هناء شلبي لـ «الشرق الأوسط»: فرح الانتصار على الجلاد وألم لمفارقة الأهل

واصفة ترحيلها من قبل إسرائيل قصرا إلى غزة بعد 43 يوما من الإضراب عن الطعام

هناء شلبي خلال زيارة نظمها المنتدى بمستشفى القدس التابع للهلال الأحمر في غزة (فلسطين اليوم)
TT

شغلت قضية الأسيرة الفلسطينية المحررة هناء شلبي، المنتمية لحركة الجهاد الإسلامي، التي أبعدت إلى قطاع غزة مباشرة من الأسر الإسرائيلي بعد إضراب عن الطعام دام أسابيع، الرأي العام الفلسطيني والعربي والعالمي. فقد تم إطلاق سراح شلبي ضمن صفقة تبادل الأسرى الأخيرة بين حركة حماس وإسرائيل التي أصبحت تعرف بصفقة شاليط نسبة إلى الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الذي أفرج عنه في إطار هذه الصفقة، مقابل أكثر من ألف أسير فلسطيني.

غير أن سلطات الاحتلال الإسرائيلية أعادت اعتقالها إداريا دون إعطاء الأسباب أو توجيه التهم إليها، فخاضت احتجاجا على هذا الاعتقال غير المبرر من وجهة نظرها، إضرابا مفتوحا عن الطعام دام 43 يوما على غرار رفيقها خضر عدنان الذي حقق مراده من إضرابه الذي استمر 66 يوما، وأفرج عنه فجر يوم الأربعاء الماضي. وانتهى إضراب شلبي بقرار سلطات الاحتلال إبعادها إلى قطاع غزة.

التقت «الشرق الأوسط»، هناء شلبي في شقتها في حي الرمتال الجنوبي في مدينة غزة، وفي ما يلي نص المقابلة:

* ما شعورك الآن بعد أن تم إبعادك إلى غزة ضد إرادتك، بعيدا عن الأهل في الضفة الغربية؟..

- فرحة ممزوجة بالألم. فرحة لأنني انتصرت على الجلاد وأرغمته على الإفراج عني عبر الصبر ومكابدة الجوع والتعب والألم، ولأن الاحتلال بات يدرك أن الأسير الفلسطيني لا يمكن أن يستسلم لقراراته الجائرة. وأشعر بالألم لأني أبعدت عن بلدي ومسقط رأسي، ولم أعد في صحبة الأهل والأقارب.. فكم هو قاس أن يبعد الإنسان عن الموطن الذي نشأ وترعرع فيه. لكن في المقابل يعجز اللسان عن وصف وتقدير ترحيب أهلنا في قطاع غزة بي، فأنا أشعر أنني بين أهلي وأقاربي، فلا تكاد تمر لحظة إلا وهم يؤكدون الوفاء لقضية الأسرى عبر ترحيبهم بي. إنني أعيش على أمل أن أعود قريبا للضفة الغربية، حيث يجب أن أكون، وسيأتي هذا اليوم بعون الله، بأسرع مما يعتقد الأعداء.

* لقد أطلق سراحك ضمن صفقة التبادل الأخيرة بين حماس وإسرائيل، فلماذا أقدمت سلطات الاحتلال على اعتقالك وإبعادك؟

- لقد تضمنت صفقة «وفاء الأحرار» التزاما إسرائيليا واضحا بعدم التعرض للأسرى الذين يتم الإفراج عنهم من قريب أو بعيد، وقد تم تقديم هذا الالتزام بضمانات مصرية واضحة. وإن كان ميل الاحتلال للنكوص عن التزاماته وعدم وفائه بها أمرا طبيعيا، على اعتبار أنه لا يمكن أن ننتظر من العدو غير ذلك، فإننا كنا ننتظر أن يتدخل الجانب المصري لإجبار إسرائيل على الوفاء بالتزاماتها كما جاءت في الاتفاق الذي قاد إلى تنفيذ صفقة التبادل.

* هل هذا يعني أن هناك خشية أن يتم اعتقال ما تبقى من الأسرى المحررين الذين أطلق سراحهم في الضفة؟

- لقد شرعت إسرائيل في هذا بالفعل، وتم اعتقال عدد آخر من الأسرى، في حين تم استدعاء بعضهم للتحقيق. والمشكلة لا تتوقف عند هذا، بل إن هناك تسريبات إسرائيلية حول مخططات لاغتيال الأسرى المحررين. من هنا من الأهمية بمكان أن يكون هناك موقف حازم وصارم من الوسيط المصري، فالممارسات الإسرائيلية لا تمس حقوق الأسرى المفرج عنهم وأمنهم فحسب، بل تمس أيضا مصداقية الطرف المصري الذي توسط لإنجاز الصفقة.

