة يستحيل التكهن بنتائجها. وبإلقاء نظرة على قوات الأمم المتحدة الأخرى التي ما زالت مضطلعة بعمليات لحفظ السلام في الشرق الأوسط بعد عقود كثيرة، يتبين إلى أي مدى طريق التدخل طويل.

لم تنشر الأمم المتحدة سبعة جنود داخل سوريا هذا الأسبوع إلا بعد مقتل عشرة آلاف أو أكثر على مدى 13 شهرا، خلال حملة عنيفة شنها الرئيس بشار الأسد على ما بدأ كمظاهرات في الشوارع وتحول إلى انتفاضة مسلحة.

ويقودهم حاليا عقيد مغربي أمامه جبل من التوقعات، إذ يعتقد معارضو الأسد أن الأمم المتحدة ستكون في صفهم. لكن البعثة ملتزمة بالحياد. غير أن هذه يمكن أن يكون نواة بعثة للأمم المتحدة سيتحدد حجمها ونطاقها ومواردها وفعاليتها في نهاية المطاف بناء على الدبلوماسية العالمية التي ستحركها بدورها أحداث لا يمكن التنبؤ بها في سوريا وخارجها في الأشهر القادمة.

وتغير اللاعبون في القرن الحادي والعشرين، لكن تنافس القوى الذي رسم خريطة سوريا منذ نحو 90 عاما يسعى من جديد إلى لعب دور في مستقبل البلاد البالغ عدد سكانها 23 مليون نسمة. ولم يكن أمام الأسد الذي يعتمد على دعم روسيا والصين من خيار سوى قبول وقف إطلاق النار وبعثة المراقبة اللذين اقترحتهما الأمم المتحدة. ويأمل المبعوث العربي الدولي كوفي أنان في نشر جنود أجانب وطائرات هليكوبتر في سوريا في الأسابيع القادمة في إطار بعثة المراقبة، وتفويضها المبدئي للأشهر الثلاثة القادمة.

وبعثة الإشراف التابعة للأمم المتحدة في سوريا أو «يو.إن.إس.إم.إي.إس»، لا تتكون من 300 مراقب عسكري مقترح وحسب، وإنما من المسؤولين عن توفير الدعم اللوجستي لهم. ويقترح الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن «يتم نشرها تدريجيا على مدار أسابيع في نحو عشرة مواقع متفرقة بسوريا»، وأضاف «سيكون وجودا خفيف الحركة يراقب باستمرار وبسرعة ويقيم الحقائق والأوضاع على الأرض بموضوعية ويتواصل مع كل الأطراف المعنية».

وقال إنها ستحتاج أيضا إلى «موظفين لدعم البعثة متنوعي المهارات، بما في ذلك مستشارون في مجالات السياسة وحقوق الإنسان والشؤون المدنية والمعلومات العامة والأمن العام والخبرات الأخرى»، وضمانات بالتحرك دون عائق داخل سوريا وإلى خارجها لجميع العاملين والمعدات والمؤن.

ويبدو أن كل التفاصيل التي يمكن تحديدها قد تم تحديدها بالفعل، وعلى سوريا أن توافق عليها بالكامل. وقال المتحدث باسم أنان إن اتفاقا مبدئيا وقع في دمشق الخميس يحدد مهام المراقبين ومسؤوليات الحكومة السورية. وهذه ليست سوى خطوة نحو بروتوكول كامل يحكم عملياتهم.. ويقول محللون إن التفاصيل ستزخر بالمشكلات حين يأتي وقت التنفيذ الفعلي.

وأوضحت دمشق - التي لا تريد إرسال قوة أكبر حجما - أنها ترى أن 250 مراقبا هو العدد المناسب، وقالت إنها يجب أن توفرها دول «محايدة» - ربما يصفها كثيرون بأنها دول متعاطفة - مثل دول مجموعة بريكس وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.

أما عن «خفة الحركة»، فتقول سوريا إنه سيكون على المراقبين تنسيق كل خطوة مع قوات الأمن لسلامتهم، وهي ترتيبات تشير تجارب سابقة للأمم المتحدة إلى أنها يمكن أن تؤدي إلى مراوغات لا تنتهي.

وسيضم المراقبون «خبراء معدات حربية» يستطيعون أن يحددوا بسرعة ما إذا كان الجيش السوري انتهك وقف إطلاق النار بإطلاق نيران أسلحة ثقيلة، مثل قذائف المورتر التي كان يقصف بها حي الخالدية بمدينة حمص يوميا منذ بدء سريان الهدنة يوم الخميس الماضي.. لكن عليهم أن يصلوا إلى الموقع بسرعة. ويجب أن يتمكنوا من الحديث مع من يشاءون دون خوف أو محاباة.

ويلزم اقتراح كي مون ليوم 18 أبريل (نيسان) والذي ينتظر موافقة مجلس الأمن الدولي سوريا «بتسهيل الانتشار السريع للأفراد دون عائق وضمان حرية حركتهم ووصولهم دون عائق وفورا»، والذي قال: «هذا.. يجب دعمه بأدوات النقل الجوي المناسبة لضمان التنقل والقدرة على التعامل بسرعة مع الوقائع التي يتم الإبلاغ عنها»، وفي تلميح بلغة دبلوماسية يمكن أن يعني تفاوضا مطولا مع الأسد قال كي مون «جرت مشاورات لشرح هذه المبادئ».

