مخاوف من سيطرة التطرف على سوريا في ظل استمرار العنف

الإحباط لعدم وجود مخارج للأزمة قد يكون أبرز الدوافع

صورة مأخوذة من موقع «يوتيوب» تظهر دبابة سورية في مدينة دير الزور أمس (أ.ف.ب)
TT

مع دخول الثورة السورية عامها الثاني، ووسط تضاؤل المؤشرات على قدرة خطة الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار في إنهاء العنف، تتزايد الدلائل على سعي المتطرفين الإسلاميين للسيطرة على ما بدأ كانتفاضة تهدف إلى الحصول على حريات سياسية أكبر.

ويقول الناشطون والجنود المتمردون داخل سوريا إن عددا قليلا - لكنه آخذ في التصاعد - من الإسلاميين المرتبطين بحركات الجهاد العالمية وصلوا إلى معاقل المعارضة الحصينة خلال الأسابيع الأخيرة ويحاولون حشد الدعم بين السكان الساخطين.

ويشير الدبلوماسيون الغربيون إلى أنهم لاحظوا تدفق جهاديين بأعداد ضئيلة ثابتة إلى سوريا، قادمين من العراق، وقد اعتقلت الحكومة الأردنية الأسبوع الماضي ما لا يقل عن أربعة مقاتلين أردنيين بتهمة محاولة التسلل إلى سوريا للانضمام إلى الثوار.

وقد أكدت جماعة جبهة النصرة، التي لم تكن معروفة سابقا، مسؤوليتها عن التفجيرات التي شهدتها مدن دمشق وحلب، مستخدمة لغة وصورا تذكر بالبيانات والتسجيلات التي كانت تبثها الجماعات الموالية لـ«القاعدة» في العراق، على الرغم من عدم وجود أدلة على وجود المجموعة سوى الفيديوهات والتصريحات التي نشرتها على الإنترنت.

ويقول ناشطون سوريون ومسؤولون غربيون إن المقاتلين لم يصادفوا نجاحا كبيرا في تجنيد موالين داخل صفوف الحركة الاحتجاجية، التي لا تزال علمانية إلى حد بعيد، والتي تهدف إلى الإطاحة بالنظام الذي يقوده الرئيس بشار الأسد.

ويرى الناشطون أنه في حال فشلت خطة سلام الأمم المتحدة في إنهاء الأعمال القمعية التي تمارسها الحكومة، ولم تتحقق الوعود التي قطعتها الدول الغربية والعربية للجيش السوري الحر، ستكون هناك خطورة حقيقية في توجه أفراد المعارضة المحبطين نحو التطرف، وهو ما يضيف بعدا خطرا إلى ثورة تهدد بزعزعة الاستقرار في منطقة واسعة من الشرق الأوسط.

ويقول الملازم عبد الله العودي، أحد قادة الجيش السوري الحر، والذي انشق عن القوات النظامية في الصيف الماضي وأجريت مقابلة معه خلال زيارة له إلى تركيا: «إن وقوف العالم ساكنا يفتح الباب أمام الجهاديين». وأوضح أنه رفض الكثير من عروض المساعدة من مجموعات جهادية في شكل أسلحة وأموال، وعبر عن خشيته من تنامي نفوذ الإسلاميين. وقال العودي: «لا ينبغي أن يكون هذا سببا لصمت المجتمع الدولي تجاه سوريا، بل دافعا إلى تحركهم للقيام بعمل ما».

وأشار مسؤولون أميركيون وغربيون في المنطقة، تحدثوا شريطة عدم ذكر أسمائهم بسبب حساسية الموضوع، إلى أنهم لاحظوا الكثير من الدلائل على محاولة مجموعات مثل «القاعدة» الزج بنفسها في الثورة السورية، على الرغم من تأكيداتهم بأن تأثير الأصوليين الإسلاميين محدود. وكان أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة قد دعا «المجاهدين» إلى التوجه إلى سوريا لدعم الثوار بداية العام الحالي. ويبدي الدبلوماسيون الغربيون قناعة بأن عناصر تابعة لتنظيم القاعدة نفذت سلسلة من التفجيرات في دمشق وحلب بين ديسمبر (كانون الأول) ومارس (آذار). وأوضح الدبلوماسيون أنه تم الكشف عن عبور العشرات من الجهاديين من العراق إلى سوريا، بعضهم سوريون كانوا قد تطوعوا في السابق للقتال في العراق، وآخرون عراقيون، وقد يكون بينهم أشخاص من جنسيات أخرى، الجانب الآخر من الرحلة التي بدأوها إلى العراق قبل سنوات عندما كان الجهاديون يتدفقون عبر الحدود لمحاربة الأميركيين، الذين غادروا العراق الآن.

كانت الحكومة السورية هي التي قامت بتسهيل تدفق المقاتلين إلى العراق قبل سنوات كثيرة، وهناك شكوك واسعة في أنها تحاول إحياء بعض هذه الشبكات سرا لتشويه سمعة الثوار ومنع الدعم الدولي عن المعارضة وخلق أوضاع يمكن من خلالها تبرير الأعمال القمعية العنيفة التي تمارسها.

