سلفا كير يقطع زيارته للصين وسط تصاعد العنف بين جوبا والخرطوم.. وبكين ترسل مبعوثا لاحتواء الأزمة

وزير الخارجية السوداني يرحب بقرار مجلس السلم والأمن الأفريقي.. ويشترط الاتفاق على الملف الأمني أولا

TT

في تطور مفاجئ، قرر رئيس جنوب السودان سلفا كير قطع زيارته للصين، التي كان ينتظر أن يختتمها بعد غد (السبت)، وسط تصاعد حدة المواجهات بين بلاده والسودان بسبب نزاعهما على المناطق الحدودية الغنية بالنفط. وأعلن ليو وينمين، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، أن سلفا كير ألغى الرحلة التي كان من المزمع أن يجريها اليوم إلى شنغهاي. ولم يذكر ليو لا الأسباب ولا الموعد المحدد لرحيل سلفا كير عن الصين، إلا أن مصادر من الخارجية أشارت إلى أن رئيس جنوب السودان غادر البلد الآسيوي عقب اجتماعه أمس مع لي كيكيانغ، نائب رئيس الوزراء الصيني، ووو بانغو، رئيس البرلمان.

وكان سلفا كير قد اجتمع مع نظيره الصيني هو جينتاو أول من أمس في بكين، حيث وقع الجانبان عددا من اتفاقيات التعاون المشترك، يحتمل أن يكون بينها عقد تمول بموجبه الصين أنبوب نفط في أراضي جنوب السودان، بما يتيح لجوبا تصدير خامها من دون الحاجة لجارتها الشمالية.

وكانت حدة النزاعات بين السودان وجنوب السودان قد تصاعدت مؤخرا بعد استيلاء القوات التابعة لجوبا على منطقة هجليج المتنازع عليها، وهو ما دفع الخرطوم إلى شن هجمات مضادة لطرد قوات الجنوب واسترداد المنطقة.

من جهته، رحب علي أحمد كرتي، وزير الخارجية السوداني، بما صدر عن مجلس السلم والأمن الأفريقي خاصة في إعطاء الأولوية للملف الأمني. وأعلن كرتي في تصريحات صحافية أنه يمكن التفاوض في الملف الأمني أولا والوصول إلى حلول إذا أثبتت حكومة جنوب السودان رغبة صادقة وأتبعت أقوالها بالأفعال، مضيفا أنه عقب الوصول إلى اتفاق في المجال الأمني يمكن حينها بحث القضايا محل الخلاف.

وطالب وزير الخارجية السوداني دولة جنوب السودان بسحب تهديداتها بشن هجوم جديد على السودان. كما طالبها بعدم إيواء الحركات المتمردة ووقف تقديم الدعم لها عسكريا وسياسيا، إضافة إلى فك الارتباط بين منسوبيها في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. وقال كرتي «ما دامت دولة جنوب السودان تعتدي على الأراضي السودانية وتدعم وتؤوي الحركات المتمردة فلن يكون هناك تفاوض إلا إذا تم حسم الملف الأمني». وشكك وزير الخارجية في رغبة دولة الجنوب في الوصول إلى حل للمشكلات العالقة بين البلدين، مشيرا إلى اعتداءات دولة الجنوب الأخيرة واحتلالها لمنطقة هجليج وهجومها على منطقة تلودي وترويع أهلها الآمنين. وقال كرتي إن «المناقشات بين الجانبين عن مسائل مثل العائدات النفطية أو الحدود، لا يتعين أن تأخذنا إلى حرب متصاعدة»، لافتا إلى أن الخرطوم لا يمكن أن تستأنف المفاوضات مع الجنوب بينما تتعرض أراضيها للهجمات.

ومن جانبه، أعرب دينق ألور، وزير شؤون الرئاسة في جنوب السودان، عن استعداد بلاده للعودة إلى المفاوضات مع الخرطوم حول المسائل المعلقة بين البلدين والتي توقفت عقب الاشتباكات الأخيرة التي اندلعت بينهما حول منطقة هجليج في ولاية جنوب كردفان السودانية.

وقال ألور في تصريحات صحافية بأديس أبابا خلال مشاركته في اجتماع لمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي لبحث التطورات بين شمال وجنوب السودان «نعتقد أن التوصل إلى تسوية بالتفاوض بين الجانبين هي أفضل خيار»، مشيرا إلى أن بلاده على استعداد للعودة إلى المفاوضات على الفور. وأضاف أن جنوب السودان على استعداد كذلك لتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار، وذلك بموجب اقتراح لجنة الوساطة الأفريقية والتي يرأسها ثابو مبيكي رئيس جنوب أفريقيا السابق. وتابع «لقد قررنا السيطرة على منطقة هجليج، بهدف وقف الهجمات المستمرة التي يشنها الشمال ضدنا من تلك المنطقة».

وفي بكين، أعلنت وزارة الخارجية الصينية أمس أن بكين تعتزم إرسال مبعوث للتشجيع على بدء محادثات سلام بين شمال وجنوب السودان. وقال ليو ويمين، المتحدث باسم الوزارة، إن تشونغ جيانهوا، الممثل الخاص للوزارة لشؤون أفريقيا، سيزور البلدين «للتشجيع على الحوار والمفاوضات». وأضاف أن الصين تأمل في توصل شمال وجنوب السودان إلى صيغة من «التعايش السلمي من أجل تحقيق التنمية المشتركة».

