الفرنسيون مدعوون للفصل بين هولاند وساركوزي في جولة ثانية

النيابة حذرت شبكات التواصل الاجتماعي والصحافة من نشر أي نتائج قبل الثامنة مساء

ساركوزي يمسك بيد زوجته أثناء مغادرته مركز الاقتراع في باريس أمس (أ.ب)
TT

تبدأ اليوم المرحلة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي ستتوج في 6 مايو (أيار) القادم مع عودة الناخبين مجددا إلى صناديق الاقتراع للفصل ما بين المرشح الاشتراكي فرنسوا هولاند، والمرشح اليميني رئيس الجمهورية المنتهية ولايته نيكولا ساركوزي.

ولم تأتِ الدورة الأولى أمس بمفاجأة على هذا الصعيد مثلما جاءت به انتخابات عام 2002 عندما تأهل مرشح اليمين المتطرف جان ماري لوبين للدورة الثانية على حساب المرشح الاشتراكي وقتها ليونيل جوسبان. ووفق ما توقعته استطلاعات الرأي فإن المرشحين الاشتراكي واليميني احتلا المرتبتين الأولى والثانية. ساركوزي يريد ولاية إضافية من خمس سنوات، بينما يسعى هولاند إلى إخراجه من قصر الإليزيه ليكون هو ثاني رئيس جمهورية اشتراكي (بعد فرنسوا ميتران) يدخل إليه في تاريخ الجمهورية الخامسة.

وتأهل للدورة الثانية المرشح الاشتراكي هولاند بحصوله على 29.3 في المائة من الأصوات، يتبعه مرشح اليمين التقليدي ساركوزي الذي جنى 26 في المائة من الأصوات.

وتمثل هذه النتيجة خيبة كبرى لساركوزي الذي راهن على الحلول في المرتبة الأولى من أجل توفير الظروف للفوز في الجولة الثانية. وفي المقابل، فإنها تعزز مواقع المرشح الاشتراكي الذي تدل المؤشرات الناتجة عن الدورة الأولى على أنه سيكون الرئيس المقبل.

وكانت نسبة مشاركة الناخبين قد وصلت إلى نحو 80 في المائة، وهي ثاني أعلى نسبة في تاريخ الجمهورية الخامسة.

وحلت في المرتبة الثالثة مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبين التي حصلت على 18.2 في المائة، مما يشكل تقدما كبيرا لليمين المتطرف. والأهم من ذلك، أن لوبين والأصوات التي انصبت على اسمها ستلعب دور الحكم في الدورة الثانية. ونتيجة ذلك أن ساركوزي، إذا كان يأمل أيضا في الفوز، فعليه أن يذهب أكثر فأكثر باتجاه طروحات اليمين المتطرف في مواضيع الهجرة والأمن والإسلام والهوية الوطنية.

وكسبت لوبين الرهان على الموقع الثالث الذي كان يسابقها عليه مرشح اليسار الراديكالي جان لوك ميلونشون الذي لم يحصل على ما كانت تعده به استطلاعات الرأي. وتجاوز ميلونشون بالكاد عتبة 11 في المائة من الأصوات. وهذه النسبة تريح هولاند من جانب؛ لكنها، من جانب آخر، تخفض سقفه الاحتياطي من أصوات اليسار.

وبكّر المرشحون العشرة في الاقتراع ليرتاحوا بعدها وليحضروا للسهرة الانتخابية التي بدأت في الثامنة مساء مع الإعلان عن النتائج الأولى. واستبقت النيابة العامة اليوم الانتخابي الطويل (من الثامنة صباحا وحتى الثامنة مساء في العاصمة والمدن الكبرى) لتحذر من أي نشر للنتائج تحت طائلة المسؤولية والعقاب. لكن الشبكات الاجتماعية حفلت أمس بالكثير من الرسائل «المشفرة» التي تكشف مداورة عن النتائج من مثل «البلاد المنخفضة تسبق المجر». ويفهم منها أن هولاند (وهو الاسم الثاني للبلاد المنخفضة) سيسبق ساركوزي (المتحدر من أب من أصل مجري). واقترع هولاند صباحا في مدينة تول (وسط فرنسا) وعاد بعد الظهر إلى باريس لتحضير كلمته بعد إعلان النتائج. وقال المرشح الاشتراكي إن «اختيار الرئيس المقبل لا يخص فقط الفرنسيين لأن هذا الانتخاب سيؤثر على مسار الأمور في أوروبا». وفي المقابل امتنع ساركوزي الذي صوت في الدائرة الـ16 في باريس، مصطحبا عقيلته عارضة الأزياء السابقة كارلا بروني، عن الإدلاء بأي تصريح، مكتفيا بمصافحة الكثير من أيدي الأشخاص الموجودين في الشارع المفضي إلى المركز الانتخابي، وذلك تحت حراسة مشددة.

