تركيا وهولندا تحتفلان بذكرى دبلوماسية عمرها 4 قرون.. بالفن

«متحف شكيب صابنجي» بإسطنبول يعرض لوحات قيمة مستعارة من أمستردام ومتبرعين أميركيين

لوحة «رسالة حب» للرسام الهولندي جوهانس فيرمير تعود لعام 1669 تعرض حاليا في معرض إسطنبول (نيويورك تايمز)
TT

تحتفل كل من تركيا وهولندا بمرور 4 قرون على العلاقات الدبلوماسية التي تربط بينهما من خلال فعاليات تنظم على مدى العام الحالي ومن بينها معرض يربط بين هولندا في القرن السابع عشر وتركيا اليوم.

يقام المعرض تحت عنوان «حين يلتقي الظلام بالنور: رمبرانت ومعاصروه.. العصر الذهبي للفن الهولندي»، في متحف شكيب صابنجي الذي يضم قطعا أصلية مستعارة من متحف ريجكس في أمستردام ومن متبرعين أميركيين مجهولين. وتعاني هولندا حاليا من أزمة دول منطقة اليورو ومشاكل خاصة بالهجرة، لكن ما شهدته من ازدهار اقتصادي في القرن السابع عشر ساعد الطبقة الوسطى التي تمثل قطاعا واسعا يتضمن التجار على شراء أعمال فنية، بل والطلب من فنانين القيام ببعض الأعمال الفنية لهم، وهو نشاط كان يوما ما حكرا على النبلاء وكبار رجال الدين.

ومثلما تقبل طبقة الأثرياء الجدد في تركيا على شراء آخر موديلات السيارات والملابس والتكنولوجيا، بدأت الطبقة الوسطى الهولندية تذوق السلع الفاخرة من خلال السفن القادمة من الصين والمحملة بالبورسلين وتلك القادمة من الأميركتين المحملة بالتبغ والأخرى القادمة من الإمبراطورية العثمانية والمحملة بالحرير. وتنتشر قاعات الفنون في إسطنبول مع تزايد اهتمام المستثمرين. ويرى بيتر رويلوفز، أمين اللوحات الهولندية التي تعود إلى القرن السابع عشر في متحف ريجكس وأمين معرض صابنجي، وجود تشابه بين أمستردام وإسطنبول في عصرهما الذهبي. وقال في مكالمة هاتفية مؤخرا حيث يعمل في معرض رمبرانت في براغ: «إنه لمثير للاهتمام أن أرى ما يحدث في إسطنبول الآن مقارنة بالمرة الأولى لي بها منذ 20 عاما مضت كرحالة. لقد توسعت المدينة بشكل ملحوظ ومع الطاقة التي تنبع من شبابها الموهوبين من الفنانين، تشعر أن هذه المدينة تبلي حسنا». وأضاف: «الأمر ليس سواء في أنحاء تركيا، لكن يشبه الشعور الذي انتابك تجاه أمستردام عام 1650 الشعور تجاه ما يحدث الآن في إسطنبول إلى حد كبير».

من أهداف رويلوفز وفريق متحف صابنجي عمل عرض يرتبط بشكل مباشر بإسطنبول وتركيا. وقال: «لقد حاولنا أن نوضح الجسر الذي يربط بين الثقافة الهولندية والثقافة العثمانية في القرن السابع عشر». ويتضح هذا الرابط في أعمال مثل «درس الموسيقى» وهو لوحة زيتية لرمبرانت تعود إلى عام 1626 وتصور عازف تشيلو يرتدي عمامة وملابس شرقية وامرأة ترتدي ملابس غريبة شرقية ووشاحا أبيض. وتتضح هذه العلاقة في شكل زهرة التيوليب المنسوجة في سجادة توضع على الطاولات من الحرير والكتان تعود إلى عام 1650 تقريبا. والجدير بالذكر أن زهرة التيوليب، التي باتت الرمز القومي لهولندا، دخلت هولندا من تركيا منذ عدة قرون. وهناك لوحة أخرى باسم «مجلس المدينة على السد - أمستردام» تصور خليطا متعدد الثقافات من الناس يقفون أمام مبنى مجلس المدينة عام 1693. ويضيف الفنان غيريت أدريانسز بيركهايد أحيانا الملابس ذات الطابع الشرقي على الأشخاص للتأكيد على الطبيعة المتنوعة لأمستردام بحسب جدول المعرض.

