«الأسلحة الأميركية» تجدد الخلاف بين أربيل وبغداد.. والحكومة تدعو كردستان لتسليم أسلحته الثقيلة

رئيس البرلمان السابق أول من نبه إلى مخاطرها

الرئيس العراقي جلال الطالباني (شمال) والرئيس الكردي مسعود بارزاني ويتوسطهما الزعيم الشيعي مقتدى الصدر في اجتماع بمدينة أربيل أمس (أ.ف.ب)
TT

عززت الدعوة التي أطلقها أحد القياديين المقربين من رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لقيادة إقليم كردستان بتسليم أسلحته الثقيلة، المخاوف الكردية من مواجهة عسكرية محتملة بين الحكومة المركزية في بغداد وإقليم كردستان، بينما تلقي صفقة طائرات «إف 16» التي تدرس الإدارة الأميركية إبرامها مع العراق، بظلالها على الأزمة السياسية العميقة التي يشهدها العراق حاليا، وتنبئ بتفرعات جديدة للخلافات القائمة أصلا بين أربيل وبغداد.

فقد دعا سامي العسكري وهو أحد القياديين من كتلة دولة القانون المقرب من رئيس الوزراء نوري المالكي، قيادة إقليم كردستان بتسليم أسلحته الثقيلة إلى بغداد. وقال في تصريح نقله موقع «السومرية نيوز»» إن حكومة الإقليم تستحوذ على أسلحة ثقيلة بشكل يخالف الدستور ويثير المخاوف بالنسبة للعراقيين، مضيفا أنه «كما يتخوف الكرد من صفقة الطائرات الأميركية، فإن سكان كركوك وديالى والموصل يتخوفون بدورهم من أسلحة بارزاني الثقيلة».

يذكر أن قوات البيشمركة الكردية تحتفظ بأعداد كبيرة من الدبابات والمدرعات والآليات العسكرية والمدافع الثقيلة التي غنمتها أثناء الحرب ضد نظام الرئيس الأسبق صدام حسين عام 2003.

وكان لرئيس البرلمان السابق عدنان المفتي عضو المكتب السياسي في الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه الرئيس العراقي جلال طالباني، قد طالب بضمانات أميركية بعدم استخدام الطائرات الأميركية الجديدة لتهديد المناطق الكردية. وقال المفتي لـ«الشرق الأوسط» إنه أثار موضوع هذه الطائرات مع عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي عند زيارتهم إلى كردستان عام 2008، وطلب من الإدارة الأميركية أن تقدم ضمانات موثقة من الجانب العراقي بعدم استخدام تلك الطائرات ضد كردستان، أو لحسم الصراعات السياسية، وإنه في حال استخدام تلك الطائرات من قبل الحكومة العراقية لتلك الأغراض، فعلى أميركا أن تسترد طائراتها وأسلحتها.

وأضاف المفتي «نحن ساهمنا في بناء دولة العراق الجديد، ومن أبسط مقومات تأسيس الدولة هو وجود جيش قوي قادر على الدفاع عن البلاد من التهديدات الخارجية والداخلية المتمثلة بالقوى الإرهابية، ونحن لا نمانع بتسليح الجيش بأحدث أنواع الأسلحة، ولكننا ضد استخدام تلك الأسلحة في الصراعات الداخلية، فالكوارث لم تحل على العراق إلا حينما وجهت الأنظمة الحاكمة أسلحتها إلى صدور العراقيين، ولدينا تجارب مريرة بهذا الشأن، ولذلك لا نريد أن نكرر تلك التجارب مرة أخرى في العراق الجديد الذي قدم العراقيون من أجله تضحيات غالية».

ويرجع القيادي العسكري اللواء جبار ياور أمين عام وزارة البيشمركة والمتحدث الرسمي باسم قيادة قوات حرس الإقليم، انعدام الثقة بين قيادة كردستان والحكومة المركزية، لانتهاك الدستور. ويقول في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «استحواذ المالكي على تشكيلات الجيش والمفاصل الأخرى المهمة في الدولة، وخاصة مؤسسات الاستخبارات والأمن، وجمع معظم السلطات الأمنية تحت يديه، تشير بمجملها إلى وجود مخاوف حقيقية ليس لدى الشعب الكردي وحده، بل معظم القوى السياسية العراقية، والرئيس مسعود بارزاني عندما يطالب بضمانات محددة قبل تسليح الجيش العراقي بالأسلحة المتطورة، ينطلق من فهمه الواضح للوضع السياسي العراقي، فالدستور لم يتحول إلى الآن إلى مرجع أساسي لكل المكونات السياسية، وإن عدم التزام معظم الأطراف ببنوده هو السبب في تعاظم المخاوف، وخاصة مخاوفنا نحن».

وأشار ياور إلى محاولات المالكي لتهميش الدور الكردي داخل تشكيلات الجيش، ففي البداية نجح في تحييد دور رئيس الأركان، وهو كردي، الذي ليس له أي صلاحية أو سلطة لتحريك القوات، أي أنه يمارس وظيفة إشرافية فقط، وكان جهاز الاستخبارات العسكرية يديره شخص كردي، ولكن المالكي مزق هذا الجهاز بتقسيمه إلى شطرين، الأول هو الاستخبارات العسكرية، والثاني هو الأمن العسكري، وكذلك الحال بالنسبة لتشكيلات القوة الجوية، فبعد عام 2004 عندما أعيد تشكيل الجيش العراقي تأسست قيادة القوات الجوية والتي يديرها الفريق أنور حمة أمين، وهو كردي من كركوك، ولكن المالكي شطر هذه القيادة إلى قسمين أيضا بهدف تحديد صلاحية قائد القوات الجوية، فأبقى على القسم الذي يختص بطائرات النقل بالفريق الكردي، بينما نقل طيران الجيش الذي يستخدم الطائرات المروحية تحت قيادة شخص عربي، والعراق يعتمد حاليا على طيران الجيش لأنه الأكثر استخداما في العمليات العسكرية ومواجهة الإرهابيين ويعتبر العمود الفقري لقوات إسناد الجيش.

وتابع القول «إن الدستور العراقي يمنع تدخل الجيش في الشؤون السياسية، ولكن معظم القادة الذين عينهم المالكي هم من أعوانه ومؤيديه حصرا». وختم اللواء جبار ياور بالقول «بحكم التجارب الكثيرة التي رأيناها في العراق منذ تشكيل الدولة العراقية أوائل عشرينات القرن الماضي، فقد ثبت أن من يسيطر على الجيش ستكون له اليد الطولى في السيطرة على مقاليد الحكم بالعراق، ورغم أن الدستور العراقي يشدد دائما على التوافقات وعلى ضمان حقوق جميع المكونات في إدارة شؤون البلاد، ولكن المالكي بسيطرته المطلقة على الجيش والقوات الأمنية يثير مخاوفنا ومخاوف الآخرين، مما يفرض على جميع الأطراف السعي نحو تحديد تلك الصلاحيات المطلقة بالعودة إلى الدستور ومعالجة الثغرات الموجودة فيه لضمان مستقبل أفضل لجميع العراقيين».