مدارس سرية للفتيات.. تتحدى طالبان

شاب افتتح واحدة في بيته: التلميذات متلهفات للتعلم.. والوضع لم يتغير كثيرا عن الماضي

طفلة تقرأ بصوت عال أمام زميلاتها في مدرسة سرية بقرية سبينا
TT

تقوم العشرات من الفتيات، في صباح كل يوم في هذه القرية الجبلية الواقعة شرق أفغانستان، بالتسلل عبر فتحة مربعة في جدار مبني من الطوب، في تحد لأوامر حركة طالبان. وكان المتمردون قد أقدموا على إغلاق مدرسة للفتيات تمولها الولايات المتحدة الأميركية وتبعد بنحو ميل واحد عن القرية في عام 2007، بعد عامين من افتتاحها. وحذر المتمردون سكان القرية من أنه على الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومة الجديدة في كابل وجهود المساعدة الدولية التي تركز على تعليم الإناث، فإنه يتوجب على الفتيات الموجودات في سبينا البقاء في المنازل، وهو التحذير الذي امتثل له كل السكان لفترة وجيزة.

بدأ شقيقان، من بين الرجال القليلين المتعلمين في القرية، في سرية بتدريس الحساب والقراءة والكتابة لأقربائهم من الإناث في غرفة معيشة تقع على حافة المدينة. ويقول الشقيقان إنهما أرادا أن يظل عدد تلك الفصول صغيرا للبقاء بعيدا عن أعين طالبان، ولكنهما اكتشفا أن هذا أمر مستحيل.

أنفقت الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها الملايين من الدولارات على تعليم الإناث في العقد الماضي، بينما وصف المسؤولون الأفغان والغربيون مسألة تعليم الإناث بأنها أحد أهم التغييرات التي تبعث على الأمل في حقبة ما بعد طالبان. وارتفع معدل التحاق الإناث بالمدارس العامة من 5.000 طالبة تحت حكم طالبان إلى 2.5 مليون طالبة، طبقا لوزارة التعليم الأفغانية.

وتزخر أفغانستان بالمناطق الشبيهة بسبينا، حيث فشلت كل الجهود الرامية إلى تعليم النساء والفتيات. يذكر أن هناك ما يقرب من مليوني فتاة أفغانية غير ملتحقة بالمدارس. وتواجه تلك الفتيات تهديدات في بعض الأحيان، حيث قام متشددون مشتبه فيهم بتسميم أكثر من 100 طالبة في شمالي أفغانستان في الأسبوع الماضي، وذلك طبقا لأمان الله أمان، المتحدث باسم وزارة التعليم، الذي قال إن هناك تحقيقا يجري في الواقعة، في الوقت الذي تتعافى فيه هؤلاء الفتيات اللاتي تعرضن للتسمم.

وتقول فيديا غانيش، نائبة ممثل «اليونيسيف» لدى البلاد، إنه قد تم إغلاق الكثير من المدارس الواقعة شرق أفغانستان في الأشهر القليلة الماضية نظرا لتلك التهديدات، في حين يعد نكبة لما كان يعتبر اتجاها إيجابيا.

أجبر المتمردون عشرات من مدارس الفتيات على الإغلاق بداية من منتصف العقد الماضي، عندما بدأوا في العودة مجددا إلى أفغانستان. يذكر أن الكثير من المدارس قد تم إنشاؤها وتمويلها من قبل الولايات المتحدة الأميركية، ولكن لم تتم إعادة فتح الكثير من تلك المدارس التي تم إغلاقها. وتحيط المدارس الموجودة في بعض القرى نفسها بسياج من السرية، حيث تتخفى في غرف المعيشة أو دور الضيافة، كما كان الحال في فترة حكم طالبان.

وتقول شكرية باراكزاي، وهي عضو في البرلمان وكانت تدير مدرسة سرية خاصة بها عقب استيلاء طالبان على السلطة في كابل في حقبة التسعينات: «يعد هذا الأمر محفوفا بالمخاطر بالنسبة للمدرسين والطالبات على حد سواء، ولكن هذه المدارس السرية تشير بوضوح إلى ظمأ الناس للتعليم في ظل حكم طالبان».

