واشنطن ترى إشارات مشجعة في سياسة بكين تجاه إيران وسوريا

تساؤلات عما إذا كان خفض الصين وارداتها النفطية من إيران تأييدا للسياسة الغربية أم محاولة لانتزاع سعر أفضل

TT

عندما بدأت الصين فجأة تقليل مشترياتها من النفط من إيران الشهر الماضي، حدا المسؤولون في إدارة أوباما تفاؤل مشوب بالحذر، ناظرين إلى تلك الخطوة بوصفها الأخيرة في سلسلة إشارات مشجعة من جانب بكين بشأن قضايا أمنية حساسة، مثل سوريا وكوريا الشمالية، إضافة إلى قضايا اقتصادية مثقلة سياسيا، مثل سعر الصرف في الصين.

ومع ذلك، فإنه على غرار الكثير من الإشارات القادمة من بكين، فإن دوافعها الخفية لتقليل وارداتها من النفط الإيراني تبقى لغزا محيرا: هل الصينيون يتبنون العقوبات الغربية أم يحاولون، مثلما يشك بعض الخبراء، انتزاع سعر أفضل من أحد موردي النفط الأساسيين؟

ربما تكون الإجابة هي جانب من الأمرين، بحسب مسؤولي الإدارة البارزين الذين يقرون بأنهم لا يعرفون الإجابة على وجه التحديد. لكن بالنسبة للبيت الأبيض، الذي قد اجتهد من أجل توطيد علاقة بناءة بدرجة أكبر مع الصين، ربما لا تشكل دوافع بكين أهمية كبيرة بالنسبة للاتجاه العام الذي يبدو أنها تتحرك فيه.

على مدار سنوات، أحبطت الصين الجهود الرامية إلى الضغط على إيران. والآن، إضافة إلى إلقاء ثقلها خلف جهود العقوبات، على حد قول المسؤولين، تلعب بكين دورا أكثر فاعلية في المحادثات المتعلقة بالشأن النووي الإيراني التي تم إحياؤها مؤخرا بين إيران والقوى العالمية الست – الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا. وبينما سارت بكين على نهج روسيا في المفاوضات السابقة، ففي هذه المرة يقدم الدبلوماسيون الصينيون مقترحاتهم الخاصة.

«يتمثل أحد العوامل الأساسية لإنجاح هذا العمل في الوحدة بين القوى الرئيسية»، هذا ما قاله مسؤول إدارة بارز تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشته التبادل الدبلوماسي. وأضاف: «لقد كان الصينيون شركاء جيدين جدا في هذا الصدد».

إضافة إلى ذلك، فإن ثمة إشارات دالة على تعاون جديد في الشأن السوري. فبعد أسابيع قليلة من إشارة وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، إلى رفض الصين مشروع القرار الصادر عن الأمم المتحدة بأنه عمل «مخز»، تدعم الصين خطة السلام التي طرحها كوفي أنان للدولة التي مزق أوصالها النزاع، كما تنشر مراقبين للمساعدة في مراقبة الوضع هناك. وحتى بشأن كوريا الشمالية، التي طالما حمتها الصين من أي إجراء دولي صارم، سرعان ما وقعت الحكومة الصينية على بيان صادر عن الأمم المتحدة يدين محاولة كوريا الشمالية الأخيرة إطلاق قمر صناعي.

كذلك، ثمة تقدم على المستوى الاقتصادي، حيث ذكر مسؤولون أميركيون أن الصين قد خففت القيود المفروضة على تداول عملتها، الأمر الذي يمكن أن يساعد في سد الفجوة في تقدير قيمة العملة في مقابل الدولار، التي قد ترتب عليها حدوث توترات على المستوى التجاري بين الصين والولايات المتحدة أثناء عام الانتخابات.

بالنسبة لبعض المراقبين المتمرسين في الصين، لا تعتبر تلك التطورات إشارة إلى حقبة جديدة من التعاون بين بكين وواشنطن، بل دليلا على أنه، على الأقل حتى الآن، تتوافق مصالح البلدين في بعض المناحي المهمة. وتأتي تلك الإشارات الإيجابية، على الرغم من الجهود الأميركية الجديدة الرامية لدعم وجود قواتها وتحالفاتها العسكرية لمواجهة الهيمنة الصينية في المنطقة.

