المصريون يبحثون عن رئيسهم وسط زحام الإعلانات والرموز الانتخابية

موسى في عين «الشمس».. ومرسي على كف «الميزان».. وشفيق رقص على «السلم»

إعلان الرئيس المنتظر يتصدر أحد الميادين بالقاهرة («الشرق الأوسط»)
TT

أطلق «محمد» الشاب العشريني ضحكة عالية، بعد أن دخل مع جيرانه سكان أسطح إحدى بنايات القاهرة، في سجال ساخر حول الرموز الانتخابية المخصصة لمرشحي الرئاسية.

فمنهم من يرى أن «شمس» عمرو موسى سيكون لها مفعول السحر كـ«عصا موسى»، فيعارضه أحدهم: «الشمس ستغرب حتما»، ويرى آخر: «شفيق» رقص على «السُلم» و«أبو الفتوح» فارس لا يستحق غير «الحصان»، ويرى ثالث أن «العوا» هو «المظلة» الآمنة، فيما اتفق الجميع أن السباق سيشتعل بـ«بلطة الأشعل»، أما مرسي مرشح الإخوان فعلى كف «الميزان» ينتظر وزنه الحقيقي في الميدان. ليختتم «محمد» سجالهم: «تنقصنا رموز الحزب الوطني (المنحل).. الهلال والجمل».

على سطح الجيران؛ ترتفع لافتة إعلانية تحمل كلمة «الرئيس»، كما انتشرت في شوارع عديدة في الآونة الأخيرة، لتثير فضول المصريين لمعرفة من هو صاحبها، مما جعلهم يسخرون من «الحملات الدعائية» بأسلحة «الإعلانات التجارية».. منها نكتة «حكاية لحية وبوستر»، التي يقصها «محمد» منتقدا انتشار دعاية أحد المرشحين الإسلاميين، على غرار إعلان عن الملابس الداخلية للرجال يرفع شعار «حكاية فانلة وبوكسر».

لكن هذه النكتة «الإعلانية» لم تكن هي الأولى من نوعها؛ فقبل أسابيع قليلة من اندلاع ثورة 25 يناير (كانون الثاني) ظهر جمال مبارك، نجل الرئيس المصري السابق، في الفضاء الإلكتروني، وهو ممسك بكيس من «الشيبس» قائلا: «أنا اخترت طعم الكوسة».

وفي خط مواز؛ وبعد أسابيع قليلة من الثورة والإطاحة بمبارك، خرج أحد المطربين الشباب، ليحلل الثورة من منطلق إعلاني، قائلا إن الشركات الكبرى اجتمعت في «مؤامرة» على مصر بتمرير إشارات روجت للثورة عبر إعلاناتها. فبحسبه يعد احتفال شركة «كوكا كولا» بمرور 125 عاما على تأسيسها إشارة تمهيدية ليوم انطلاق الثورة في (25 يناير).

اليوم؛ لا تزال السياسة في مصر تتشابك مع الإعلانات التجارية، ويتسابق المصريون دوما لإطلاق إسقاطات ساخرة على أحوالهم، يستعيرون مفرداتها من قاموس الحملات الإعلانية الخاصة بمساحيق الغسيل وشرائح البطاطس والمياه الغازية وعروض شركات المحمول.

فمع سيطرة جماعة الإخوان المسلمين، وجناحها السياسي حزب الحرية والعدالة على مقاعد البرلمان ثم الجمعية التأسيسية للدستور، كان اللعب على الشعارات الإعلانية حاضرا، مثل «اكبر وسيطر» وهو شعار آخر لمنتج من «الشيبس»، و«الإخوان بيلعبوا سنجل.. والبلد كلها واقفة نيكست»، والذي يعكس انفراد الإخوان باللعب بينما يقف الجميع كمشاهدين.

ولا يمر يوم على رواد الفضاء الإلكتروني دون أن يسألوا: «يعني إيه كوكاكولا زيرو؟»، والإجابة مشاهد متناقضة تعكس الزخم السياسي في مصر. منها ما كتب مؤخرا بخصوص الإقبال الكبير على الترشح للرئاسة: «يعني إيه كولا زيرو؟.. يعني تصحى الصبح تلاقي البواب في مشوار عشان انتخابات الرئاسة، ولما يرجع تسأله عملت التوكيل لمين؟ يقولك لأ ده أنا رشحت نفسي».

في أحد المقاهي، يربط الشاب «خالد» بعض الشعارات الإعلانية بأوضاع البلاد، فمع تصاعد الأحداث في مصر يرى أن «الدنيا لسه فيها أكتر» وهو إعلان لإحدى شركات الاتصالات، ثم يصف استمرار الصراعات السياسية بشعار «من الفطار لآخر النهار»، وهو إعلان لأحد أنواع الكيك.

أما صديقه «أحمد» فيتحدث عن المنافسة بين مرشحي الرئاسة، قائلا إن كل مرشح حاليا يرفع شعار «متخليش حاجه توقفك» وهو أيضا إعلان يخص شركة اتصالات ثانية. ومع تعدد توجهات المرشحين للرئاسة يستقي شعار إعلان عن أحد أنواع الهواتف الجوالة قائلا: «مهما كانت شخصيتك.. هتلاقي (رئيس) يناسبك».

تحاصر «محمد» وجيران الأسطح لافتات وشعارات إعلانية مختلفة، فمن خلفهم تظهر لافتة عن ملابس الرجال «الداخلية»، ويلتقط «محمد» الخيط ساخرا من التكهنات حول رئيس مصر قائلا: «الآن وبينما تتكشف لنا جنسيات أخرى يحملها المرشحون فنحن نريد رئيسا (بيتكلم مصري)، وفي ظل الحرب الدائرة بين الليبراليين والإسلاميين والفلول، وسعي كل منهم وراء رئيس يوافق توجهاتهم، ثم ما تبعه من تجدد البحث عن رئيس توافقي؛ فنحن نريد رئيسا (بتاع كل الناس)».

وبينما اعتمدت إحدى هاتين الشركتين في حملتها على إبراز «الاختلافات» بين القوى السياسية بالإسقاط على تعدد أشكال منتجاتها، متسائلة: «مش هي دي الديمقراطية؟»، يقول الدكتور صفوت العالم، رئيس لجنة الرصد وتقييم الأداء الإعلامي للانتخابات الرئاسية: «القضايا السياسية هنا صارت مثل الملابس الداخلية، تأخذ شكلا مجازيا وتعطي تورية، فمن يستخدم الجمل الإعلانية بهذا القصد، يتخلص ويهرب من معنى فج بدلائل تبدو متفقا عليها». لكن محمد من موقعه فوق السطح لا يزال يرى التجربة الديمقراطية «عارية» تبحث عن ملابس داخلية.