وأوضح سلمان الشيخ، مدير معهد بروكينغز الدوحة في قطر، أن النظام السوري صور الانتفاضة منذ بداياتها على أنها من تنفيذ إسلاميين متطرفين، والتقارير التي تشير إلى ظهور الإسلاميين في سوريا لم تظهر إلا في الروايات الرسمية فقط. وقال: «إن تقاطر المتطرفين بأعداد ضئيلة للغاية عبر الحدود يقدم دلائل على أن النظام يساعد ويحرض هذه المجموعات، وسيتحول إلى نبوءة تحقق ذاتها».

ومن المقبول أيضا أن تكون هذه الجماعات وأنصار هذا الشكل من التطرف قد انقلبوا ضد داعميهم الماليين السابقين ويعودون مرة أخرى إلى سوريا بدافع الحماسة الطائفية والدينية. فرغم إصرار الكثير من نشطاء المعارضة على أن ثورتهم ليست طائفية، ينتمي غالبية السوريين إلى المذهب السني، في الوقت الذي ينتمي فيه الأسد وغالبية الشخصيات البارزة في النظام والقوات الأمنية إلى الأقلية العلوية الشيعية، وهو ما يضفي بعدا طائفيا على الثورة الشعبية. لكن بعض الناشطين والثوار يصرون على أن المتطرفين ليسوا موضع ترحيب في مجتمعات تعتز منذ فترة طويلة بتسامحها تجاه الأقليات الدينية التي تعيش بينها مثل المسيحيين والعلويين والدروز والأكراد والشيعة الإسماعيلية.

ووصف أحد قادة الثوار في شمال سوريا، طلب تعريفه بـ«أبو مصطفى»، كيف طرد هو ورجاله مجموعة من 15 متطرفا، جميعهم سوريون، لكنهم لم يكونوا جميعا من أبناء المنطقة، وصلوا إلى قرية شمال سوريا في يناير (كانون الثاني). وقد حاولت المجموعة التي يقودها شخص عرف نفسه بـ«أبو سليمان» تجنيد بعض الأتباع لتنفيذ اعتداء على مدينة جسر الشغور القريبة.

وذكر أبو مصطفى خلال المقابلة التي أجريت معه في تركيا أنه «كان بحوزة أبو سليمان المال والسلاح، وأرسل شخصا للتفاوض معي لكني رفضت. وطلبنا منه المغادرة لكنه رفض، لذا هاجمناه. وقد قتلنا اثنين منهم وأصيب أحد رجالنا، ثم غادر لكني لم أعلم وجهته. الشيء الجيد هو أن السوريين يقفون ضد تسليم بلدنا إلى متطرفين. لكن هذه المجموعات لهم داعمون أغنياء بالغو الثراء، وإذا ما تواصلت الثورة على هذا النحو، دون أمل أو نتائج، فسوف يكسبون النفوذ على أرض الواقع». ويؤكد جوزيف هوليداي، الذي يدرس الجيش السوري الحر في معهد دراسات الحرب في واشنطن، والذي يعتقد أن المتطرفين أقلية صغيرة، على وجود فارق بين السوريين المتدينين بشكل طبيعي والقادمين من مجتمعات تقليدية، وبين تطرف الأشخاص المرتبطين بحركة الجهاد العالمي.

وقال: «على الرغم من وجود عناصر (في المعارضة) محافظة للغاية، لكنهم ليسوا القوة المحركة. وهناك اعتقاد بأن ذلك سيزيد بمرور الوقت، لأن الثوار غالبا ما يصبحون أكثر تطرفا بمرور الوقت، لكن القوة المحركة خلف الثورة حتى الآن علمانية». ويرى يزيد الصايغ، من مركز كارنيغي الشرق الأوسط في بيروت، أن أنصار المدرسة السلفية المتشددة الذين سجلوا ظهورا في الكثير من المجتمعات السورية يلعبون دورا في المعارضة، ويختلفون عن الجهاديين.

ويقول الصايغ: «الأفراد المحليون والمتدينون ويتبنون توجها إسلاميا ويحملون البنادق لا ينتمون جميعا إلى نفس الجماعة وليسوا بالضرورة مثل الجهاديين الذين لا ينتمون بالضرورة إلى (القاعدة)، هناك نطاق واسع من الاتجاهات والتوجهات المختلفة».

بيد أن الكثير من الناشطين يعبرون عن خشيتهم من تنامي نفوذ المتطرفين عندما يتحول الثوار السوريون، الذين طالبوا عبثا بتدخل الجيوش الغربية، إلى البحث عن العون في مكان آخر.

ويقول الناشط السوري، الذي تحدث شريطة عدم ذكر اسمه بسبب المخاوف من الانتقام من قبل بعض المتطرفين الذين واجههم خلال محاولة تنظيم المعارضة في الكثير من المدن الشمالية: «إنه يتنامى بطبيعة الحال، لأن أحد لم يفعل شيئا لإيقافه». وأضاف: «إن لديهم قوانين، ويقولون: إذا أعطيناك المال فيجب أن تطيع أوامرنا وتقبل قيادتنا».

* شارك في هذا التقرير المراسلة الخاصة رايانا قدري من عمان

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»