ابنة ديكتاتور مقتول تبرز كمرشحة قوية لرئاسة كوريا الجنوبية

إرث والدها ساعدها في كسر قيود مجتمعها الذكوري وغالبية أنصارها من النساء والمسنين

بارك جيون هاي
TT

عندما نزلت بارك جيون هاي، من المنصة لمصافحة الحاضرين بعد إنهائها الكلمة التي ألقتها في إطار حملتها الانتخابية في إحدى الأسواق المقامة في الهواء الطلق هنا في غونغجو، تدافع بعض الجمهور، معظمهم مسنون، وسط الحشود. بالنسبة لهم، لم تظهر بارك كقائدة لحزب سياسي محافظ لطخت سمعته الفضائح وتراجع في استطلاعات آراء الناخبين، بقدر ظهورها كممثلة سينمائية شهيرة، أو حتى كشخصية دينية.

«لقد لمست يدها، لقد لمست يدها»، هكذا صاح لي كيونغ سو، 72 عاما، وهو مهندس متقاعد. ولاحقا، في لحظة أكثر هدوءا، حاول أن يوضح سبب انتزاعها تلك المشاعر القوية من جموع الحاضرين. وقال سو: «إنها تعيش وحدها وليست لديها رغبات تنم عن أنانية، ولا تنتمي لأسرة يمكن أن تلوث سمعتها. لقد كرست نفسها لبلدها».

وحتى في ظل الحيوية التي تنبض بها كوريا الجنوبية وعلامة الديمقراطية التنافسية، التي قد أتت بنصيبها من الشخصيات القوية والقيادات صاحبة الشخصية الساحرة، تحمل بارك مكانة خاصة. فبوصفها الابنة صاحبة الإرادة القوية لديكتاتور مقتول وامرأة غير متزوجة تسعى للسلطة في مجتمع ذكوري بالأساس، فضلا عن كونها من أشد منتقدي عدم التكافؤ الاجتماعي في حزب يدين بالفضل لشركات كبرى، عادة ما تبدو بارك، 60 عاما، شخصية تأسر الألباب، على الرغم من قامتها القصيرة وسلوكها الهادئ.

والآن، في أعقاب نجاحها في قيادة حزبها الذي تم تجديده، وهو حزب «سينوري»، خليفة الحزب الوطني الكبير الحاكم، ليظهر بقوة على نحو مفاجئ في الانتخابات البرلمانية التي جرت الأسبوع الماضي، تتمتع أيضا بفرصة جيدة لأن تصبح الرئيسة القادمة للدولة. وهذا من شأنه أن يجعلها أول رئيسة منتخبة ديمقراطيا للبلاد في هذا الجزء من آسيا الذي يتمتع بالانتعاش الاقتصادي ولكن يهيمن عليه الرجال.

«إنها مزيج من بيسمارك وإيفيتا»، هذا ما قاله آن بيونغ جين، مؤلف كتاب «ظاهرة بارك جيون هاي». وأضاف: «إنها ترغب في أن تصبح مثل والدها بأن تكون زعيمة قوية ترعى شعبها، لكنها تحاول أيضا أن تظهر بصورة المرأة المتعاطفة مع مشكلات شعبها».

إنه صعود استثنائي، حتى لو كانت قد تمتعت بميزة دراسة السياسة منذ سن مبكرة على يد أحد أكثر قادة كوريا الجنوبية ذائعي الصيت: والدها، بارك تشونغ هي، الجنرال الذي حكم البلاد بقبضة حديدية لمدة 18 عاما، لكنه وضع أيضا حجر الأساس لواحدة من أعظم قصص النجاح الاقتصادي في آسيا. بعد مقتل والدة بارك في عام 1974 في محاولة فاشلة لاغتيال بارك، أتى بابنته، التي كان عمرها في ذلك الوقت 22 عاما، من كلية الدراسات العليا في فرنسا.

وعلى مدار الأعوام الخمسة التالية، وقفت إلى جانبه، من خلال استضافة قادة العالم والوفاء بالواجبات العامة للسيدة الأولى، إلى أن قتل على يد مدير مخابراته في عام 1979. وبمرور الأعوام، تلقت دروسها الأولى في السياسة من والدها أثناء محادثاته في المقعد الخلفي من سيارته الليموزين.

قالت بارك في مقابلة أجريت معها العام الماضي: «كان أكبر إنجازات والدي هو تحفيز شعب كوريا الجنوبية، وإثبات أن بإمكاننا أن نحقق التقدم والازدهار إذا عملنا بجد». وأضافت: «لقد علمني أن أحب بلدي وأن أخدمها».

بالنسبة لبارك، كان إرث والدها في البداية هو مصدر شعبيتها، غير أنه كان في الوقت نفسه عاملا مقيدا، حيث ربطها بأساليب التفكير القديمة التي تحاول تخطيها. ويرى المحافظون فيها آمالهم التي يحنون من خلالها لاستعادة الشعور بوجود هدف قومي مشترك والتي بلغت أوجها في عهد والدها، وفي العودة إلى عصر أكثر براءة، قبل أن يبدأ المال في إفساد النظام السياسي.

ومع ذلك، فإنه بالنسبة لليسار، لوث سمعتها ارتباطها بأحد أكثر الحكام العسكريين المستبدين وحشية والذي قام باعتقال أو قتل معارضين سياسيين قبل أن تصبح كوريا الجنوبية دولة ديمقراطية في أواخر الثمانينيات من القرن العشرين. وقد انتقدت بارك انتهاكات حقوق الإنسان إبان نظام والدها، فيما أكدت على سجله كوطني انتشل بلده من الفقر الذي تبع اندلاع الحرب الكورية.

