انطلاق الجولة الأولى من الاقتراع الرئاسي في فرنسا.. وهولاند الأوفر حظا

5 عوامل تؤثر على نتائج الانتخابات.. وحسابات الفائزين تتعقد بين الجولتين

فرنسي على دراجته يمر أمام صور إعلانية للمرشحين قرب مدينة ليل بشمال فرنسا أمس (رويترز)
TT

يتوجه الناخبون الفرنسيون اليوم إلى صناديق الاقتراع في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي ستتوج في السادس من مايو (أيار) باختيار الرئيس السابع للجمهورية الخامسة وسط توقعات تفيد بفوز المرشح الاشتراكي فرنسوا هولاند على الرئيس المنتهية ولايته نيكولا ساركوزي الذي يطمح لولاية ثانية من خمس سنوات.

وتنهض هذه التوقعات على نتائج استطلاعات الرأي التي تجمع كلها على فوز المرشح الاشتراكي بفارق كبير من النقاط. وبما أن القانون الفرنسي يمنع منذ مساء الجمعة الكشف عن أي استطلاعات جديدة، فإن آخر المتوافر (استطلاع معهد بي في آي) يفيد أن هولاند يمكن أن يحصل على 57 في المائة في الدورة الثانية مقابل 43 في المائة لساركوزي. وبحسب الخبراء، بات من الصعب على ساركوزي أن ينجح في تقليص هذا الفارق الكبير بينه وبين منافسه الاشتراكي. لكن معهد «اي إف أو بي» يقلل من الفارق بين المرشحين ألأولين (54 مقابل 46 في المائة). ومع ذلك، فإن هذا الفارق سيمكن المرشح الاشتراكي من تحقيق فوز «مريح» قياسا لما عرفته المنافسات الرئاسية السابقة.

لكن نتائج الدورة الثانية مرتبطة إلى حد بعيد بما سيخرج اليوم من صناديق الاقتراع التي دعي إليها 44.5 مليون ناخب. ولن تغلق المراكز الانتخابية إلا في الثامنة مساء في العاصمة والمدن الكبرى لإتاحة الفرصة لأكبر عدد من الناخبين القيام بواجبهم المدني. وبحسب آخر استطلاعين، فإن هولاند سيحتل المرتبة الأولى في أحدهما (30 في المائة مقابل 27 في المائة لساركوزي) ويتساويان في الثاني (27 في المائة). وبالنسبة للمرتبة الثالثة، يبدو أن مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن ستسبق مرشح اليسار الراديكالي جان لوك ميلونشون (16 في المائة للأولى مقابل 14 في المائة للثاني) بينما انهارت حظوظ مرشح الوسط فرنسوا بايرو في تحقيق اختراق كبير إذ إنه يبدو من الصعب عليه تخطي عتبة 10 في المائة. أما مرشحة الخضر إيفا جولي فإنها تراوح في حدود 3 في المائة.

غير أن استطلاعات الرأي لا تعني أن الانتخابات محسومة سلفا، وهي إن أعطت صورة عن الرأي العام، فإنها لا تنتج رئيسا ولا تستطيع حصر كل المتغيرات وقياس تأثيراتها وتفاعلاتها. ولذا، فإن خبراء الرأي العام والمحللين السياسيين سيتابعون عن كثب أربعة عوامل رئيسية، أولها نسبة الأصوات التي سيحصل عليها المرشحان الأولان.

ويعول ساركوزي كثيرا على إمكانية تقدمه على هولاند في الدورة الأولى. ورغم الشكوك التي تجتاح مرشح حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني «الحاكم» فإنه يراهن على احتلاله الموقع الأول الأمر الذي سيخلق دينامية انتخابية جديدة للدورة الثانية يأمل أن تكون قوية إلى درجة تبقيه لولاية ثانية في قصر الإليزيه. ويعول ساركوزي على ما يسميه «الحملة الجديدة» التي ستبدأ مساء اليوم وعلى قدرته في التفوق على منافسه الاشتراكي في المبارزة التلفزيونية التي ستجرى بينهما لاجتذاب ناخبين جدد وإقناع الفرنسيين المترددين على الاقتراع لصالحه رغم أن هذه الانتخابات تحولت وبنسبة كبيرة إلى «استفتاء» على شخص ساركوزي وسياسته إلى درجة أن الكثير من الناخبين سيصوتون لإخراج ساركوزي من الإليزيه وليس للمجيء بهولاند.