ويقول أحد الشقيقين من مدينة سبينا التي يهددها المتمردون: «لم يختلف الوضع كثيرا عما كان عليه في الماضي، حيث إننا نعيش في مجتمع بعيد كل البعد عن الديمقراطية والحرية».

وصلت حركات التمرد إلى هذه المنطقة من مقاطعة باكتيكا في عام 2005 بكثير من القوة وقليل من المقاومة. وفي ظل غياب قوات الأمن الأفغانية أو الأميركية، يتمكن هؤلاء المقاتلون من حمل السلاح بحرية وتهديد السكان المحليين من دون أي عقوبة، حيث لم يعترض أحد على التهديدات الخاصة بتعليم الإناث.

سرعان ما انتشر خبر مدارس الفتيات السرية تلك، التي تعد جزءا من نظام التعليم السري، في أماكن مثل سبينا، حيث يهدف إلى تضليل حركة طالبان. ويظل الحجم الحقيقي لهذا النظام التعليمي غير معلوم، ولكن المسؤولين الأفغان والأميركيين يؤكدون أن مثل هذه الشبكات السرية تعتبر أمرا شائعا في الأماكن التي يوجد فيها أعداد كبيرة من المتمردين.

ويقول الشقيقان، اللذان أصرا على عدم نشر اسميهما لدواع أمنية، إن الطالبات الصغيرات - من سن 5 أعوام إلى 12 عاما – يبدأن في القدوم إلى منزلهما أولا، ثم يتبعهن الطالبات المراهقات، وهو ما يعد تطورا نادرا ومثيرا للجدل في شرق أفغانستان، حيث من المتوقع أن تظل الفتيات في منازلهن حتى يبلغن سن المراهقة.

لم يكن بإمكان الشقيقين تصديق هذا المعدل المرتفع لإقبال الفتيات، الذي أشعرهما بالقلق والحماسة في الوقت نفسه. وقام الشقيقان بإطلاق اسم عمها الكبير، ناميزاد، وهو أحد علماء الدين، على هذه المدرسة. ويقول أحد الشقيقين: «تواظب الفتيات على الحضور إلى المدرسة. إنهن متلهفات بشدة على التعليم كما لو كن يتضورن جوعا».

عندما قامت إحدى فصائل الجيش الأميركي بزيارة نادرة إلى سبينا هذا الشهر، نظر الجنود إلى هذه المدرسة بوصفها مثالا على الصمود في مواجهة مشروع التنمية الفاشل وبارقة أمل في هذا المكان الكئيب. وفي الأشهر الأخيرة، قامت حركة طالبان في مقاطعة باكتيكا بسرقة مرتبات المدرسين لشراء مدفع «هاون» عيار 82ملم وبعض القذائف، وذلك طبقا للمسؤولين الأميركيين.

وعقب دخوله من مدخل غرفة المعيشة الخاصة بالأسرة، قال كورتيس تايلور، اللفتنانت كولونيل في الجيش الأميركي، للشقيقين والطالبات: «أريد أن أشكركم على شجاعتكم».

تجلس الفتيات على السجاد في مدرسة ناميزاد ويبدأن كل فصل دراسي بتلاوة آيات من القرآن الكريم، بينما يتم وضع السبورة على الأرض. يمتلك أقل من نصف عدد الطالبات كتبا مدرسية وصلت إليهن من كابل. لا توجد كهرباء في المدرسة، كما هو الحال في سائر أنحاء سبينا. ويقول أحد الشقيقين: «الفتيات يتعلمن شيئا من لا شيء».

يطالب هذان الشقيقان بالمزيد من الموارد، بينما يتضرعان إلى الله أن تبقى هذه المدرسة بعيدا عن أعين طالبان. ويقول الشقيقان إن مدير التعليم في المنطقة يدعي أنه لا توجد لديه أي أموال مخصصة لتعليم الفتيات، وهو ما أكده المسؤولون المحليون، في الوقت الذي يزداد فيه تقدم طالبان صوبهم.

