السودان يحتفل باستعادته منطقة هجليج.. وجنوب السودان يؤكد مواصلة انسحابه منها

أوباما يدعو السودانيين للتعايش السلمي والعودة إلى المفاوضات

الرئيس السوداني عمر البشير يحيى تجمعا شعبياً في الساحة الخضراء بالخرطوم أمس (أ. ف. ب)
TT

ما زال السودان يحتفل باستعادته «بالقوة» منطقة هجليج، التي أكدت دولة الجنوب أن قواتها ما زالت فيها بعد حديثها عن انسحاب طوعي وتدريجي تحت ضغط دولي. ومع الإعلان عن «تحرير» هجليج تدفق آلاف السودانيين إلى مقر رئاسة أركان الجيش، بينما أطلقت أبواق السيارات في العاصمة السودانية. وسار عشرات في الشوارع بينما استقل آخرون سيارات جابوا فيها العاصمة وهم يطلقون أبواقها في واحدة من أكبر مظاهرات الفرح في الخرطوم منذ سنوات.

وقال الرئيس السوداني عمر البشير أمام آلاف من أنصاره: «هم بدأوا القتال ونحن الذين نعلن متى ينتهي القتال»، مؤكدا أن «الزحف لن يقف والحرب بدأت ولن تنتهي». وأضاف البشير الذي كان يرتدي البزة العسكرية لأنصاره أمام مقر رئاسة أركان الجيش: «ليس هناك انسحاب، نحن ضربناهم عنوة وقوة». وهتف الحشد وهو يلوح بأعلام سودانية: «الله أكبر» و«شعب واحد جيش واحد»، داعيا الجيش إلى التوجه إلى جوبا عاصمة جنوب السودان، لكن جيش جنوب السودان أكد مساء أول من أمس أن قواته لا تزال في منطقة هجليج ولن تغادرها إلا بشروط حددتها جوبا، وأبرزها وقف الغارات السودانية.

وقال فيليب أقوير، المتحدث باسم الجيش الجنوبي، إن «رجالنا لا يزالون داخل هجليج»، والجيش السوداني الجنوبي «لن ينسحب إلا بشروطه الخاصة».

وكان رئيس جنوب السودان سلفا كير أعلن في وقت سابق الانسحاب الفوري لقواته من هجليج، مضيفا أن هذا التراجع سيحصل في الأيام الثلاثة المقبلة. ولم يشر سلفا كير إلى الهجوم المضاد الذي أعلن عنه الجيش السوداني على هذه المدينة الاستراتيجية التي تؤمن نصف الإنتاج النفطي للشمال. وأكد مع ذلك أنه لا يزال يعتبر هجليج جزءا لا يتجزأ من أراضي جنوب السودان، لكنه يقوم بهذا الانسحاب بسبب الضغوط المتكررة التي مارستها الأسرة الدولية.

إلى ذلك، أكد مسؤول في جنوب السودان أن قوات هذه الدولة الفتية تواصل انسحابها من منطقة هجليج النفطية المهمة أمس، بينما دعا الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى وقف القتال بين الخرطوم وجوبا وبدء مفاوضات.

وقال برنابا ماريال بنجامين، وزير الإعلام في جنوب السودان، في تصريحات صحافية، إن «قواتنا تواصل الانسحاب والأمر سيستغرق ثلاثة أيام».

وأضاف: «نلبي طلب مجلس الأمن الدولي وغيره بصفتنا دولة عضوا في الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي».

وبينما يبدو احتلال المنطقة الذي استمر عشرة أيام يقترب من نهايته، يقدم كل من البلدين روايته للأحداث.

وفي واشنطن، بينما رحب البيت الأبيض والخارجية الأميركية بانسحاب قوات جنوب السودان من منطقة هجليج النفطية في ولاية جنوب كردفان الشمالية، وجه الرئيس باراك أوباما رسالة إلى السودانيين، ترجمها البيت الأبيض إلى العربية، وعرضها بالفيديو في الإنترنت، دعاهم فيها إلى تحاشي الحرب والعيش معا في سلام.

وقال أوباما: «ليست المواجهة بينكما حتمية. لا يزال لدى شعب السودان وجنوب السودان خيار تجنب العودة مرة أخرى إلى الحرب».

وفي إجابة على سؤال من «الشرق الأوسط»، قالت متحدثة باسم القسم الأفريقي في الخارجية الأميركية إن أوباما تعمد استعمال عبارة: «شعب السودان وجنوب السودان»، وليس «شعبي السودان وجنوب السودان».

وأضاف أوباما: «يحتاج السودان إلى وقف جميع الأعمال العسكرية، بما في ذلك القصف الجوي، ومنع وصول المعونات من دون شرط إلى الناس المحتاجين إليها، وإنهاء الدعم للجماعات المسلحة (في الجنوب). وبالمثل، يجب أن يوقف جنوب السودان دعمه للجماعات المسلحة داخل السودان. وأن يوقف أعماله العسكرية عبر الحدود».

