مقال مجلة «فوغ» حول أسماء الأسد أتى بنتائج عكسية

الأسوأ من حيث التوقيت والأكثر انفصالا عن الواقع

TT

ربما يكون المقال الذي كتبته الصحافية جوان جوليت باك العام الماضي في صحيفة «فوغ» العالمية المتخصصة في مجال الأزياء عن سيدة سوريا الأولى أسماء الأسد هو المقال الأسوأ من حيث التوقيت والأكثر انفصالا عن الواقع منذ عقود. وبدأت باك مقالها عن أسماء الأسد قائلة: «أسماء الأسد سيدة فاتنة وشابة وأنيقة للغاية - وهى الأكثر حيوية وفتنة بين قرينات رؤساء الدول». واستخدمت باك العديد من الصفات لتصف سيدة سوريا الأولى، كان من بينها الرشاقة والحيوية وأنها ترتدي أحذية من ماركة كريستيان لوبوتين الشهيرة، واستطردت قائلة: «إن المهمة الرئيسية للسيدة الأولى التي تبلغ من العمر 35 عاما هي تغيير عقلية 6 ملايين سوري تحت سن الثامنة عشرة، وتشجيعهم على المشاركة فيما تطلق عليه (المواطنة الفعالة)».

وما إن ظهر هذا المقال للنور، حتى بدأ زوجها بشار الأسد في شن حملة وحشية تجاه معارضيه. ومنذ ذلك الحين، لقي نحو 9000 سوري حتفهم على يد قوات الأمن الموالية للأسد الذي تولى مقاليد الأمور في البلاد عن طريق التوريث.

وبدلا من أن تظهر على أنها السيدة التقدمية المحبة للفنون والمصرفية التي تلقت تعليما بريطانيا كما وصفتها باك، كانت أسماء الأسد بمثابة ماري أنطوانيت الربيع العربي، حيث أظهرت رسائل إلكترونية سربتها جماعات المعارضة السورية الشهر الماضي أن أسماء الأسد تقوم بالتسوق عبر الإنترنت لشراء مجوهرات، وثريات، وأحذية مصممة خصيصا من متاجر في باريس ولندن بينما كان قمع حكومتها الوحشي تجاه شعبها ما يزال مستمرا.

وقد أثار مقال باك، الذي نشر في عدد شهر مارس (آذار) عام 2011، شعورا بالدهشة والسخرية على نطاق واسع، ولا سيما في مجتمع السياسة الخارجية لواشنطن، الذي طالما كان يرى سوريا على أنها دولة مثيرة للمشكلات في المنطقة ومن أكثر الدول انتهاكا لحقوق الإنسان. كما احتوى المقال على تلميح بسيط عن تاريخ القمع الذي تمارسه أسرة الأسد بالإشارة إلى أن سوريا «بلد مليء بالمناطق الغامضة». واختفى المقال بعد ذلك. وقد تسبب المقال المكون من 3,200 كلمة في حرج شديد للمجلة حتى إنها قامت بحذفه من على الموقع الإلكتروني الخاص بها، وهو ما يعد خطوة غير مسبوقة لمنظمة إعلامية كبرى وانتهاكا معروفا لآداب النشر على شبكة الإنترنت.

ومن المستحيل أن تجد المقال الذي يحمل عنوان «زهرة في الصحراء» على الموقع الإلكتروني لمجلة «فوغ»، حيث تؤدي نتائج البحث على موقع Vogue.com إلى الرسالة التالية: «عفوا! الصفحة التي تقوم بالبحث عنها غير متاحة» بجانب صورة لعارضة أزياء تنظر بصرامة للكاميرا.

ومع ذلك، لا يزال هذا المقال متاحا لمشتركي قاعدة بيانات «نيكسيس»، التي تحفظ المقالات التي تم نشرها ونسخ أصلية منها. وطبقا لمجلة «ذي اتلانتيك»، فإن النسخة الوحيدة المتاحة مجانا من مقال «زهرة في الصحراء» توجد على موقع لصحافي سوري وهو presidentassad.net، والذي يصف بشار الأسد بأنه «رئيس السلام العادل والشامل»). وقد تم إنشاء هذا الموقع في سوريا، مما يجعله خارج سلطة دار نشر كونديه ناست المالكة لمجلة «فوغ».

ويبدو أن محرري مجلة «فوغ» ليسوا متحمسين للحديث عن المقال ولا عن المجهود الذي بذلوه من أجل أن يختفي من على الموقع، حيث قام كل من مكتب المحررة آنا وينتور ومديرة تحرير موقع مجلة «فوغ»، ألكسندرا ماسون، بتحويل المكالمات للمتحدثة باسم المجلة ميغان سالت، والتي لم ترد على أي مكالمات أو أي رسالة إلكترونية تطلب التعليق، وحتى باك نفسها لم ترد أيضا.

وعلى الرغم من أن مقال مجلة «فوغ» لم يذكر ذلك، فإن الصور المصاحبة للمقال، التي تظهر أسماء الأسد وزوجها واثنين من أطفالهما في منزل العائلة في دمشق - كان قد تم التقاطها بتسهيلات من شركة أميركية للعلاقات العامة تعمل لصالح الحكومة السورية. وقد تم دفع مبلغ 25,000 دولار للشركة التي تحمل اسم «براون ليود جيمس»، لتجهيز جلسة تصوير مع المصور جيمس ناشتوي، وهو المصور الحربي الشهير الذي التقط الصور لمجلة «فوغ».

وقالت الشركة في بيان لها يوم الأربعاء: «اقتصر دور الشركة على التنسيق بين الجانبين لتوفير ما يحتاجه المقال في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2011»، وأضافت أنها بدأت العمل مع الحكومة السورية «خلال مرحلة التحسن» في العلاقات مع الولايات المتحدة، وخلال الفترة التي كان فيها «المجتمع الدولي يشجع التعامل رفيع المستوى مع سوريا».

وقد ظهر اسم أسماء الأسد في الأخبار مجددا الأسبوع الماضي حينما قامت زوجتا السفير الألماني والسفير البريطاني لدى الأمم المتحدة بنشر مقطع فيديو ونداء موجه إلى أسماء الأسد يناشدها التأثير على زوجها لوضع حد لسفك الدماء في سوريا. ويجمع الفيديو بين صور فاتنة للسيدة الأولى أسماء - بما في ذلك صور التقطها ناشتوي لمجلة «فوغ» - ومقاطع لأطفال سوريين جرحى وقتلى، ويقول الصوت المصاحب للفيديو: «دافعي عن السلام يا أسماء، ولا تقفي موقف المتفرج». ومع ذلك، لم ترد أسماء الأسد على تلك النداءات.

وفي حوار مع مؤسسة الإذاعات العامة الوطنية «إن بي آر» الأسبوع الماضي، أشارت باك إلى أن الأطفال الذين ظهروا في الصور التي تم نشرها في مجلة «فوغ» قد لا يكونون أطفال الأسد الحقيقيين، ولكنها خدعة لأسباب أمنية. وأضافت أن الوجود بقرب عائلة الأسد كان «مروعا» وما تندم عليه الآن بشدة هو أن المجلة قد اختارت عنوان «زهرة في الصحراء» للمقالة التي كتبتها عن أسماء الأسد.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»