وبعكس المخاوف التي عبر عنها عدد من المرشحين فإن نسبة المقترعين لم تتراجع وفق ما توقعته استطلاعات الرأي. وبحسب الأرقام التي أذاعتها وزارة الداخلية ظهرا فإن 28.29 في المائة من المسجلين على اللوائح الانتخابية البالغ عددهم 44.5 مليون نسمة قاموا بواجبهم المدني حتى ظهر أمس، وهي ثاني أفضل نسبة بعد انتخابات عام 2007 التي كانت استثنائية من حيث ارتياد صناديق الاقتراع. وتميز مرشحو اليسار (الاشتراكي فرنسوا هولاند ومرشح اليسار الراديكالي جان لوك ميلونشون) بالطلب من ناخبيهم عدم مقاطعة الانتخابات «إذا أرادوا حصول التغيير الذي يرومونه». وسبب هذه الدعوة أن نسبة الامتناع عن التصويت أكبر لدى الفئات الشعبية التي هي الخزان التقليدي لأصوات اليسار. وفي المقابل فإن ناخبي اليمين واليمين المحافظ هم تقليديا الأكثر إقبالا على الانتخابات، حيث يلعب الوضع الاجتماعي - الاقتصادي والمستوى الثقافي دورا مهما. وفي هذه الانتخابات ينتظر أن يكون ساركوزي قد حقق أفضل نسبة أصوات في المناطق والأحياء الأكثر بورجوازية، خصوصا أن البرنامج الاقتصادي للمرشح الاشتراكي يستهدف تحميل الفئات الميسورة والغنية القسط الأكبر من الجهد المطلوب ضريبيا للتغلب على الصعوبات المالية والاقتصادية لفرنسا. أما الطبقتان الوسطى والدنيا فإنهما تراهنان على هولاند الذي تعتبرانه الأقدر على فهم ومعالجة الوضع الاقتصادي – الاجتماعي، بحيث تلعب الدولة وأجهزتها وخدماتها دورا أكبر في مساعدة الفئات الأضعف في المجتمع.

وبينت النتائج الأولى لمناطق فرنسا ما وراء البحار التي اقترع ناخبوها يوم السبت تفوق هولاند على منافسه اليميني، إذ حصل مثلا في جزر غوادلوب على 57 في المائة مقابل 23 في المائة لساركوزي، بينما تقدم عليه بنسب أقل في المناطق الأخرى. وكانت نتائج غير رسمية نقلتها الصحافة البلجيكية في الواحدة بعد ظهر أمس بينت حصول هولاند على 27 في المائة وساركوزي على 25 في المائة، وحلت في المرتبة الثالثة مرشحة اليمين المتطرف مارين لو بن (17 في المائة)، يليها ميلونشون (13 في المائة). وجاء مرشح الوسط فرنسوا بايرو في المرتبة الخامسة (أقل من عشرة في المائة).

ويرى مراقبون أنه إذا تأكدت نتيجة لوبن فهذا يعني عودة اليمين المتطرف بقوة إلى المشهد السياسي الفرنسي وفشل استراتيجية ساركوزي في استدرار أصوات اليمين المتطرف عن طريق تبني خطاب متشدد في مواضيع الأمن والهجرة والإسلام والهوية الوطنية. وسيكون ساركوزي مضطرا، ما بين الجولتين الانتخابيتين، إلى الذهاب إلى أبعد من ذلك نحو ناخبي اليمين المتطرف حيث الأصوات التي يحتاج إليها. وكان جان ماري لوبن حصل عام 2007 على 10.44 في المائة من الأصوات، ما يعني أن ابنته مارين حققت نجاحا واضحا في حملتها الانتخابية الأولى. ورغم أن ساركوزي يستطيع أن يتوجه إلى ناخبي اليمين المتطرف من فوق رأس لوبن، مخيرا إياهم بينه وبين المرشح الاشتراكي، فإن موقف لوبن سيكون فائق الأهمية. والسؤال هو: هل ستعطي توصية لناخبيها أم ستتركهم ينتخبون من يشاءون أو أن يمتنعوا عن التصويت؟ وهذه التوصية ستكون أحد مفاتيح الجولة الثانية وأحد العوامل الأكثر تأثيرا في نتيجتها النهائية.