سعت بارك إلى إبراز صورتها النظيفة بإبعاد نفسها عن الرئيس لي ميونغ باك، الرئيس السابق لإحدى شركات البناء البارزة، والذي قد أطاحت به فضائح مرتبطة بفساد مالي. وفي وقت سابق من هذا العام، قادت لجنة طوارئ لإحياء الحزب الوطني الكبير من خلال إعادة تسميته باسم «سينوري». وعلاوة على ذلك، فقد حركته أيضا إلى اتجاه اليسار من خلال برنامج انتخابي جديد يضم مزيدا من برامج الرعاية الاجتماعية لجذب الناخبين الذين سئموا من الانتعاش الذي صاحبته البطالة بعد الأزمة المالية الدولية.

ومع ذلك، عندما تسمعها هي وآخرين يتحدثون، تجد أن موطن جاذبيتها الأساسي لا يتمثل في سياساتها، وإنما في شخصيتها. وقبل الانتخابات البرلمانية الأسبوع الماضي، جذبت الناخبين بعزيمتها التي لا تكل في تنظيم الحملات ومصافحة جماهير الحاضرين لدرجة أنه تعين عليها لف معصمها بعصابة بيضاء سميكة. وقالت إن سجلها السابق في الوفاء بوعودها يتحدث عن نفسه. وقالت في رسالة بريد إلكتروني يوم السبت الماضي: «أعتقد أن الناس يثقون في أننا سنفي بوعودنا، بصرف النظر عما أدى إلى هذه النتيجة للانتخابات».

منذ أن أصبحت مشرعة قبل أكثر من عقد، حاولت أن تنأى بسمعتها عن التلوث بفعل سياسات فاسدة، بما في ذلك الشجارات العارضة في البرلمان. غير أن إحدى النتائج تتمثل في أنها عادة ما ينظر إليها بوصفها أرستقراطية ومتحفظة، وهي الصورة التي تعززت عندما شكا أحد معاونيها السابقين من إجباره على أن يرفع غطاء رأس معطف بارك فوق رأسها.

فضلا عن ذلك، فإن بارك لا تتحدث كثيرا للرأي العام عن أحد أبرز الجوانب في مسيرتها السياسية، ألا وهو جنسها. ويقول محللون إن ارتباطها بوالدها قد ساعدها في كسر القيود في هذا المجتمع الذي ما زال يغلب عليه المذهب الكونفوشيوسي بدرجة كبيرة. في واقع الأمر، تتمتع بهالة من الورع بين بعض أتباعها كامرأة منحت كل شيء لبلدها، حيث فقدت أباها وأمها، ثم تخلت عن الزواج وإنجاب الأطفال.

وعند حديثها في غونغجو في صباح أحد الأيام القريبة، قالت النساء اللائي استمعن إليها إن جنسها كان أحد أهم مواطن جاذبيتها. وقالت لي ميونغ شيل، 37 سنة، مديرة منزل: «أود أن أرى لمرة واحدة كيف يمكن لامرأة أن تتقلد منصب رئيس الدولة».

ويبدو أن أنصار بارك في الشارع منقسمون بالتساوي بين النساء والرجال المسنين. وأشارت فئة الرجال المسنين إلى عدم ممانعتها أن تتولى امرأة الرئاسة، لكنهم أضافوا بصراحة أنهم يدعمونها بسبب إعجابهم بوالدها. وقال إم هونغ سو، 74 عاما، سائق حافلة متقاعد: «لقد أنقذنا من الجوع ووفر لنا الكساء».

غير أن إرث والدها قد ألقى بظلاله على جهودها الرامية إلى تجاوز نطاق حزبها، خاصة الوصول إلى الناخبين الأصغر سنا الذين ربما يحملون مفتاح نجاحها في الوصول إلى الانتخابات الرئاسية المقررة في ديسمبر (كانون الأول) المقبل. إن الناخبين الشباب ليسوا مهتمين بدرجة كبيرة بوالدها أو لا يملكون معلومات عنه، بل يتساءلون عما يمكن أن تفعله لأجلهم، بحسب محللين. وقالت بارك تاي جيون، أستاذة الدراسات الكورية بجامعة سيول الوطنية: «الناخبون الأصغر سنا يتساءلون عن ما يمكن أن يدفعهم للتصويت لابنة ديكتاتور».

وفيما يتعين على بارك أن تعلن ترشحها، حاولت أن ترسم صورة أبسط لنفسها ولحزبها، باعتباره أكثر تعاطفا مع محنة الكوريين الشباب الباحثين عن فرص عمل. غير أن هذا لم يبد كافيا لردع أكبر تهديد لطموحاتها الرئاسية: ظهور آن شيول سو المفاجئ، وهو طبيب تحول إلى رائد في مجال البرمجيات والذي قد أحدث وضعه كشخص غريب عن السياسة رد فعل بين الناخبين الذين خيبت الأحزاب السياسية الحالية آمالهم.

وقال كو مين هوان، 32 عاما، الذي يملك متجر بلاط في غونغجو: «عليها حتى موعد إجراء الانتخابات أن تثبت للناخبين الشباب أنها مهتمة بالفعل بمد يد العون لنا، وإلا فسوف نصوت لصالح آن».

* خدمة «نيويورك تايمز»