* لم تكوني الأسيرة الأولى التي يبعدها الاحتلال عن الضفة الغربية إلى غزة، لماذا يلجأ الاحتلال برأيك لهذه السياسة؟

- يقدم الاحتلال على هذه الخطوة من أجل كسر إرادة الأسرى وتحطيم قدرتهم على الصمود، ظنا منه أن الإبعاد عن الأرض يمكن أن يبعث على اليأس والقنوط وتراجع المعنويات، ويمنعهم من التشبث برسالة المقاومة، ويمثل إرباكا للقيادات. إن هذه السياسة محكوم عليها بالفشل لأنها لا تدفع إلا لمزيد من التشبث بالعمل المقاوم ضد الاحتلال، فالمقاومون الذين تم إبعادهم سيحولون كل مكان يصلون إليه إلى ساحة للنضال والمقاومة. هذا صراع إرادات ولا يوجد ثمة خيار إلا الانتصار في هذا الصراع.

* كيف كان وقع قرار الإبعاد على العائلة؟

- كان الأمر مؤلما لهم، وقدم بعض أفراد العائلة لغزة، وكان اللقاء بيننا حزينا بكل تأكيد. فعندما تم الإفراج عني ضمن صفقة «وفاء الأحرار» اعتقدت أنني سأبقى بين أهلي وعائلتي، لذا كان لقائي بأهلي مؤلما. لكنني وإياهم نعيش على أمل أن يأتي اليوم الذي نلتقي فيه مجددا على أرض الضفة الغربية، وهذا اليوم سيأتي بعون الله.

* يخوض المئات من الأسرى الفلسطينيين حاليا إضرابا مفتوحا عن الطعام للمطالبة بتحسين ظروفهم الاعتقالية، كيف تقيمين فرص نجاح هذه المحاولات في ظل تأثير حالة الانقسام على الأسرى؟

- لم يكن هناك مفر من هذه الخطوة، فالأسرى ليس بإمكانهم التسليم ببقاء ظروف اعتقالهم التي تقوم على الإذلال والإهانة والتنكر لأبسط الحقوق التي تكفلها الشرائع السماوية والأرضية. هناك توجه من قبل سلطات الاحتلال لكسر إرادة الأسرى من خلال الحرص على تدهور ظروف الاعتقال والتنكيل بالأسرى، لذا لم يكن هناك خيار سوى الشروع في الإضراب. إنجاح هذا الإضراب يجب أن يكون هدفا يلتف حوله جميع الأسرى بشكل أساسي لأنه يعني في النهاية إجبار الاحتلال على تحسين ظروف اعتقال جميع الأسرى، وهذا ما يبرز الحاجة إلى التخلص من تأثير الخلافات الحزبية والتنظيمية من أجل وضع حد لهذه الممارسات الظالمة، على وجه الخصوص سجن الأسرى في زنازين انفرادية، وحرمانهم من أبسط حقوقهم..

* ماذا لو فشل الإضراب عن الطعام الذي يخوضه الأسرى؟

- أولا لا أريد أن أتحدث عن هذا السيناريو، لكن لو لا سمح الله حدث هذا، فهذا سيمنح سلطات الاحتلال الفرصة للانفراد بالأسرى والتنكيل بهم، وهذا ما يتوجب التكاتف من أجل منعه بكل قوة، وهذا أيضا يلقي مسؤولية على كاهل جميع أبناء الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والعالم بأسره للتدخل من أجل إنهاء معاناة الأسرى التي طالت. إن هناك حاجة ماسة لتكاتف الجميع من أجل إنجاح إضراب الأسرى وإننا نراهن على أن تتوحد جهود جميع الفصائل من أجل إنجاح هذا الإضراب المصيري.

* كيف تقيمين الدعوات التي يطلقها كثير من الشخصيات وممثلو الفصائل التي تدعو لاختطاف جنود الاحتلال لمبادلتهم بالأسرى، على غرار صفقة التبادل الأخيرة؟

- لم تفلح المفاوضات في إطلاق سراح الأسرى ولم تؤد إلى إنهاء معاناتهم، وبالتالي من الطبيعي أن يكون الرهان على المقاومة كسبيل وحيد لتحرير الأسرى. وإن كانت المفاوضات مع العدو مرفوضة من حيث المبدأ، إلا بشرط التفاوض على جلاء الاحتلال عن أرضنا المحتلة، وما دون ذلك لا يصلح لتبرير المفاوضات.

* كيف تقضين الوقت في غزة بعد إبعادك؟

- رسالتي الوحيدة الإسهام في كل عمل جماهيري يمكن أن يسهم في إنهاء معاناة إخواني الأسرى الذين يخوضون حاليا معركة الأمعاء الخاوية لوضع حد للظلم الذي يتعرضون له، أعتقد أن هذا هو أقل ما يمكن تقديمه لهذه الفئة العظيمة من أبناء شعبنا.