وفي إشارة إلى القتال في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق الشماليتين بين قوات حكومة البشير وقوات الحركة الشعبية، قال: «يجب أن تعترف جميع اطراف التي تشترك في القتال، بما في ذلك في جنوب كردفان والنيل الأزرق، بأن السبيل الوحيدة لتحقيق الأمن الحقيقي والدائم لحل خلافاتهما هو عن طريق المفاوضات».

وقالت هيلاري فولار، متحدثة باسم القسم الأفريقي في الخارجية الأميركية، إن أوباما «قلق جدا» إزاء الوضع في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، حيث القتال مستمر بين قوات البشير في جانب، وفي الجانب الآخر الحركة الشعبية والحركة الثورية التي كانت أعلنت عزمها على إسقاط نظام البشير بالقوة. وإن أوباما يظل يدعو «جميع الأطراف لممارسة أقصى درجات ضبط النفس، والتأكد من أهمية إيجاد حلول سلمية للمشكلات بين السودان وجنوب السودان». وإن أوباما «ملتزم التزاما عميقا بأن يرى السودان وجنوب السودان يعيشان في سلام، وقد ازدهرا اقتصاديا».

وكان الرئيس عمر البشير أعلن إغلاق أنابيب نفط السودان تماما أمام نفط دولة الجنوب مهما كانت القيمة المالية في ظل الحركة الشعبية لجوبا، وقال: «لو أدونا نسبة 50 في المائة من قيمة البترول نصيب الشمال قبل الانفصال ماعايزين، لأنو ما ح ندنس الأراضي السودانية ببترول تشرف عليه الحشرة الشعبية». وشدد البشير في خطاب جماهيري بالساحة الخضراء مساء أول من أمس على أن الـ«10 أيام» التي مكثتها قوات الجنوب في هجليج «ح نخلصها ثانية ثانية».

وسخر من حديث رئيس دولة الجنوب سلفا كير بأنه أعطى أوامره لقواته بالانسحاب من هجليج وقال: «عصرناهم ومرقناهم رجالة عديل».

وطالب الرئيس وزير الدفاع الفريق أول مهندس عبد الرحيم محمد حسين، بأن يرفع قبل فصل الخريف تمام تطهير النيل الأزرق وجبال النوبة من دنس التمرد، وقال: «لازم نطهر أرضنا من الحشرات قبل الخريف».

وقدم البشير اعتذاره لشعب الجنوب بتمكينه للحركة الشعبية من حكمه بعد توقيع اتفاقية السلام، ووعد بتصحيح هذا الخطأ وقال: «حنحرر أهلنا في الجنوب من هذه الحشرات». وأهدى البشير الانتصار وتحرير هجليج إلى الشهداء الذي مهروا السلام بدمائهم.

وقال: «هم بدأوا القتال ونحن البنحدد متين يقيف، والقرار في يد القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى»، مشيرا إلى أن القوات المسلحة أدت صلاة الجمعة بالمدينة.

وشدد البشير في اللقاء العفوي الذي تدافع له آلاف من المواطنين لمؤازرة القوات المسلحة بالقيادة العامة عصر أمس على أن الحرب مع دولة الجنوب بدأت بتحرير هجليج وستستمر حتى تطهير كل السودان، وأكد البشير أنه لا تفاوض بعد الآن إلا بالسلاح والبندقية مع دولة جنوب السودان، مشيرا لجاهزية القوات المسلحة لأي تمرد وتنظيف السودان من الخونة والمارقين.

وقال البشير إن قوات الحركة الشعبية المتمردة في جنوب كردفان والنيل الأزرق هي تابعة لدولة الجنوب ويصرفون مرتباتهم من حكومة الجنوب، مؤكدا أن دولة الجنوب ظلت تدعم التمرد بدارفور لإشعال الحرب بالسودان.

ومن جهته، طالب الدكتور الحاج آدم يوسف، نائب رئيس الجمهورية، حكومة دولة الجنوب بدفع كل التعويضات التي نجمت عن الخسائر التي لحقت بالمنشآت وفاقد النفط عن الأيام التي اعتدت فيها فلول جيش الحركة الشعبية على هجليج وحتى تحريرها أمس.

وخلال مخاطبته حشدا للمجاهدين والعاملين بالبنك العقاري والمعاشيين الذين قدموا للمركز العام للدفاع الشعبي اليوم دعما ماليا لصالح دعم المجهود الحربي، قال السيد نائب الرئيس: «لو دفعنا عائدات النفط من حقول هجليج ثمنا لوحدة صف أهل السودان وتلاحم الشعب مع قواته المسلحة بهذه الوطنية العالية التي شاهدناها في شوارع الخرطوم والولايات، معبرين عن فرحتهم، لما استطعنا أن نحقق هذا الهدف».