ويقول تيمور جوكسل، المتحدث السابق باسم قوة الأمم المتحدة «يونيفيل» - التي انتشرت في جنوب لبنان عام 1978 على أساس «مؤقت»، ولا تزال هناك وقوامها 13 ألف فرد بعد 34 عاما - إن دمشق لها خبرة سابقة مع بعثتين للأمم المتحدة. وأضاف «ستجد وسائل مختلفة لتصعيب مهمتهم».

ويقول جوكسل إن قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك، وهيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة في مرتفعات الجولان، لم ترتبطا بعلاقة جيدة مع سوريا لأنها «حاولت دائما فرض قيود على تحركاتهما».. وأشار إلى اقتراح كي مون بأن تكون السلطات السورية مسؤولة عن أمن المراقبين غير المسلحين، ويقول إن هذا يعطيهم فرصة ذهبية ليقولوا «عفوا لا تستطيعون الذهاب إلى هنا اليوم.. المكان غير آمن»، أو «اذهبوا بصحبتنا».

ولم يحصل الفريق الطليعي بقيادة العقيد المغربي محمد حميش على إذن بزيارة حمص لأسباب أمنية.

وتهدف الأمم المتحدة إلى تفادي الانزلاق إلى حرب أهلية شاملة في دولة تعاني من انقسامات دينية وعرقية وقبلية.

وتختلف سوريا عن ليبيا في أنها ليست ديكتاتورية منعزلة لها جيش ضعيف. ولا يريد الغرب التدخل العسكري ضد قوة مزودة بأسلحة ثقيلة قوامها 300 ألف فرد وتملك الكثير من الأسلحة والطائرات والصواريخ المضادة للطائرات سوفياتية الصنع.

لكن المذابح التي لا تنتهي على شاشات التلفزيون العالمية يمكن أن تزيد الاستياء العام إلى مستوى لا تصبح عنده التصريحات الغاضبة والعقوبات كافية للحكومات الغربية. في البوسنة بدأ الأمر ببعثة مراقبة صغيرة تابعة للأمم المتحدة، تحولت بفعل الضغوط الشعبية إلى عملية تدخل إنسانية قوامها 60 ألف جندي علاوة على الدبابات والطائرات الحربية.

وقال أيهم كامل، المحلل بمجموعة يوراسيا: «سيكون أصعب النظر إلى الصراع السوري وعدم بحث الخيارات لشكل من أشكال التدخل»، وأضاف «في الوقت الحالي لم نصل إلى المرحلة التي تتوفر فيها لدى القوى الأميركية والغربية الرغبة والقدرة على التدخل في سوريا على نطاق أوسع».

وأشار كامل إلى أن العام الحالي سيشهد انتخابات الرئاسة الأميركية، وقال «نحن في مرحلة يبحث فيها الجميع الخيارات المختلفة لأن الاستراتيجية التي انتهجت في البداية لم تؤد إلى تنحي الأسد. وأصبح العنف أكثر كثافة».

وتقوم خطة أنان المكونة من ست نقاط على إقرار هدنة ثابتة ووقف الاعتقالات والتعذيب والإعدامات والكمائن التي ينصبها مقاتلو المعارضة والتفجيرات، وهو الهدوء الذي يمكن أن يوفر «ظروفا مواتية لحوار سياسي شامل بين الحكومة السورية وجميع أطياف المعارضة السورية».. ولا تدعو الخطة الأسد للتنحي.

لكن الكثير من المراقبين يعتقدون أن «الحوار السياسي» مع المعارضة السورية لا يمكن أن تكون له إلا نتيجة واحدة، هي نهاية الأسد ونظامه الحاكم الذي تهيمن عليه الأقلية العلوية التي ينتمي لها والذي تدعمه إيران. وربما يواصل مراوغة القوى العالمية والأمم المتحدة ليتشبث بالحكم لسنوات أخرى مثلما فعل الرئيس الراحل صدام حسين في العراق.

وفي الوقت الحالي يواجه المراقبون المقرر أن يصلوا إلى سوريا في الأيام القادمة مهمة فورية هي تقييم التقارير المتضاربة عن الانتهاكات لهدنة 12 أبريل (نيسان)، والإشراف على انسحاب جميع القوات والأسلحة الثقيلة «إلى ثكناتها» وهو شرط في خطة عنان قد يفنده الأسد.

ويقول محللون إن السوريين يعلمون أن الأمم المتحدة سترسل مراقبين عسكريين يتمتعون بخبرة أكبر من البعثة المدنية العسكرية المختلطة، التي أرسلتها جامعة الدول العربية وغادرت بعد بضعة أسابيع دون أن تكلل مهمتها بالنجاح في يناير (كانون الثاني) لتعرضها لمضايقات على كافة الأصعدة، وسط تزايد أعمال العنف في البلاد.

وقال جوكسل المتحدث السابق باسم قوة يونيفيل إن فرق الأمم المتحدة ستتمكن من «تحديد مصدر إطلاق النيران وأنواع الأسلحة»، واستطرد قائلا إن السلطات السورية «ستبذل كل ما في وسعها.. لمنع هؤلاء الرجال من حرية التحرك».