السلطات المصرية تمنع عمل 8 منظمات حقوقية أميركية لـ«اعتبارات سيادية»

حقوقيون لـ «الشرق الأوسط» : شموله مؤسسة «كارتر» دلالة على تعسفية القرار

متهمون في قضية «التمويل الأجنبي» في قفص الاتهام خلال المحاكمة قبل الإفراج عن بعضهم («الشرق الأوسط»)
TT

بينما لم ينته الجدل في الأوساط السياسية والحقوقية المصرية حول محاكمة عدد من النشطاء الحقوقيين المصريين والأجانب في القضية المعروفة إعلاميا بقضية «التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني» - رفضت وزارة التأمينات والشؤون الاجتماعية في مصر، أمس، منح 8 منظمات حقوقية أميركية ترخيصا لمزاولة أنشطتها داخل الأراضي المصرية، بينها مؤسسة «كارتر» الشهيرة، التي يترأسها الرئيس الأميركي الأسبق «جيمي كارتر».

ورغم أنه لم تصدر عن الوزارة بيانات رسمية عن سبب الرفض، فإن مصادر بها أفادت بأن سبب الرفض يرجع إلى «تعارض أنشطة هذه المنظمات مع سيادة الدولة المصرية»، بينما اعتبر حقوقيون مصريون أن وجود اسم منظمة «كارتر»، بما لها من سمعة جيدة ومصداقية واسعة على مستوى العالم، هو «دلالة على تعسف القرار المصري».

وقالت مصادر حقوقية لـ«الشرق الأوسط» إن المنظمات الثماني التي تم رفض طلباتها للحصول على ترخيص بالعمل داخل مصر، هي: منظمة «كارتر» - وهي منظمة مدنية معنية بمراقبة نزاهة الانتخابات في العالم، ومنظمة «الحقوق والحريات العالمية» - وهي منظمة تتولى أنشطة تتعلق بالعمل على تحسين صورة العرب والدعوة إلى السلام ومنع الحروب بالإضافة إلى حل المشكلات الدولية بطرق سلمية، ومنظمة «الكنيسة الإنجيلية الناصرية العالمية» - التي تعمل في مجال الإغاثة الإنسانية، إضافة إلى معهد «الأمن الأميركي»، و«هيئة التعليم العالمي»، و«منظمة «بذور السلام» - التي تعمل على زرع السلام في الأجيال الشابة الجديدة وإزالة مشاعر العداء في ما بينهم، وأيضا منظمة «الأقباط الأيتام»، التي يتركز عملها في مجال العمل الاجتماعي، وبحث سبل مساعدة الأطفال الأيتام وتحسين مستوى معيشتهم، وجمعية «قديسي الأيام الأخيرة الأميركية» - التي تعمل في مجال خدمات الإغاثة وتقديم المساعدات لتمويل مشاريع المياه والزراعة والصرف الصحي، وغيرها من الخدمات التي تتصل بالبيئة.

ويحاكم أمام محكمة الجنايات المصرية في القضية المعروفة إعلاميا بقضية «التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني»، 43 ناشطا حقوقيا، بينهم 16 أميركيا، و14 مصريا، و5 صربيين وألمانيان و3 من دول عربية، ينتمون إلى 5 منظمات أجنبية هي (المعهد الجمهوري الأميركي، والمعهد الديمقراطي الأميركي، ومنظمة فريدم هاوس، والمركز الدولي الأميركي للصحافيين، ومنظمة كونراد أديناور الألمانية)، ويواجهون اتهامات بتلقي تمويلات أجنبية من عدة دول بالمخالفة للقانون، ومن دون الحصول على تراخيص لمزاولة أنشطة داخل مصر واستخدام تلك المبالغ المالية في أنشطة محظورة تخل بسيادة الدولة المصرية.

وتستأنف المحكمة نظر القضية، التي أثارت جدلا واسعا في الأوساط المصرية خلال الفترة الراهنة، في 5 يونيو (حزيران) المقبل.

وكان محققون داهموا مكاتب منظمات المجتمع المدني في ديسمبر (كانون الأول) وصادروا أجهزة كومبيوتر ومعدات أخرى وأموالا ووثائق، وأحيل المتهمون إلى محكمة جنايات القاهرة في الخامس من فبراير (شباط) الماضي.

وكان قاضيا تحقيق منعا سفر المتهمين الأجانب، لكن محكمة أخرى سمحت بسفرهم، مما أثار انتقادات للحكومة وقضاة من جانب مجلسي الشعب والشورى وأحزاب سياسية. وووصف معارضون للحكومة سفر الأجانب، بأنه يمثل رضوخا لضغوط الولايات المتحدة التي تقدم للقاهرة مساعدات عسكرية سنوية تبلغ 3.1 مليار دولار.

وكان من بين الممنوعين من السفر سام لحود مدير المعهد الجمهوري الدولي في مصر وهو ابن وزير النقل الأميركي.

وتسبب سفر المتهمين الأجانب، وأغلبهم أميركيون، في تخفيف حدة الأزمة بين القاهرة وواشنطن، لكن واشنطن ترى أن القضية لم تنته برفع حظر السفر عن المتهمين الأجانب الذي تم مقابل كفالة تبلغ مليوني جنيه (330 ألف دولار) لكل متهم دفعتها واشنطن، التي تطالب القاهرة بالسماح بالنشاط للمنظمات. واعتبر حقوقيون مصريون وجود اسم منظمة «كارتر» ضمن المنظمات التي تم رفض طلباتها بالحصول على تراخيص للعمل داخل مصر، يثير التساؤلات حول تعسفية القرار وأبعاده السياسية، واصفين المنظمة بأنها «تحظى بسمعة جيدة على مستوى العالم».

وقال مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، بهي الدين حسن، لـ«الشرق الأوسط»، إن وجود منظمة «كارتر» بما لها من سمعة جيدة ومصداقية واسعة على مستوى العالم يثير الكثير من التساؤلات حول تعسفية القرار ويرجح وجود أبعاد سياسية له، مضيفا: «منظمة (كارتر) راقبت الانتخابات في الكثير من دول العالم، بينها مصر في الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2010، وتونس والجزائر ودول أخرى، ومعروف عن المنظمة حياديتها التي أكسبتها مصداقية واسعة».

واعتبر حسن أن استخدام تعبير الحفاظ على السيادة المصرية في أسباب الرفض، له دلالة سياسية واسعة، وقال: «تعبير الحفاظ على السيادة المصرية استخدمه مبارك في مواقف كثيرة، أبرزها المطالبات بوجود رقابة دولية على الانتخابات المصرية، وهو تعبير ما زالت تستخدمه السلطات المصرية استخداما سيئا». وربط حسن بين رفض منح المنظمات الثماني تراخيص للعمل داخل مصر، وما وصفه بـ«المواجهة المحتدمة» بين منظمات المجتمع المدني المحلية والسلطات حول قانون الجمعيات الأهلية الذي ينظم عمل منظمات المجتمع المدني، وقال: «الحكومة تحاول في الوقت الراهن تمرير مشروع قانون يضع قيودا أكبر على عمل منظمات المجتمع المدني،