زوبعة سياسية بريطانية محورها ميردوخ ومستشار وزير الثقافة

المعارضة تطالب برأس الوزير.. وميردوخ ينفي طلبه «أي شيء من أي رئيس وزراء»

روبرت ميردوخ مع زوجته ويندي بعد إدلائه بشهادته أمام لجنة ليفيسون (أ.ف.ب)
TT

كانت التوقعات أمس تدور حول حجم القنبلة السياسية التي قد يفجرها قطب الإعلام الأسترالي الأميركي الجنسية روبرت ميردوخ عندما مثل أمام لجنة تحقيق بريطانية شكلت العام الماضي مع اندلاع فضيحة القرصنة التليفونية على خلفية الاتهامات الموجهة لمؤسساته الإعلامية العاملة في بريطانيا. وجاء مثول ميردوخ الأب بعد يوم من شهادة ابنه الذي أباح بالكثير عن حجم العلاقات بين المؤسسة السياسية وإمبراطورية والده الإعلامية بخصوص صفقة الاستحواذ على تلفزيون «بي سكاي بي» التي قدرت قيمتها بـ12 مليار دولار.

اندلاع الفضيحة في يوليو (تموز) الماضي قوض الصفقة. إذ كان يحاول ميردوخ شراء 61% من أسهم الشركة المتبقية، وكان يملك 39% منها.

ما أباح به الأب وكتمه الابن كان كافيا ليثير زوبعة سياسية حامية الوطيس في البرلمان البريطاني، والتي جاءت ولسوء حظ الائتلاف الحاكم على خلفية التقارير الاقتصادية التي بينت أن بريطانيا ما زالت في حالة من الانزلاق الاقتصادي. وحاولت المعارضة توجيه ضربات للحكومة وتظهرها بمظهر المدافع عن الأثرياء مثل روبرت ميردوخ وذلك من خلال تفضيلها منحه ميزات تجارية مثل صفقة الاستحواذ على «بي سكاي بي». وعادت وطالبت المعارضة العمالية أمس برأس وزير الثقافة جيرمي هانت، الذي اتهم بارتباطه بعلاقات جيدة مع ميردوخ وبتسريبه معلومات سرية لمساعدته الفوز بالصفقة.

إلا أن الوزير هانت نفى قيامه بأي أعمال سياسية غير لائقة أو انتهاكه قوانين المنافسة التجارية النزيهة. وأعلن هانت أمام البرلمان أمس أن أحد مستشاريه لم يكن حذرا فيما كتبه من رسائل إلكترونية في مراسلاته مع فريدريك ميشال الشخص الذي كان يمثل مصالح إمبراطورية ميردوخ التجارية مع الحكومات المتعاقبة. ولهذا فقد أعلن هانت قبوله صباح أمس استقالة المستشار آدم سميث. إلا أن ذلك لم يكن كافيا بالنسبة لزعيم المعارضة إد ميليباند الذي طالب برأس هانت وطالب من رئيس الوزراء ديفيد كاميرون أن يطرده من وظيفته.

وقال عضو مجلس العموم المخضرم دينيس سكينر، الذي يعتبر الأقدم في المجلس، إن السيد (هانت) قام بطرد خادمه (سميث) لامتصاص النقمة. وما زالت التكهنات قائمة بخصوص كم سيستمر هانت في وظيفته الحالية. إلا أن التوقعات هو أنه قد يبقى في وظيفته حتى يمثل، وهذا ما طلبه شخصيا، أمام لجنة ليفيسون حتى يبرئ نفسه من الاتهامات الموجهة له.

ورد هانت صباح أمس على سؤال عما إذا كان سيقدم استقالته قائلا: «أوضحت موقفي تماما وسأبذل جهدا كبيرا ومحددا جدا لأثبت أنني تصرفت بنزاهة كاملة وأدرت هذا الأمر بإنصاف بالغ». وجاءت شهادة روبرت ميردوخ أمام لجنة التحقيق برئاسة القاضي بريان ليفيسون بعد يوم من إدلاء ابنه جيمس ميردوخ بشهادته. وكشف جيمس ميردوخ أول من أمس عن حجم العلاقة التي كانت تربط مكتبه بوزارة الثقافة المسؤولة عن صفقة «بي سكاي بي» وجاءت عناوين الصحافة متفقة حول حجم التواطؤ بين إمبراطورية ميردوخ وحزب المحافظين. وجاء عنوان صحيفة «الغارديان»، التي كانت وراء اندلاع فضيحة التنصت، على صفحتها بكلمتين «وزير ميردوخ». أما إفادة الأب فلم تتمخض عن شيء شبيه، رغم حنكة محامي اللجنة روبرت جي الذي حاول أن يثبت أن هناك علاقة وثيقة بين مصالح ميردوخ التجارية وقربه من الطبقة السياسية وجميع الحكومات المتعاقبة ابتدأها في بداية الثمانينات مع حكومة مارغريت ثاتشر والصفقة التي أدت إلى استحواذ ميردوخ على صحيفة «التايمز» و«صنداي تايمز». وبين المحامي جي اللقاءات الاجتماعية التي جمعت رؤساء الوزراء بميردوخ، في بيوتهم وفي مقر داونينغ ستريت وعلى ظهر يخوته في الجزر اليونانية. إلا أن ميردوخ نفى أن ذلك من أجل علاقات سياسية وتجارية متبادلة.