ومضى قائلا لو أخذت الحركة الشعبية «إبرة» أو أي آلية مستخدمة في معدات النفط وذهبت بها إلى الجنوب أو إلى ما بعد جوبا لاسترددناها وخيولنا مسرجة.

واستعرض الحاج آدم يوسف تضارب قادة حكومة الجنوب واضطرابهم، لافتا إلى أنهم يقولون إننا لن ننسحب من هجليج، وإنها أرض جنوبية، وتارة يقولون سننسحب لكن بشروط، وأخرى يعلنون انسحابهم تدريجيا خلال ثلاثة أيام ابتدأت أمس وانتهت في اليوم نفسه.

وطالب نائب الرئيس حكومة الجنوب بالكف عن إيواء متمردي دارفور وفك الارتباط بين الحركة، الفرقة التاسعة والعاشرة من الجيش الشعبي الموجودة في دولة السودان، التي تتلقى رواتبها وتعليماتها من حكومة الجنوب.

ونوه بالرغبة في دعمهم القوات المسلحة من مال الشعب السوداني الحلال بدلا من القروض المشبوهة، داعيا الوزارات وحكومات الولايات والمؤسسات والهيئات والقطاع الخاص للإسهام في دعم المجهود الحربي لإعداد العتاد والعدة لتحقيق النصر على أعداء الوطن.

وشن دكتور الحاج آدم هجوما على سلفا كير، رئيس دولة جنوب السودان، لافتا إلى أنه لا إرادة له، وإنما يتلقى تعليماته من أسياده في الغرب وأميركا.

ومضى قائلا: «نحن نحب شعب الجنوب؛ لذلك نرغب في تغيير حكم الحركة الشعبية والطغمة التي تربعت على حكمه دون رضاه».

وانتقد إصرار قادة الجنوب على الاستمرار في اسم الحركة الشعبية لتحرير السودان بعد الانفصال.

وطالب الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة القومي، الحكومة بضبط عباراتها، محذرا في الوقت ذاته من مغبة تأليب الرأي العام الدولي عليها بسبب التصريحات الخارجية بتحرير «جوبا»، ودعا الحكومة خلال مخاطبته أمس حشدا جماهيريا بمدينة الدويم لعدم فرض وصايتها على الجنوبيين، مشيرا إلى أن جوبا أصبحت عاصمة لدولة أخرى وأن تحريرها يتم بواسطة أهلها، مشددا على ضرورة مساءلة الحكومة حول أسباب التفريط في أهم المناطق الاقتصادية بالبلاد، متهما المؤتمر الوطني بإتلاف مشروع الجزيرة، وأردف: «الكيزان شلعو المشروع»، وتعهد في الوقت ذاته برد عافية مشروع الجزيرة، داعيا الأنصار باتخاذ موقف موحد مما سماه بالأرض المغصوبة في بحر أبيض، ومحذرا الحكومة من إغفال حقوقهم حتى لا يتكرر سيناريو المناصير، لافتا الانتباه إلى أن أي اتجاه لهدم خزان جبل أولياء يجب أن يُراعى فيه الكبري للمواطنين.

اعتبرت وزارة الخارجية انتصار القوات المسلحة في هجليج على جيش جنوب السودان انتصارا للدبلوماسية وفرصة مهمة لفضح ارتكاب دولة الجنوب لأخطر الانتهاكات لميثاق الأمم المتحدة وهو العدوان. وقال السفير رحمة الله محمد عثمان، وكيل وزارة الخارجية: «سنواصل معركتنا الدبلوماسية وإتيان حقيقة أن دولة الجنوب مُهدِّدة للسلم والأمن الدوليين»، وسخر الوكيل حسب «سونا» أمس، من تصريحات وزير الإعلام بدولة جنوب السودان عن أن قوات بلاده بدأت تنسحب من هجليج، وتساءل: ما الذي جعلها تتراجع بعد أن كانت تتمسك بشروطها التي وضعتها للانسحاب من هجليج، وما الذي تحقق حتى تستجيب. وقال إن هجليج معركة كرامة لقنت فيها القوات المسلحة، الجيش الشعبي دروسا في التضحية والفداء والحفاظ على سيادة الدول. من جهته، أوضح السفير بدر الدين عبد الله أحمد، مدير إدارة جنوب السودان بالخارجية، أن دولة جنوب السودان آخر دولة تنضم للأمم المتحدة، وتعتبر من أكثر الدول انتهاكا لميثاق الأمم المتحدة لارتكابها جريمة العدوان، وهي الأخطر في العرف الدولي، ما ينبئ بمستقبل فاشل للدولة الوليدة.