مصر: ماراثون السباق الرئاسي يحتدم حول مكانة الشريعة الإسلامية

المرشح الرئاسي محمد مرسي يشتهر بأنه منفذ قواعد «الإخوان» للسمع والطاعة حتى في السياسة

TT

أكد على أن الشريعة الإسلامية لا تجيز للمرأة وغير المسلمين الرئاسة في مصر، وطالب بإنشاء مجلس علماء من رجال الدين الإسلامي لتقديم المشورة إلى البرلمان. كما يمتلك الرجل سجلا حافلا من التصريحات التحريضية ضد إسرائيل، بما في ذلك وصفه المتكرر لمواطنيها بـ«القتلة ومصاصي الدماء». إنه محمد مرسي، مرشح حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين ذات الشعبية الجارفة في مصر، في الانتخابات الرئاسية المصرية، الذي أكد الأسبوع الماضي أن برنامج حزبه يرقي لأن يكون جوهر الإسلام ذاته.

وقال مرسي في أول مقابلة متلفزة له كمرشح للرئاسة مرددا الشعار التقليدي القديم للجماعة «كان شعار البرنامج القديم (الإسلام هو الحل)، لكن هذا الشعار تم تطويره وبلورته حتى يمن الله ببركته على المجتمع». وفي أول تجمع انتخابي له، قاد مرسي أنصاره في الهتاف «القرآن دستورنا، والشريعة دليلنا».

وقبل شهر من التصويت لانتخاب أول رئيس للجمهورية بعد حسني مبارك، يزيد سجل تصريحات مرسي من حدة السباق حول مكانة الشريعة في الديمقراطيات الجديدة التي بشر بها الربيع العربي. ويواجه مرسي، الذي يزعم أنه المرشح الإسلامي الوحيد في السباق، منافسا إسلاميا أكثر ليبرالية، هو عبد المنعم أبو الفتوح، القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين الذي أقيل من الجماعة في يونيو (حزيران) لدفاعه عن نهج أكثر شمولية نحو مصر والإسلام. ويواجه كلاهما ثالث المرشحين الأوفر حظا، وزير الخارجية السابق عمر موسى، الذي أكد على أن مصر لا تتحمل تجربة ديمقراطية إسلامية.

وسيكون بمقدور الفائز تحديد مسار مستقبل مصر، وحسم مكانة قادة المجلس العسكري، وصياغة علاقاته مع الغرب وإسرائيل، والأقلية المسيحية في الداخل. لكن في الوقت الذي يخطو فيه الإسلاميون تجاه السلطة عبر المنطقة، ربما يكون النقاش الأهم داخل صفوفهم ذلك الذي يدور حول جدول الأعمال المناسب والأهداف.

سجل مرسي المتزمت والتصريحات السابقة التي أطلقها خلال الحملة زادت من حدة التناقض بين الرؤى الإسلامية المتناقضة. تعرف جماعة الإخوان المسلمين، التي يمتد تاريخها على مدى 84 عاما، بأعمالها الدعوية والخيرية، إضافة إلى سياساتها الإسلامية الوسطية، وقد تبنت نهجا أكثر وسطية في برنامجها الذي نشرته العام الماضي، تخلت فيه عن شعارها «الإسلام هو الحل» وحذفت المقترحات المثيرة للجدل بشأن إنشاء مجلس إسلامي أو ضرورة تولي مسلم رئاسة البلاد، ووعدت باحترام معاهدة كامب ديفيد. كما نأى قادة الجماعة في مجلس الشعب بأنفسهم عن السلفيين الذين فازوا بربع مقاعد المجلس.

كان المرشح الأصلي لجماعة الإخوان المسلمين هو خيرت الشاطر رجل الأعمال والاستراتيجي المعروف ببراغماتيته، والذي تربطه علاقات وثيقة بقادة السلفية، لكنه لم ينشر الكثير الذي يبرز فكره عدا مقال رأي في إحدى الصحف الغربية أكد فيه على التزام الإخوان المسلمين بالديمقراطية والتسامح. وكان الشاطر قد خرج من السباق الرئاسي الأسبوع الماضي بسبب إدانته السابقة في محاكمة سياسية في عهد مبارك. وخلال حملته الانتخابية القصيرة أكد على خطط «الإخوان» للتنمية الاقتصادية، ونادرا ما كان يتحدث عن الشريعة الإسلامية.

في المقابل، يقود مرسي حملته الانتخابية كإسلامي أكثر تزمتا وكمنفذ مخلص لخطط الشاطر. وقد رشح مرسي مع الشاطر تحت لافتة واحدة تحمل صورتيهما، مما أثار اتهامات المنتقدين بأنه سيكون مجرد خادم للشاطر ومكتب الإرشاد في جماعة الإخوان.

لكن مرسي حاول أيضا مغازلة السلفيين المتشددين، الذين استبعد مرشحهم حازم صلاح أبو إسماعيل هو الآخر من السباق، وهو ما أثار التكهنات بأن مرسي ربما يحاول مغازلة المتشددين الإسلاميين لأنهم سيكونون الجانب المرجح في السباق أمام أبو الفتوح، أو أنه ربما يعبر عن نهج أكثر تشددا داخل الإخوان. وقال مرسي في أول تجمع انتخابي له ليلة السبت في إحدى مدن الدلتا «البعض يحاول وقف مسيرتنا نحو مستقبل إسلامي، يطبق فيه شرع الله ويحظى فيه الجميع بحياة كريمة. إخواننا السلفيون نحن نشترك معهم في أهدافنا والرؤية الإسلامية. يجب أن تتوحد الجبهة الإسلامية حتى نتمكن من تنفيذ هذه الرؤية».

حصل مرسي على الدكتوراه في الهندسة من جامعة ساوث كاليفورنيا عام 1982، وقضى السنوات العشر الماضية كمتحدث عام باسم الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، وامتلك سجلا أكثر إثارة للجدل من الشاطر. فعلى سبيل المثال قاد مرسي مقاطعة شركة الهواتف الجوالة التي أسسها نجيب ساويرس، الذي نشر على «تويتر» رسما ساخرا لميكي ماوس بلحية طويلة ومعه ميني ترتدي نقابا، وهو ما اعتبره مرسي سبا وإهانة للإسلام. وعندما فكر «الإخوان المسلمون» للمرة الأولى في إنشاء حزب سياسي في عهد مبارك في عام 2007 تولى مرسي مسؤولية صياغة برنامج الحزب المفترض. وطالب أحد بنود البرنامج بقصر الرئاسة على المسلمين. وقال في تلك الفترة على موقع الجماعة مؤكدا على أن الجماعة تؤيد قيام ديمقراطية دستورية متسامحة «الدولة التي ننشدها لا يمكن أن يرأسها شخص غير مسلم، لأن مصر دولة إسلامية». وأضاف «في دولة تكون قمة أولوياتها نشر وحماية دين الله، حدد الإسلام للرئيس بعض الواجبات والصلاحيات التي لا يمكن لرئيس غير مسلم الاضطلاع بها». وطالب في فقرة أخرى بمجلس من العلماء ليقدم النصيحة للبرلمان بشأن مسائل الشريعة الإسلامية، لكنه على عكس مجلس الأوصياء، سيكون مستقلا عن الدولة ونتائجه ستكون غير ملزمة.

* خدمة «نيويورك تايمز»