وحذر رويلوفز من تحميل المعرض أكثر مما يحتمل والنظر إليه باعتباره يحمل رسالة إلى تركيا تؤكد مزايا المجتمع متعدد الثقافات، وأوضح قائلا: «نرى أشخاصا من مختلف المشارب في هذه اللوحات ونستغلها من أجل مناقشة كل الأمور وكمرآة تعكس صورة المجتمع المعاصر. بطبيعة الحال ستختلف نظرة كل شخص تجاه هذه الأمور عن الآخر، كل بحسب ثقافته».

ومع ذلك تطفو الموضوعات الخاصة بالتسامح الديني على السطح. وقال: «نريد أن نوضح أهمية التسامح لهولندا بوجه عام. يذهب أشخاص من مختلف أنحاء العالم باختلاف عرقهم أو دينهم إلى أمستردام للتجارة والعمل معا. من الجوانب اللطيفة لهذه الحقبة كيف ساعد التسامح والانصهار في بوتقة واحدة هولندا في أن تصبح قوى عالمية كبرى».

ويوضح وجود اتجاه حاليا في الدول الأوروبية ومنها هولندا نحو التيار القومي، لكنه أكد أن المعرض أوضح كيف يمكن للفن أن يربط بين الناس المنتمين إلى ثقافات مختلفة. وهناك أيضا لوحات عن الشرق الأدنى أو الشرق الأوسط ومنها «البعثة الهولندية إلى أصفهان فارس» لجان بابتيست وينيكس من 1658 إلى 1859 والتي تعد توثيقا نادرا للتجارة الدولية مع بلاد فارس. وكان لدى هؤلاء السفراء والتجار الهولنديين الناجحين أموال كثيرة ينفقونها على النبيذ والطعام وشراء الجواهر للنساء، ويظهر هذا جليا في الأعمال الفنية لتلك الحقبة، حيث كان هناك الكثير من التحذيرات من المبالغة في الاحتفالات.

يركز قسم في معرض صابنجي على اللوحات التي تصور حياة المهمشين والمنبوذين في المجتمع والتي كان غالبا ما يظهر بها حانات وبيوت دعارة مثل لوحة «الزوجان السكيران» لجان ستين والتي يظهر بها قطاع طرق يسرقون معطف رجل سكران. ويتضمن المعرض كوبا فضيا يستخدم في ألعاب الشراب.

وقال رويلوفز: «نعتقد أن الجمهور الهولندي يحب كثيرا هذا النمط من الموضوعات. وحتى لو كانوا سيسخرون منه، يظل هذا النوع من الفن يحمل رسالة أخلاقية. ويمكن أن يحذر الفن في السياق الهولندي المشاهد من تقليد هؤلاء السكارى والاحتراس».

ينتهي المعرض في يونيو (حزيران) المقبل، ويشمل الاحتفال بذكرى مرور 4 قرون معارض تقام على مدار العام في قاعة «سالت بيوغولو» بالتعاون مع متحف فان آبي في إيندهوفن، وعرض لمجموعة المسرح الهولندي «ليشتبند» في مايو (أيار) وحفل غنائي لفرقة «أمستيل كورتيت» في يونيو وفاعلية للكتاب الهولنديين خلال معرض الكتاب الدولي في إسطنبول في نوفمبر (تشرين الثاني).

ويدين المعرض بالفضل إلى التجديد الحالي لمتحف ريجكس، حيث أتاح ذلك نقل لوحات قيمة مثل «رسالة حب» لجوهانس فيرمير. ومن المقرر أن يتم إعادة افتتاح متحف ريجكس خلال فصل الربيع القادم. وقال رويلوفز: «إن هذا ما سنفعله في متحف ريجكس أيضا، وهو المزج بين الفن والتاريخ كلما أمكن».

* خدمة «نيويورك تايمز»