لاهاي تدين الرئيس الليبيري السابق بجرائم حرب.. وبريطانيا تستعد لسجنه

تايلور المتهم بإغراق غرب أفريقيا في نزاعات مروعة يدفع ببراءته.. والحكم في 30 مايو

بائع متجول يشاهد بث محاكمة تايلور في لاهاي مباشرا من فريتاون عاصمة سيراليون أمس (رويترز)
TT

أدين الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور، 64 سنة، أمس بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في سيراليون بين العامين 1996 و2002، ليصبح بذلك أول رئيس دولة سابق يدينه القضاء الدولي منذ نورنبرغ. وقال القاضي ريتشارد لوسيك أمام المحكمة الخاصة لسيراليون إن «المحكمة تعتبرك مذنبا بسبب مساعدتك وتشجيعك على ارتكاب الجرائم التالية»، معددا 11 تهمة بينها الاغتصاب والقتل والأعمال غير الإنسانية، في جلسة عامة أقيمت في لايدشندام قرب لاهاي أمام المحكمة الخاصة بسيراليون. وأوضح القاضي أن الحكم بحق تايلور المدان أيضا بارتكاب جرائم قتل واغتصاب ومعاملة غير إنسانية سيصدر في 30 مايو (أيار) المقبل، بينما أفاد ناطق باسم وزارة الخارجية البريطانية بأن تايلور سيمضي عقوبته في سجن بريطاني.

ويعتبر حكم المحكمة الخاصة بسيراليون أول حكم يصدر عن القضاء الجنائي الدولي بحق رئيس دولة سابق منذ ذلك الذي صدر في 1946 عن محكمة نورنبرغ العسكرية الدولية بحق كارل دونتز القائد الأعلى للبحرية الألمانية، الذي خلف أدولف هتلر في نهاية الحرب العالمية الثانية وحكم عليه بالسجن عشر سنوات بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

وأدين تشارلز تايلور بتدبير وتنفيذ حملة رعب تهدف إلى السيطرة على سيراليون بغرض استغلال الماس خلال حرب أهلية أسفرت عن سقوط 120 ألف قتيل بين العامين 1991 و2001. ويقول الادعاء إن قوات تايلور قاتلت إلى جانب متمردي الجبهة الثورية المتحدة في سيراليون التي كان الرئيس السابق يقودها سرا عبر تزويدها بالأسلحة والذخيرة مقابل حصوله على الماس. وأعلن القاضي ريتشارد لوسيك أن «المحكمة اعتبرت أن دور المتهم كان حاسما في تزويد الجبهة الثورية الموحدة بالأسلحة، وأنه حصل على الماس مقابل ذلك». وأضاف القاضي: «قُطعت رؤوس وعرضت جماجمها في حواجز». كما تحدث عن «اغتصاب نساء وبنات أمام الملأ».

وجلس تايلور مرتديا بدلة زرقاء وقميصا أبيض وربطة عنق حمراء، وراء محاميه، وبدا يكتب على دفتر عندما افتتح حاجب المحكمة الجلسة التي دامت أكثر من ساعتين. وقد دفع ببراءته. ونقلت الجلسة مباشرة في مقر المحكمة الخاصة بسيراليون في فريتاون عاصمة سيراليون بينما انتشرت أعداد كبرى من قوات الأمن الليبيرية والدولية أمس في شوارع مونروفيا عاصمة ليبيريا، حيث دعت الحكومة الشعب إلى الهدوء و«الصلاة من أجل الأمة والسلام». وقد أمر مجلس الأمن الدولي بنقل محاكمة تايلور إلى لاهاي في العام 2006 لأسباب أمنية. وقد بدأت محاكمته في الرابع من يونيو (حزيران) 2007 وانتهت في 11 مارس (آذار) 2011، واستغرق القرار نحو سنة، حيث عكف القضاة على قراءة أكثر من خمسين ألف صفحة شهادات ودراسة 1520 صفحة من الأدلة. واستدعى الادعاء 94 شاهدا والدفاع 21 بمن فيهم تشارلز تايلور شخصيا الذي أدلى بشهادة استمرت 81 ساعة للدفع ببراءته ووصف ما قيل عن أنه أكل من لحم البشر بأنها «أكاذيب». غير أنه أكد أنه لا يرى أي مشكلة في عرض جماجم بشرية عند الحواجز العسكرية.