وفي جوبا، أفرج جنوب السودان أمس عن 14 سجين حرب سودانيا في بادرة «حسن نية» حيال السودان على خلفية التوترات التي تشهدها حدودهما المشتركة منذ بضعة أسابيع. وقال الجنرال كول دينغ أبوت، مسؤول في وزارة دفاع جنوب السودان، أثناء تسليم الجنود السودانيين لأعضاء في اللجنة الدولية للصليب الأحمر «إنها بادرة حسن نية تقوم على مبادئ إنسانية». وقال كيلا كويت، المتحدث باسم جيش جنوب السودان، إن «الوضع الآن هادئ على الحدود، لكن هذا لا يعني أن عمليات القصف انتهت». وأضاف أن السودان «قد يستأنف عمليات القصف في أي وقت لأنه لا يحترم مطالب الأسرة الدولية».

إلى ذلك، قال مؤيد الضلعي، السفير المصري لدى جنوب السودان، لـ«الشرق الأوسط» من جوبا، إن الأسرى السودانيين الذين أطلق سراحهم غادروا عاصمة الجنوب في طريقهم إلى القاهرة بعد أن تسلمتهم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومنها سيصلون إلى الخرطوم اليوم (أمس)»، مؤكدا أن السفارة المصرية كانت موجودة في مطار جوبا لاستكمال أوراق الأسرى الذين إطلاق سراحهم. وأضاف «عدد الأسرى 14 جنديا، وتم إطلاق سراح 13 لأن أحدهم فضل البقاء في جوبا لأنه من دولة جنوب السودان»، مشيدا باستجابة سلفا كير ميارديت رئيس دولة جنوب السودان لإطلاق سراح الأسرى، واعتبرها ذلك بادرة حسن نوايا في خلق أجواء جيدة لإجراء التفاوض. وقال إن بلاده بصدد طرح مبادرة شاملة، وإنها ستنسق مع الوساطة الأفريقية التي يقودها الاتحاد الأفريقي، وإنها تعمل لأن تظل العلاقات بين دولتي السودان وجنوب السودان أخوية. وأضاف أن الطرفين أكدا ترحيبهما بالمبادرة المصرية.

وكشف الضلعي عن أن جوبا ومن خلال وزير إعلامها الدكتور برنابا مريال بنجامين قد طلبت أن تتوسط مصر لإطلاق سراح أسرى جنوبيين أسرتهم الخرطوم في الحرب الأخيرة. وقال «برنابا أكد في المؤتمر الصحافي أن طلب بلاده غير مرتبط بإطلاق سراح بلاده للأسرى السودانيين، وأبلغنا القاهرة بفحوى طلب جنوب السودان». وأضاف «سيتم إجراء الاتصالات اللازمة من وزارة الخارجية المصرية لمعرفة ما إذا كانت ستتم الاستجابة من الخرطوم أم لا، ونأمل ذلك».

من جانبه، أكد الدكتور برنابا مريال بنجامين، وزير الإعلام في جنوب السودان، لـ«الشرق الأوسط»، هدوء الأحوال على حدود بلاده مع السودان في ناحية ولاية الوحدة التي كانت تشهد قصفا يوميا من قبل سلاح الجو السوداني - بحسب تعبيره، معتبرا أن ذلك يأتي استجابة بعد تنديد مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأفريقي للقصف اليومي الذي تقوم به القوات السودانية رغم انسحاب قواته من هجليج بعد أن مكثت فيها نحو أسبوعين، لكنه عاد وقال إن الخرطوم تعمل الآن لحشد ميليشيات جنوبية في هجليج بغرض إرسالها إلى ولاية الوحدة لنسف الاستقرار في البلاد. وأضاف أن القوات المسلحة السودانية لم تهزم الجيش الشعبي في المعارك التي شهدتها بلدة هجليج الأسبوع الماضي وأن قوات بلاده انسحبت طوعا.

في غضون ذلك، أمهل الاتحاد الأفريقي السودان وجنوب السودان ثلاثة أشهر لحل خلافاتهما تحت طائلة اتخاذ «إجراءات مناسبة» بحقهما، حسبما أعلن مفوض الاتحاد الأفريقي للسلام والأمن رمضان العمامرة الذي قال للصحافيين، بعد اجتماع في أديس أبابا خصص للوسائل الكفيلة لنزع حرب شاملة بين السودانيين، إن مجلس السلام والأمن في الاتحاد الأفريقي «حث لهذه الغاية الطرفين على استئناف المفاوضات خلال أسبوعين برعاية الاتحاد الأفريقي، لكنه لم يوضح الإجراءات المناسبة التي تحدث عنها، وقال إن الوساطة الأفريقية ستنهي مهمتها خلال ثلاثة أشهر. وتابع «ستنهي بعثة الاتحاد الأفريقي مهمتها خلال ثلاثة أشهر إما بالتوصل إلى توقيع الأطراف وتنفيذ ما هو مطلوب لحل خلافاتهم وإما بتقديم تقرير مفصل إلى مجلس السلم والأمن الذي سيستخلص العبر».

وفي واشنطن، قالت فيكتوريا نولاند، المتحدثة باسم الخارجية الأميركية «نحن رحبنا بالخبر السار، وهو انسحاب جنوب السودان من هجليج. لكن بدلا من الرد بالمثل، زاد السودان القصف الجوي على مدى الأربع والعشرين ساعة الماضية، واستهدف تفجيرات قاتلة ضد مدنيين، تسببت في سقوط ضحايا في كل مكان، وهذه انتهاكات جسيمة، وواضح أنها ضد القانون الدولي. ولا نزال نطالب بوقف فوري لهذه العمليات».

وكانت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية، دعت الدولتين للعمل معا لوقف العنف، والعودة إلى طاولة المفاوضات لتسوية هذه القضايا. وكان برنستون ليمان، مبعوث الرئيس باراك أوباما إلى السودان، عاد إلى واشنطن بعد أن قابل القادة في البلدين.