وقال قطب الإعلام أمام لجنة ليفيسون: «لم أطلب شيئا على الإطلاق من أي رئيس وزراء»، وأضاف: «دعونا نكن واضحين.. السياسيون يسعون دائما للحصول على دعم كل الصحف. وأعتقد أن هذا جزء من الديمقراطية.. إنه أمر طبيعي».

وسألته اللجنة حول علاقات مجموعته «نيوز كورب» مع الطبقة السياسية، وهي علاقات ظهرت خلال التحقيق حول فضيحة تنصت قامت بها «نيوز أوف ذي وورلد» الصحيفة التي أغلقت والتابعة لإمبراطورية مردوخ.

وفي شهادة مكتوبة نقلت إلى اللجنة، أقسم مردوخ أنه لم يتحدث مطلقا مع ديفيد كاميرون رئيس الحكومة الحالي بشأن الملف الحساس جدا المتعلق بـ«بي سكاي بي» وهي باقة المحطات التي تبث عبر الأقمار الصناعية التي سعى لشرائها بأكملها. ويبدو أن مردوخ الذي أعلن الصيف الماضي أنه التقى العديد من المسؤولين البريطانيين بينهم كاميرون، استدرك الأمر بتأكيده أنه لم يلتق رئيس الوزراء الحالي إلا «في إطار لقاءات اجتماعية حيث لم تبحث الملفات الأساسية». أما بخصوص توظيف رئيس تحرير سابق لـ«نيوز أوف ذي وورلد» في مقر الرئاسة البريطانية، بصفته مكلف اتصال لدى رئيس الوزراء، فقد أكد أنه لا صلة له بهذا الأمر.

ويشتبه في أن «نيوز أوف ذي وورلد» تنصتت على نحو 800 شخصية في السنوات العشر الأخيرة للحصول على أخبار مثيرة وتحقيق سبق صحافي.

وكان من المتوقع أن يكشف ميردوخ، 81 عاما، النقاب عن هذا النوع من العلاقة مع الحكومات البريطانية منذ دخوله السوق البريطانية أوائل سبعينات القرن الماضي. وبسؤاله عما إذا كان من «المعجبين» بمارغريت ثاتشر رئيسة الوزراء المحافظة السابقة، التي تولت السلطة عام 1979. قال ميردوخ «أصبحت كذلك بعد انتخابها». إلا أنه نفى مرارا أن يكون قد تدخل في السياسة التحريرية لصحفه مثل صحيفة «الصن» الشعبية الواسعة الانتشار والنفوذ. وبين المحامي جي أن ما كانت تكتبه صحفه كان له تأثير مباشر على النتيجة النهائية للانتخابات في بريطانيا، ومن هنا فقد استمال ميردوخ الأحزاب السياسية المختلفة إلى طرفه، وكان ثمن هذا كافيا لخلق جو تجاري يميل لصالحه في الدوائر السياسية البريطانية، إلا أن ميردوخ رفض هذا التوجه في إفادته وقال: إن علاقاته الشخصية بالسياسيين كانت شيئا ومصالحه التجارية كانت شيئا آخر.

وتبين من الأسئلة الموجهة له قوة العلاقات التي كانت تربطه بجميع الحكومات المتعاقبة باستثناء حكومة جون ميجور المحافظة وريث مارغريت ثاتشر والتي لم تدم طويلا. واستمرت بعد ذلك مع توني بلير، إلا أنها انتهت مع حكومة غوردن براون، عندما قررت صحف ميردوخ دعم ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء الحالي، في الانتخابات العامة التي أجريت في مايو (أيار) 2010.

وتبين من خلال الجلسة أن صفقة «بي سكاي بي» بدأت تتحرك بسرعة لإتمامها في يونيو (حزيران) من نفس العام، أي مع تشكيل الحكومة الائتلافية من المحافظين والديمقراطيين الأحرار. وتم الإعلان عن الصفقة في ذلك الشهر إلا أن روبرت ميردوخ قال: إن ذلك كان بمحض الصدفة.

جدير بالذكر أن الديمقراطيين الأحرار لم تجمعهم أي علاقات قوية مع ميردوخ، والسبب في ذلك كما يراه عدد من المعلقين هو أن فرصهم في الوصول إلى السلطة كانت لعشرات السنين ضئيلة جدا. وهذه هي المرة الأولى التي دخلوا فيها الحكومة منذ الائتلاف الذي لم يدم طويلا في الستينات من القرن الماضي مع الحكومة العمالية.

ولخصت سارة ليال مراسلة صحيفة «نيويورك تايمز» جلسة المساءلة أمس قائلة إن «رد روبرت كان لافتا للنظر: لقد نفى تأثيره السياسي، ونفى طموحاته التجارية، وحاول أن يبين أن الأسئلة كانت مزعجة، ومن السهل الإجابة عليها وطرحها جانبا». وعلق مراسل «بي بي سي» بيتر هانت على الجلسة قائلا: «شهادة ميردوخ الابن وضعت وزيرا في موقع الاتهام وقد يؤدي ذلك إلى نهاية مستقبله السياسي. أما شهادة الأب فلم تؤذ أي شخص في الحكومة بعد. لكن ما زال أمامنا يوم آخر». ويعني بذلك استمرار الجلسات ليوم آخر، وهذا ما قرره القاضي ليفيسون.