وشهدت المحاكمة اهتماما على الساحة الدولية في أغسطس (آب) 2010، عندما مثلت أمام المحكمة عارضة الأزياء البريطانية ناعومي كامبل والممثلة ميا فارو للإدلاء بشهادتيهما بناء على طلب المدعي. وقد أصدرت المحكمة الخاصة بسيراليون في فريتاون أحكاما بالسجن تتراوح بين 15 إلى 52 عاما بحق ثمانية متهمين بارتكاب جرائم في سيراليون. ولد تشارلز غانكاي داكباناه تايلور في عام 1948، في ضاحية راقية في مونروفيا لأب وأم من أصول أميركية أفريقية. درس في الجامعة الأميركية، ثم عمل في الإدارات الليبيرية، قبل أن يصبح زعيم حرب يطمع في السلطة ثم رئيسا مثيرا للجدل، ومرهوب الجانب بين 1997 و2003. وهو يحمل إجازة في الاقتصاد من جامعة بنتلي كوليدج في ماساتشوسيتس. وقد التحق في 1979 بالإدارة الليبيرية حيث لقب بـ«الصمغ»، بسبب ميله إلى الاستئثار بالأموال العامة. اتهم تايلور في العام 1983 باختلاس 900 ألف دولار، فلجأ إلى الولايات المتحدة حيث سجن ثم فر من سجنه إلى ساحل العاج ومنها إلى ليبيا حيث انتقل إلى معسكرات للتدريب. وبعد ستة أعوام وفي ليلة عيد الميلاد في 1989، فجر في ليبيريا واحدة من أشرس الحروب الأهلية في القارة السوداء، ولجأ خصوصا إلى تجنيد الأطفال. وقد اتهم مقاتلوه الذين غالبا ما كانوا تحت تأثير المخدرات، بارتكاب أكثر المجازر والفظائع وحشية، وعمليات بتر الأعضاء والاغتصاب.

وفي عام 1997، وبعد توقيع اتفاق سلام برعاية الأسرة الدولية، انتخب الليبيريون زعيم الحرب هذا رئيسا للدولة بعد أن أصبح الرجل القوي في البلاد، وذلك في اقتراع اعتبر ديمقراطيا إلى حد كاف. لكن في عام 1999، تغيرت الأمور مع اندلاع حركة تمرد الليبيريين من أجل المصالحة والديمقراطية، التي انطلقت من الشمال. ولقيت الحركة دعم عدة دول ومساندة سرية من الولايات المتحدة وتقدمت باتجاه ليبيريا. وانتهت الحرب بحصار العاصمة ثلاثة أشهر في عام 2003.

وتحت الضغط، اضطر تايلور للتخلي عن منصبه ومغادرة البلاد في 11 أغسطس (آب) 2003 ليقيم في نيجيريا منهيا بذلك 14 عاما من الحروب التي أودت بحياة 300 ألف شخص، وسببت نزوح مئات الآلاف. وكان قد اتهم قبل ذلك في يونيو (حزيران) 2003 بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية من قبل المحكمة الخاصة بسيراليون. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من ذلك العام، صدرت مذكرة توقيف دولية بحقه. وفي مارس 2006، اعتقل تايلور ونقل إلى لاهاي. وفي زنزانته بسجن شيفينينغن في ضاحية لاهاي، يقرأ الكتاب المقدس وروايات سياسية ويؤلف كتابا، كما تقول عائلته. ويصف السجناء الآخرون زميلهم تايلور بأنه هادئ جدا، ويبدو أنه يمضي وقتا طويلا في التحدث مع «مرشد روحي».