ومنذ بضعة شهور، قام المتمردون بوضع رسالة على باب منزل الشقيقين تقول: «لن نسمح بتعليم الفتيات»، واصفة تلك الممارسات بأنها «غير إسلامية»، ومحذرة من عواقب وخيمة في حال عدم الامتثال.

ظل الشقيقان يفكران في ما يتوجب عليهما فعله، هل ينبغي عليهما إغلاق تلك الفصول؟ أم يجب أن يغادرا سبينا؟ ويذكر أن هذين الشقيقين في بداية الثلاثينات من عمرهما ولديهما عينان لامعتان ولحى طويلة بنية اللون ويرتدين «سالوار كاميز» أبيض اللون، وهو الزي التقليدي في هذا المكان. وتتشابه خلفية الشقيقين بصورة لافتة للنظر مع هؤلاء المتمردين الذين يهددونهم، حيث تلقى الشقيقان تعليمهما في المدارس الدينية الباكستانية، وتربيا على الالتزام بالقرآن الكريم، مثل كل الطلاب في غرب باكتيكا. ويقول أحد الشقيقين: «لقد كنت قريبا جدا من الالتحاق بطالبان. يطاردنا هؤلاء الرجال كالأشباح، ولكنهم مجرد رجال ونحن نعلم هذا جيدا».

حاول الشقيقان إبلاغ طالبان بأنهما سيقومان فقط بتدريس المناهج الدينية للطالبات، وقاما بتحذير الطالبات من مغبة حضور تلك الفصول، ولكنهما فوجئا مرة أخرى عندما استمرت الفتيات في التوافد على المدرسة، التي يوجد بها فصول لتعليم الأطفال الصغار في الصباح، تعقبها فصول أخرى لتعليم المراهقين بعد الظهيرة. تكسو ابتسامة عريضة شفاه الشقيقين عندما يتحدثان عن الفتيات اللاتي تخرجن مؤخرا، حيث تعمل 8 منهن كقابلات مدربات.

وتقول بارانا (11 عاما) التي كانت في الصف الأول عندما قامت طالبان بإغلاق المدرسة الممولة من الولايات المتحدة: «أحببت المدرسة الأخرى أكثر من هذه، حيث كان لدينا مقاعد وكتب. ولكن هذا المكان لا يزال جيدا، حيث إننا لا نزال نتلقى التعليم هنا. أريد أن أتعلم كل شيء».

لم يقم المتمردون بتنفيذ تهديداتهم، بينما يتساءل الشقيقان عما إذا كانوا سينفذون تلك التهديدات من الأساس وعما إذا كان صمت حركة طالبان الأخير يمكن أي يدل على موافقتها الضمنية أم أنه قد يكون مجرد مقدمة لأعمال العنف.

تمكنت الحكومة الأفغانية والمنظمات الدولية، في بعض الحالات، من التوصل إلى تسويات مع المتمردين لعدم إغلاق تلك المدارس. وتقول غانيش: «لقد بدأنا في التوصل إلى طرق للتفاوض مع العناصر المناهضة للحكومة».

يشعر البعض بالقلق من تهميش حقوق المرأة، في الوقت الذي تستعد فيه الولايات المتحدة الأميركية للانسحاب من أفغانستان، بينما تحاول الحكومة الأفغانية إرضاء الناخبين المتشددين. وقضى كبار الزعماء الدينيين في مجلس العلماء في البلاد في شهر مارس (آذار) الماضي بأن الرجال يتمتعون بـ«القوامة» وأن النساء مجرد «تابعات»، مانعين الإناث من التفاعل مع أقرانهن الذكور في المدارس أو أماكن العمل.

يتلقى الذكور فقط التعليم في مدرسة سبينا التي تمولها الولايات المتحدة الأميركية، وهي عبارة عن مبنى أصفر يتكون من طابق واحد نوافذه محطمة وطلاؤه مقشر، الذي تم تشييده منذ 5 سنوات لتعليم الإناث. ويقول أحد الشقيقين: «يبدو هذا المكان مثاليا، ولكننا نعلم أنه لن يستمر طويلا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»