«بمرور الوقت، ثمة مصالح تتشابك بدرجة ما وتختلف بدرجة ما»، هذا ما قاله جيفري بادر، مستشار سابق لدى الرئيس أوباما في الشؤون الصينية. وأضاف: «العلاقة تمر بتقلبات بمرور الوقت، كما لو كانت تسير على طول منحنى جيب. لكن القصة الأخيرة تعتبر في الأغلب إيجابية».

ومع استعداد المسؤولين الأميركيين والصينيين لمشاورات رفيعة المستوى في بكين الأسبوع المقبل، تشدد إدارة أوباما على تلك التطورات الإيجابية وتقلل من قدر المصادر المحتملة للانقسام، مثل تصريحها الأخير بأنها سوف تنشر 2500 أسطول بحري في أستراليا، والمحادثات التي قد بدأتها مع الفلبين بشأن إجراء مزيد من التدريبات العسكرية المشتركة والسماح بمزيد من الزيارات المتكررة من جانب سفن حربية أميركية، وهما الأمران اللذان تسببا في انتقادات من جانب الصين.

وقد أسدل البيت الأبيض ستارا من الصمت على الدور الذي لعبته قنصلية أميركية في استضافة زميل سابق للقيادي المعزول بالحزب الشيوعي الصيني، بو شيلاي.

ومن خلال حديثه بمعهد «بروكينغز» الأسبوع الماضي، قال وزير الخزانة، تيموثي غيثنر: «التأثير التراكمي لما قامت به الصين بالغ الأهمية ومبشر جدا». وفي الأكاديمية البحرية في وقت سابق من هذا الشهر، صرحت كلينتون قائلة: «لا يمكن أن تمثل السياسة الجغرافية اليوم لعبة نتيجتها التعادل؛ فازدهار الصين يفيد أميركا، وازدهار أميركا يعود بالنفع على الصين».

كان انتقاء كلينتون للكلمات لافتا. وخلص تقييم جديد للعلاقة الأميركية - الصينية من قبل معهد «بروكينغز» إلى أن ثمة حالة عدم ثقة متأصلة بين الدولتين. تنظر بكين على وجه الخصوص إلى العلاقة بين البلدين بوصفها «لعبة تعادل طويلة الأجل»، حسب ما جاء في التقرير.

إن المسؤولين الأميركيين واقعيون بشأن حدود التعاون بين الصين والولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن الصين شاركت في انتقادات الأمم المتحدة لكوريا الشمالية بعد إطلاقها قذائف، فإن الرئيس هو جينتاو رحب لاحقا بزيارة مسؤول رفيع المستوى من حزب العمال الحاكم لبكين، بينما أثنى مسؤول صيني بارز آخر على العلاقة بين بكين وبيونغ يانغ بوصفها «جوهرة ثمينة».

ربما تلتزم كوريا الشمالية بوعدها بإجراء اختبار نووي. وفي أعقاب المحاولة الفاشلة لإطلاق قمر صناعي، قدمت كوريا الشمالية عرضا عسكريا ضم مركبة لإطلاق القذائف، يعرب مسؤولون بالإدارة عن اقتناعهم بأنها بيعت لكوريا الشمالية من قبل شركة تصنيع صينية. وبينما لا تعتقد الولايات المتحدة أن الحكومة الصينية قد خرقت حظر الأمم المتحدة لعمليات بيع الأسلحة إلى بيونغ يانغ عن قصد، يرى مسؤولون أن عملية البيع تشير إلى أسلوب الصين المتناقض تجاه تفعيله. وقال فيكتور تشا، الذي تفاوض مع كوريا الشمالية إبان عهد جورج بوش الابن: «لا أعتقد أن الصين ستفعل أي شيء من أجل عرقلة الجهود، أو معرفة ماهية الشركات مشاركة فيها». وأضاف: «يجب أن نتعرف على بعض تلك الشركات ونفرض عقوبات عليها».

إن حسابات الصين بشأن إيران معقدة بنفس الدرجة. يذكر أن الصين تمثل أكبر مستهلكي الطاقة الإيرانية، حيث تذهب إليها أكثر من خمس صادراتها النفطية. غير أنه بموجب قانون العقوبات الأميركية، سوف تخضع لإجراءات عقابية بنهاية يونيو (حزيران)، ما لم تظهر «تقليلا ملحوظا» في وارداتها من إيران أو تنال إعفاء من أوباما بناء على أسس تتعلق بالأمن القومي.

* خدمة «نيويورك تايمز»