الجبالي يدعو إلى إنهاء التجاذبات السياسية الحادة في تونس

مسؤول تونسي: الكشف عن «القوائم السوداء» السياسية سيثير فتنة اجتماعية

TT

أكد حمادي الجبالي، رئيس الوزراء التونسي أمين عام حركة النهضة الإسلامية، التي تقود الائتلاف الثلاثي الحاكم، أمس، على ضرورة إنهاء التجاذبات السياسية الحادة بين الفرقاء السياسيين في السلطة والمعارضة في تونس من أجل التركيز على التنمية الاقتصادية والقضايا الاجتماعية ومقاومة الفساد وتحقيق المزيد من استتباب الأمن، حسبما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.

ودعا الجبالي، في هذا السياق، لدى عرضه برنامج عمل حكومته لسنة 2012 أمام المجلس الوطني التأسيسي، إلى إنشاء «مجلس حكماء يجمع ولا يفرق للرجوع إليه عند (نشوء) الأزمات» السياسية وإلى «مصالحة وطنية» في البلاد التي يقول مراقبون إنها تشهد تجاذبات سياسية حادة بين الإسلاميين وأحزاب يسارية معارضة.

وشدد رئيس الحكومة على أن «إمكانيات تونس ضعيفة» في الوقت الحالي، وأن «التشنج» القائم بين الفرقاء السياسيين في البلاد «لا يخدم المصلحة الوطنية بالمرة»، مؤكدا ضرورة «المصالحة الوطنية في هذا الظرف» خاصة مع «رجال الإعلام».

وكانت العلاقة بين حركة النهضة الإسلامية والصحافيين شهدت توترا شديدا، خصوصا في الأسبوعين الأخيرين، وسط اتهامات متبادلة بـ«الانحياز» ضد السلطة، من جهة، ومحاولة «توظيف» الإعلام لخدمة أجندات حزبية من جهة أخرى. وقال الجبالي «أرجو من رجال الإعلام أن يتصالحوا مع الثورة والشعب، وأرجو ممن يقسون على رجال الإعلام أن يترفقوا برجال الإعلام سواء العمومي أو الخاص».

ويقول أنصار لحركة النهضة إن التلفزيون العمومي تحت سيطرة «يساريين» معارضين للحركة وآخرين موالين لنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وقال عامر العريض، القيادي في «النهضة»، في مقابلة مساء الأربعاء مع القناة الأولى للتلفزيون العمومي، إن نشرة الأخبار الرئيسية للقناة «مغرقة في الانحياز السياسي» ضد الحكومة والحركة، مضيفا أن من يشاهد نشرات أخبار التلفزيون العمومي يعتقد أن تونس تشهد «حربا أهلية». في المقابل، يتهم صحافيون «النهضة» بالسعي إلى وضع يدها على وسائل الإعلام العمومي خاصة التلفزيون.

وفي هذا السياق، نفى سعيد الخزامي، رئيس تحرير القناة، اتهامات العريض، وقال إن «السياسيين يحاولون الاستفادة من نشرة الأخبار لكسب قواعد شعبية تهيئ لهم الانتخابات القادمة».

وأكد الجبالي في خطابه أمس أن اقتصاد تونس لا يزال في مرحلة «الإنعاش» بعد أن تراجعت نسبة النمو سنة 2011 إلى مستوى أدنى من صفر في المائة بسبب تداعيات الثورة، وذلك بعد أن اعتادت تونس لسنين طويلة على نسبة نمو تتراوح بين 4 و5 في المائة. وأفاد الجبالي بأن الاقتصاد التونسي حقق نموا بنسبة 2 في المائة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2012، وأن البلاد تحتاج إلى استقرار أمني واجتماعي حتى يتعافى الاقتصاد، وتتمكن البلاد من توفير فرص عمل للعاطلين. وقال إن الحكومة خصصت اعتمادات بقيمة 511 مليون دينار (نحو 250 مليون يورو) لتوفير 75 ألف وظيفة منها 25 ألفا في القطاع العام خلال سنة 2012. وذكر أن معدل البطالة في تونس ارتفع إلى 19 في المائة سنة 2011 مقابل 14 في المائة سنة 2010.

وكانت البطالة، خاصة في صفوف خريجي الجامعات، شكلت وقود «ثورة الحرية والكرامة» في تونس. وحسب إحصائيات رسمية يبلغ عدد العاطلين في تونس نحو 750 ألفا، بينهم نحو 250 ألفا من خريجي الجامعات. ولفت الجبالي إلى أن حكومته حددت ضمن برنامج عملها للفترة القادمة خمس أولويات، هي تنمية الجهات الداخلية «الضعيفة والمحرومة»، وتوفير فرص العمل ومكافحة غلاء الأسعار ومكافحة الفساد واستتباب الأمن. وأوضح أن الدولة رصدت أكثر من 6 مليارات دينار تونسي (3 مليارات يورو) لتنفيذ مشاريع تنموية جديدة بمختلف أنحاء البلاد، مشيرا إلى أن 75 في المائة من هذه الاعتمادات المالية ستنفق في مشاريع تنموية بالمناطق «المحرومة» سابقا.

وعلى المستوى الأمني، نبه الجبالي إلى أن «التطاول على سلطة الدولة» أصبح «أخطر ظاهرة تهدد الدولة في تونس»، مشيرا إلى أن مارقين عن القانون «تصدوا بالسلاح» للأجهزة المكلفة بإنفاذ القوانين (الشرطة وفرق مراقبة الأسعار ومكافحة المضاربة والاحتكار)، داعيا إلى معالجة الأمر بـ«الحكمة والوفاق الوطني». وحرص الجبالي بالتوازي مع ذلك على نفي أي نية للحكومة «لإعادة استعمال سياسة العصا الغليظة» لتطبيق القوانين. وعلى صعيد آخر، قال مسؤول رفيع في الحكومة التونسية مساء أول من أمس إن وزارة الداخلية لن تكشف عن القوائم السوداء للناشطين في البوليس السياسي التابع لنظام الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، نظرا لأن ذلك من شأنه أن يؤدي لحدوث «فتنة اجتماعية». وقال المستشار السياسي برتبة وزير لدى رئاسة الحكومة لطفي زيتون، في لقاء تلفزيوني على القناة الأولى «إن الكشف عن أسماء المخبرين والناشطين في البوليس السياسي في ظل النظام القمعي لابن علي سيؤدي إلى كشف أعراض الناس وسيؤذي الكثير من العائلات التونسية التي لا ذنب لها في ما حصل من تجاوزات». وأوضح زيتون أن «بن علي كان يتدخل في الحياة الخاصة للمواطنين والمعارضين والنشطاء السياسيين والحقوقيين ويصورهم في غرف النوم». يذكر أنه في مارس (آذار) 2011، بعد شهرين من سقوط نظام بن علي، قالت وزارة الداخلية في الحكومة المؤقتة الثانية برئاسة الباجي قائد السبسي في بيان إنها حلت البوليس السياسي وجهاز أمن الدولة. غير أن سياسيين من الأحزاب المعارضة ونشطاء حقوقيين صرحوا مرارا بأن هواتفهم المحمولة ما زالت تحت المراقبة.