الحكومة السورية تمارس لعبة القط والفأر ضد مراقبي الأمم المتحدة

أوروبا والولايات المتحدة تسعيان للوصول إلى وسائل أخرى لمواصلة الضغط عليها

TT

يبدو أن القوات الحكومية السورية بدأت لعبة القط والفأر الشهيرة ضد مراقبي الأمم المتحدة منذ الاثنين الماضي، من خلال معاقبة مدن مثل حماه وغيرها عقب مغادرة المراقبين الدوليين؛ لأن هذه المدن تجرأت على إقامة مظاهرات احتجاجية، في حين حدت من عملياتها أثناء وجود المراقبين في ضواحي العاصمة دمشق.

وفي مدينة حماه، جاب جنود موالون للنظام السوري شوارع حي الأربعين وغيره من الأحياء السكنية التي شهدت مظاهرات واقتحموا المدارس واعتقلوا التلاميذ، وطردوا السكان من منازلهم، وأطلقوا النار على أي شخص يقاومهم، ثم أشعلوا النيران في المنازل، وفقا لمنظمة «أفاز» الحقوقية. وأظهرت مقاطع فيديو على موقع «يوتيوب» منازل محترقة ودوريات من الجنود، علاوة على ما بدا كأنه جثث ملفوفة في ملاءات.

وقد دوى صوت الانفجارات في مدينة حماه التي كانت تشهد حالة من الهدوء قبل يوم واحد من زيارة مراقبي الأمم المتحدة لها، وانفجرت القذائف في حي الأربعين ومشاع الأربعين، وفقا للنشطاء ومقاطع الفيديو على موقع «يوتيوب» التي أظهرت أعمدة الدخان المتصاعدة فوق المنازل المنخفضة.

ويبدو أن قدرة واستعداد القوات الحكومية لضرب المراكز المدنية، حتى مع وجود مراقبين في البلاد، تؤكد على المشاعر واسعة الانتشار في سوريا التي ترى أن هذه المهمة لن تؤدي إلى أي نتيجة. وكان عدم رغبة المراقبين في التجول في جميع أنحاء البلاد يوم الجمعة من كل أسبوع – وهو اليوم الذي تشتد فيه الاحتجاجات – بمثابة أول إشارة إلى الكثير من المعارضين الذين يرون أن هذه العملية عديمة الجدوى منذ البداية.

وقال أحمد، وهو ناشط من مدينة حماه تم التواصل معه عبر «سكايب»: «كان هناك انتشار غير مسبوق من قوات الأمن في الجزء الشمالي من المدينة. وكانت هذه هي هدية أنان»، في إشارة إلى كوفي أنان الذي تفاوض على وقف إطلاق النار «المزعوم» تحت رعاية الأمم المتحدة. وصرحت منظمات حقوقية بأن 30 شخصا تقريبا قد سقطوا في ذلك اليوم، وتشير تقارير إلى أن بعضهم قد قتل بواسطة نيران المدافع الرشاشة.

وقال أحمد، الذي ذكر اسمه الأول فقط خوفا من الانتقام، إن القوات المسلحة تستهدف تلك الأحياء في مدينة حماه لأن المئات قد تظاهروا ضد الحكومة، في الوقت الذي كان فيه المراقبون يتجولون في المدينة يوم الأحد.

وقال شهود عيان في ضاحية دوما بالعاصمة السورية دمشق، التي شهدت هجمة عنيفة من قبل الحكومة يوم الأحد، إن الجنود اختفوا من المشهد هناك، واحتشد المئات في الشوارع، وتجمهروا ضد مجموعة صغيرة من المفتشين، وهتفوا بشعارات تطالب بسقوط النظام السوري.

وفي مدينة الزبداني القريبة من دمشق، قال الناشطون إن المفتشين الستة لم يقضوا وقتا طويلا في التجول في شوارع المدينة، وقضوا معظم الوقت في زيارة المقرات الحكومية ولم يذهبوا لرؤية المناطق التي تم تدميرها. وأظهر مقطع فيديو، وصف بأنه تم تصويره في منطقة الزبداني يوم الاثنين، سيارات الأمم المتحدة المميزة بلونها الأبيض وهي تسير خلف دبابة وناقلة جنود مدرعة كانت متوقفة في الساحة الرئيسية، في انتهاك صارخ لخطة السلام المكونة من ست نقاط رئيسية والتي تدعو الجيش إلى العودة إلى ثكناته.

وقال فارس محمد، وهو ناشط تم التواصل معه عبر «سكايب»: «على الأقل، كان المراقبون العرب يستمعون إلينا»، في إشارة إلى بعثة جامعة الدول العربية التي لم تستمر طويلا هناك، والتي أنهت عملها في وقت سابق من العام الجاري في مواجهة العنف المتصاعد. وأضاف محمد أن الكثير من الناشطين قد خاطروا بأنفسهم في محاولة لمقابلة المراقبين، وهو ما يتكرر في أماكن أخرى، وبمجرد أن يغادر المفتشون المنطقة تقوم قوات الأمن بحملات واسعة للقبض على من تجرأ وتقدم بشكوى للمراقبين.

وجاء التعليق الرسمي الوحيد من سوريا في صورة نبأ قصير بثته وكالة الأنباء السورية التي تديرها الدولة، والتي قامت بالإعلان عن المدن التي سيذهب إليها المفتشون، وقالت الوكالة: «إن الجماعات الإرهابية المسلحة»، وهي التسمية التي اعتادت عليها لوصف معارضي الحكومة، قد اغتالت اثنين من رجال الجيش في حماه، فضلا عن ضابط وطبيب في مدينة درعا الجنوبية.

ومن جهتها، لم تعلق الأمم المتحدة على زياراتها، حيث صرح المتحدث الرسمي بأنه ينتظر استلام تقرير من المراقبين. وقد وصل 10 مراقبين إلى سوريا، ضمن بعثة مكونة من 300 مراقب وافق عليها مجلس الأمن في نهاية الأسبوع الماضي. وفي الأمم المتحدة، أشار رئيس قسم الشؤون السياسية إلى أن تصريحات الحكومة السورية حول التزامها باتفاق الهدنة كان حبرا على ورق.

وقال بي لين باسكو، وهو وكيل الأمين العام للشؤون السياسية، لمجلس الأمن خلال مناقشة حول الشرق الأوسط: «وقف العنف المسلح لم ينته بعد».

وفي الوقت الذي اتضح فيه عجز بعثة المراقبة، سعت أوروبا والولايات المتحدة للوصول إلى وسائل أخرى لمواصلة الضغط على الحكومة السورية، حيث وافق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بالإجماع، يوم الاثنين الماضي، على حظر بيع السلع الفاخرة، وسوف يتم الإعلان عن القائمة التي تشمل تلك السلع خلال الأسابيع المقبلة، ومن المرجح أن تشمل السيارات الفخمة واليخوت والمجوهرات والنبيذ الفاخر، واللوحات الفنية والمفروشات المنزلية باهظة الثمن.

وقالت ماجا موسيتانسيك، وهي المتحدثة باسم رئيسة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، كاثرين أشتون: «إننا نحاول حقا التأكد من أن العقوبات تستهدف النظام السوري»، وليس الشعب السوري.

* ساهم في كتابة التقرير هويدا سعد من بيروت وبول غيتنر من بروكسل

* خدمة «نيويورك تايمز»