ويتمثل العامل الثاني بموقع مارين لوبن ونسبة الأصوات التي ستحصل عليها. وليس سرا أن ساركوزي سعى من خلال تبنيه لخط سياسي متشدد في مواضيع الأمن والهجرة والإسلام وأوروبا إلى سحب البساط الانتخابي من تحت رجلي لوبن. وستبين نتيجة الليلة ما إذا كان قد نجح في ذلك وما إذا كانت أصوات اليمين المتطرف ستصب على اسمه في الدورة الثانية. ومشكلة ساركوزي أن أصوات اليمين التقليدي لا تكفيه للفوز، ولذا فإن خلاصه يمر عبر اجتذاب ناخبي اليمين المتطرف وأيضا ناخبي الوسط الذين صوتوا لبايرو. غير أن الصعوبة أنه كلما استدار إلى اليمين المتطرف ابتعد عنه ناخبو الوسط وكلما انتهج خطا معتدلا نأى عنه ناخبو لوبن مما يعني أن مهمته ستكون بالغة الصعوبة.

وتراهن لوبن على الحصول على نسبة أصوات تصل إلى 20 في المائة وهي ما فتئت تؤكد لناخبيها أن «مفاجأة» تنتظرهم الليلة. ولا يخفى على المتابعين أن استراتيجية لوبن هي في إحداث انشقاق في صفوف اليمين الكلاسيكي واجتذاب نسبة منه في تحالفات انتخابية ضرورية للانتخابات التشريعية التي ستجرى في يونيو (حزيران) القادم وسيكون موقعها أقوى كلما زادت نسبة الأصوات التي ستصب لصالحها.

ويتخوف هولاند (العامل الثالث) من أمرين: الأول، أن يعتبر مناصروه استنادا إلى استطلاعات الرأي، أن المعركة قد حسمت وبالتالي يمتنعون عن التصويت والثاني أن تكون نسبة المقاطعة عالية. وتقليديا، يستفيد اليمين من الامتناع عن التصويت لأن الممتنعين هم تقليديا، من أوساط العمال والطبقات الدنيا وهي الخزان الانتخابي الأول لليسار. لذا، ما انفك هولاند يؤكد، مرة بعد المرة، أن النتائج ليست محسومة وأن على الناخبين ألا يقبعوا في بيوتهم اليوم وفي السادس من مايو، موعد الجولة الثانية.

ويمثل الموقف الذي سيلتزم به بايرو أحد العوامل الغامضة والمؤثرة (نسبيا) على نتيجة الانتخابات. وسعى المعسكران إلى اجتذابه وذهب وزير الخارجية آلان جوبيه إلى القول إنه يمكن أن يكون رئيس الحكومة الجديدة في حال فوز ساركوزي فيما دأب هولاند على إبراز نقاط التلاقي بينه وبين مرشح الوسط في أكثر من ميدان. لكن الأخير صم أذنيه حتى الآن عن هذه الدعوات التي ستصبح أكثر إلحاحا ما بين الجولتين. ولذا، فالسؤال المطروح اليوم هو: ما الذي سيفعله بايرو وهل سيدعو إلى التصويت لهذا المرشح أم ذاك؟ بالطبع، موقف بايرو سيكون حرجا بسبب الانقسامات بين أنصاره حيث يرى فريق منهم أن اصطفافه إلى جانب ساركوزي (أو هولاند) سيقضي على مصداقيته لأنه أمضى الكثير من وقته في انتقادهما بينما يرى الفريق الآخر أن امتناعه عن اتخاذ موقف سيزيد من عزلته وسيحرم حزبه من الفوز بمقاعد نيابية.

ويبقى العامل الخامس وهو نسبة الأصوات التي سيحصل عليها مرشح اليسار الراديكالي جان لوك ميلونشون. فإذا حقق ما يأمله (أي الحلول في المرتبة الثالثة واجتذاب ما يزيد على 15 في المائة من الأصوات) فإنه سيكون قادرا على التأثير على الخط السياسي الذي لا يخاف من انصراف هذه الأصوات عنه بل يخاف من «الثمن» الذي عليه دفعه. ومنذ ما قبل الجولة الأولى، أكد ساركوزي أن هولاند «رهينة» ميلونشون ومرشحة الخضر من أجل «تنفير» ناخبي الوسط منه ولا شك أنه سيستمر على هذا المنوال آملا في إحراج المرشح الاشتراكي من أجل إخراجه.