سيناء.. قنبلة السلام الموقوتة

تحتفل بذكرى تحريرها الثلاثين وسط مخاوف أمنية وسياسية متصاعدة

TT

بينما استقبل المشير حسين طنطاوي القائد العام؛ رئيس المجلس العسكري الحاكم في البلاد، تهنئة رئيس وزرائه بذكرى العيد الثلاثين لتحرير سيناء، منعت قوات من الجيش المصري مسيرة نظمها محتجون مصريون من الوصول لنصب تذكاري إسرائيلي بمدينة الشيخ زويد شمال شرقي سيناء أمس للمطالبة بطلاء النصب بألوان العلم المصري والفلسطيني، مطالبين بتعديل اتفاقية كامب ديفيد، وطرد السفير الإسرائيلي، مطالبين أيضا بإزالة النصب المعروف بـ«صخرة ديان» والذي أقيم على أرض سيناء كرمز تذكاري لتخليد السلام بين البلدين، لكن سيناء التي كان تحريرها بداية صفحة السلام بين مصر وإسرائيل باتت منذ ثورة 25 يناير لاعبا (نزقا) في ملف العلاقة بين البلدين.

وبعد تحرير سيناء ظلت صفحة السلام بين مصر وإسرائيل، ومنذ أن أقره الرئيس المصري الأسبق أنور السادات واغتيل على أثره، ظلت حبيسة الزيارات والمجاملات الرسمية بعيدا عن أي مظهر شعبي، كما أن تحرير تراب سيناء كاملا قبل 30 عاما لم يحقق أمان الكثيرين خاصة أبناء الجزيرة في التنمية والاندماج بأواصر الوطن. وبعد ثورة 25 يناير انفجرت مظاهر الغضب والحنق الشعبي التي كانت مقموعة إبان نظام مبارك.

وتعتبر بادرة طلاء صخرة ديان في ذكرى تحرير سيناء أحد هذه المظاهر المتوالية التي عبر مصريون من خلالها عن غضبهم من «ألفة» العلاقة الرسمية بين بلدهم وإسرائيل، وتجاهل النظام السابق لهذه البقعة من الأراضي المصرية وعدم تنميتها، ونظم محتجون منذ شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي مسيرات منددة بالكيان الصهيوني طالبت بإغلاق سفارتها بالقاهرة وطرد سفيرها، وزاد من توتر العلاقة على المستوى الشعبي مقتل جنود مصريين على الحدود مع إسرائيل في التاسع عشر من أغسطس (آب) من العام الماضي انتهت باقتحام متظاهرين غاضبين السفارة الإسرائيلية بالقاهرة وإغلاق مقرها.

وبينما شددت السلطات المصرية الحراسة بمحيط موقع الصخرة التذكاري لمنع المحتجين من تنفيذ ما هددوا به، يقول جبريل فتيح، أحد أبناء سيناء: «الأوضاع لم تتغير منذ الثورة، فقط الأمن هو العنصر الأبرز الذي شعرنا بحاجة ماسة إليه منذ الثورة، كما أن الحكومات المتتالية لم تهتم بمطالب أبناء سيناء ولا تنميتها وتحسين مستوى معيشتنا، بينما تصر على علاقات جيدة مع إسرائيل».

وتعاني سيناء منذ اندلاع الثورة انفلاتا أمنيا متزايدا زاد من صعوبة السيطرة عليه الطبيعة الجغرافية الوعرة لسيناء، ويعزي مراقبون موجات الانفلات الأمني أيضا إلى الضجر من العلاقات مع إسرائيل خاصة أن عدة مظاهر من فقدان الأمن في سيناء ارتبطت بتفجير خطوط الغاز المصدر إلى إسرائيل، بالإضافة إلى ظهور جماعات جهادية طالبت بتكوين إمارة إسلامية بسيناء وفتح الحدود مع قطاع غزة المحاصر. ويقول اللواء طلعت مسلم، الخبير الاستراتيجي: «القيود على القوات المصرية بسيناء تحد بشكل كبير من محاصرة الانفلات الأمني والقضاء على المخربين خاصة مع ترويج إسرائيل لأفكار برغبتها في تهجير فلسطينيين إلى سيناء».

وعقب منع مصر تصدير الغاز إلى إسرائيل أملا في تهدئة الغضب السياسي والشعبي من هذه الخطوة التي أقرها نظام مبارك، صرح المشير طنطاوي، أثناء مناورة تدريبية للجيش الثالث الميداني بأن «القوات المسلحة للبلاد ستدافع عن حدودها مع إسرائيل إذا اقتضى الأمر»، وذلك ردا على تصريحات مسؤولين إسرائيليين انتقدوا فيها القرار المصري بإلغاء اتفاق تصدير الغاز الطبيعي لإسرائيل، وتوترت العلاقات بين مصر وإسرائيل منذ الثورة بسبب مخاوف الأخيرة من عدم التزام النظام الجديد في مصر بمعاهدة السلام». ويرى مسلم أن تصريحات المشير تؤكد أن مصر مستعدة لأي احتمال خاصة بعد التصريحات الإسرائيلية التي كانت مستفزة.

ويقول أبناء سيناء إن جزيرتهم تعرضت لإهمال شديد طوال عهد مبارك ولم تجد اهتماما بتنميتها بعد أو قبل الثورة، وأن هذا أحد أسباب تفاقم المشكلات.. ويتابع فتيح، الذي يقطن مع قبيلته بالقرب من مدينة دهب السياحية: «البعض يعتقد أن سيناء هي فقط المدن السياحية المطلة على البحر لكن هناك مساحات شاسعة غير مستغلة وهناك مناطق لا يوجد بها أي سلطة للدولة التي لا تهتم بمطالبنا أو الإفراج عن ذوينا». وقطع أبناء سيناء طوال الأشهر الماضية الطرق مطالبين بتنفيذ الحكومة لمطالبهم، ومنها الإفراج عن مسجونين لهم بالسجون المصرية والإسرائيلية إلا أن الحكومة لم تستجب إلى الآن.

ويرى الباحث الاقتصادي رضا عيسى أن مشكلة سيناء ليست أمنية فقط أو سياسية في العلاقة مع إسرائيل ويقول: «المشكلة بنظري هي فشل تنمية سيناء اقتصاديا وديموغرافيا مما جعلها مرتعا لجماعات متطرفة وجعل من الصعب السيطرة الأمنية عليها»، ويتابع: «النظام السابق حرص على إفراغ سيناء من البشر ومن التنمية الحقيقية لأن ذلك يضر بإسرائيل وأمنها».

من جانبه، يرى الدكتور جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، أنه لا يوجد مشروع تنموي حقيقي لسيناء إبان النظام السابق لكن الثورة تخلق الإرادة والقوات المسلحة لديها الإمكانيات لملء الفراغ في سيناء سياسيا واقتصاديا وديموغرافيا والعمل على تلبية مطالب أبناء سيناء، مما يساعد في حل مشكلاتها وأن تصبح حاجزا منيعا في وجه أي أحد. وهو ما كثف الشعور بالقلق لدى إسرائيل فشرعت في بناء جدار عازل على طول حدودها الممتدة لمسافة 266 كيلومترا مع شبه جزيرة سيناء.