سوريا تعاني من نفاد السيولة النقدية

مع زيادة العقوبات المفروضة عليها

TT

يشهد الاحتياطي النقدي المتبقي لسوريا تناقصا سريعا، مع دخول الثورة ضد النظام شهرها الثالث عشر، بحسب مسؤولين استخباراتيين ومحللين ماليين يتحدثون عن فجوة في اقتصاد الدولة في مواجهة العقوبات المفروضة عليها.

وقد أجبر نضوب السيولة المسؤولين السوريين على وقف الإمداد بخدمات التعليم والرعاية الصحية وغيرها من الخدمات الأخرى الأساسية في بعض أجزاء الدولة، فضلا عن أنه قد دفع الحكومة إلى طلب المزيد من المساعدات من إيران بهدف دعم عملة الدولة الآخذة في الهبوط، بحسب المحللين.

في الوقت نفسه، نضب العائد من النفط السوري تقريبا، حتى مع رفض الصين والهند قبول النفط الخام للدولة، على حد قولهم. كما يبدو أن الرئيس بشار الأسد قد أمن نفسه ودائرته المقربة ضد ألم العقوبات وصور الحظر التجاري المفروضة على سوريا، التي ترفع أسعار الغذاء والوقود بالنسبة لكثير من سكان الدولة البالغ تعدادهم 20 مليون نسمة، بحسب محللين وخبراء ماليين أميركيين ومن الشرق الأوسط. ربما يكون كل من احتياطيات الأسد النقدية ودخل السوق السوداء الضخم كافيين لإبقاء النخبة التابعة للنظام في السلطة لعدة أشهر وربما لفترة أطول، بحسب مسؤولين استخباراتيين وخبراء خارجيين. ومن غير المتوقع أن تواجه الحكومة عقبات في تمويل عملياتها العسكرية. «الضغط الاقتصادي شديد، لكن لسوء الحظ، لم يصل بعد إلى الدرجة الكافية لردع النظام»، قال مسؤول استخباراتي شرق أوسطي يراقب عن كثب الاتجاهات الاقتصادية في سوريا. تحدث المسؤول، ككثيرين غيره، مشترطا عدم الكشف عن هويته نظرا لمناقشته معلومات حساسة تتعلق باقتصاد سوريا. وتأتي تقييمات التدهور المالي في سوريا وسط جهود جديدة من جانب الحكومات الغربية لتضييق الخناق المالي على الدولة، التي تواجه عزلة اقتصادية وسياسية متزايدة في أعقاب القمع الوحشي للنشطاء المعارضين للنظام منذ أكثر من عام.

تبنى الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين إجراءات تحظر بيع السلع الفاخرة إلى سوريا، فيما أمرت إدارة أوباما بفرض عقوبات على الأفراد أو الشركات التي تزود الأسد بأجهزة مراقبة أو أي وسائل تكنولوجية أخرى يمكن استخدامها في قمع المعارضة. وتأتي القيود الجديدة وسط أكثر من 12 عقوبة فرضت على سوريا منذ اندلاع الثورة في مارس (آذار) 2011. ومن المنتظر فرض المزيد من العقوبات الشهر المقبل، مع اجتماع ممثلي 75 دولة في واشنطن لتنسيق الجهود الرامية إلى وقف أي مصادر أخرى تجلب عائدات لسوريا.

وذكر وزير الدفاع ليون بانيتا، في شهادة أمام المشرعين الأميركيين الأسبوع الماضي، أن العقوبات «تقوض الدعم المالي للنظام»، بتقليل حجم الدخل الحكومي إلى ما يقرب من الثلث.

ويؤكد مسؤولون غربيون على أن العقوبات والحظر الذي تم فرضه في وقت سابق على واردات النفط السورية يستهدفان الحكومة ونخبة رجال الأعمال في الدولة، لا عامة الشعب.

غير أن الإجراءات العقابية قد سببت مجموعة هزات مالية ملموسة بمختلف قطاعات الاقتصاد السوري، حتى الآن من دون تهديد حكم الأسد الذي تأصلت جذوره منذ 12 عاما، بحسب محللين. ولا تضم تلك الهزات الارتفاع في أسعار المستهلك فحسب، وإنما أيضا هبوطا حادا في قيمة الليرة السورية. وقد ظلت الأجور ثابتة.

من العوامل التي تهدد بقاء الأسد نضوب ما كان يمثل من قبل جبلا من العملة الصعبة في الحسابات المصرفية الحكومية. لقد انخفضت قيمة الاحتياطي النقدي المخصص لمواجهة الأزمات الذي بلغت قيمته نحو 20 مليار دولار العام الماضي إلى قيمة تتراوح ما بين 5 و10 مليارات دولار، والآن تخسر قرابة مليار دولار شهريا، بحسب مسؤولين استخباراتيين شرق أوسطيين وغربيين مطلعين على تقييمات استخباراتية لاقتصاد سوريا. وأكد مسؤولون أميركيون بشكل منفصل على أن احتياطيات سوريا قد هبطت بنسبة تربو على النصف منذ بدء الثورة.

من جهته، قال مسؤول رفيع بإدارة أوباما مطلع على آخر المعلومات الاستخباراتية: «إنهم يبحثون عن سيولة نقدية لتمويل أعمال القمع، وليست لديهم أي توقعات بالحصول على المزيد».

أشار المسؤول إلى الناقلات المحملة بالنفط العالقة في المياه السورية والعاجزة عن إيجاد مشترين أجانب بسبب الحظر. حتى أن الجهود السورية الرامية إلى بيع النفط عبر وسطاء إيرانيين قد باءت بالفشل، بحسب المسؤول، نظرا لأن العقوبات قد حثت شركات التأمين البحري على إسقاط التغطية للمركبات السورية والإيرانية. وقال المسؤول: «أملنا ألا يعجز الأسد عن تمويل أعمال القمع فقط، بل أن يتخلل الضغط نظامه بصور أخرى»، محدثا عائقا بينه وبين النخب العسكرية والتجارية في الدولة.

لقد حمل نضوب الأموال من الخزائن الحكومية – جنبا إلى جنب مع المخاوف من هبوط لاحق في قيمة الليرة السورية – المسؤولين السوريين على اللجوء مرارا وتكرارا لإيران، أقوى حلفائهم الخارجيين، للمساعدة في تحقيق الاستقرار لعملتهم، بحسب المسؤولين.

* ساهم في كتابة التقرير الكاتب كولوم لينش من الأمم المتحدة

* خدمة «واشنطن بوست» مع وكالة «بلومبرغ نيوز» خاص بـ«الشرق الأوسط»