هروب درامي لناشط ضرير يخضع لرقابة مشددة في الصين

تشين غوانغشينغ بات تحت حماية دبلوماسيين أميركيين.. وواشنطن تتفاوض مع بكين

صورة وزعتها منظمة «تشاينا إيد» لتشين غوانغشينغ (يمين) مع عائلته (إ.ب.أ)
TT

ادعى تشين غوانغشينغ المرض على مدار أسابيع. ولأنه كان تحت أعين أكبر جهاز استخبارات في العالم، فإن كل خطوة يخطوها كانت تخضع لرقابة مشددة، وكان المحامي عن طريق التدريب الذاتي يأمل أن يقوم سجانوه برفع الحراسة عنه. وفعلوا ذلك بالفعل يوم الأحد.تحت سماء غاب عنها القمر، تسلق تشين حائطا مرتفعا وغادر القرية المظلمة التي كان قيد الإقامة الجبرية في منزله بها منذ عام ونصف، بحسب روايات أصدقاء له. ومن هناك، قطع مسافة 400 ميل تقريبا إلى بكين، وربما إلى الحرية.

العامل الذي جعل هروب تشين فريدا من نوعه يتمثل في حقيقة بسيطة، هي أن المعارض الصيني البالغ من العمر 40 عاما كان كفيفا منذ طفولته.

وفي صباح يوم السبت في الصين، لم يكن موقع تشين معروفا على وجه التحديد، لكن أصدقاءه أصروا على أنه كان «آمنا» - وأشار إلى أن المكان الوحيد الآمن بحق بالنسبة له في الصين يخضع لحماية دبلوماسيين أميركيين. وذكرت منظمة «تشاينا إيد»، وهي إحدى المنظمات الحقوقية المسيحية الكائنة في تكساس، أن تشين موجود تحت حماية مسؤولين أميركيين وأن محادثات تجري بين مسؤولين أميركيين وصينيين حول مصير تشين. وعلى الرغم من ذلك، التزمت السفارة الأميركية لدى الصين الصمت، رافضة تأكيد أو إنكار وجوده هناك، مع إشارة دبلوماسي إلى حساسية الموقف. وقال صديقه ورفيقه الناشط هو جيا: «تجسد قصته النسخة الصينية من فيلم (الخلاص من شاوشانك)».

وتماما مثلما تجري أحداث الفيلم، فكر تشين في المستقبل عند تخطيطه لكيفية مراوغة معتقليه. وبعد وقت قصير من ذيوع أخبار اختفائه يوم الجمعة، ظهر وجهه للعالم بأسره من خلال مقطع فيديو نشرته المنظمة الحقوقية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها. وفي هذا المقطع، يخاطب بشكل مباشر رئيس الوزراء الصيني، وين جياباو.

ولدى ظهوره مرتديا نظارة شمسية تحمل ماركة شهيرة ومتحدثا بهدوء إلى الكاميرا، تحدث بالتفصيل عن الإجراءات الأمنية المشددة المفروضة حول منزله المتداعي، وأشار إلى أن التقارير حول المعاملة السيئة التي لقيها أثناء وضعه قيد الإقامة الجبرية «جميعها صحيحة، والحقيقة أخطر من الوصف المقدم على الإنترنت»، ويقول تشين إنه ما زال يشعر بالخوف على أسرته. ويقول تشين: «لا تزال أمي وزوجتي وأطفالي في مأزق». لم تكن هذه أول محاولة يقوم بها تشين للهروب، كما لم تكن المرة الأولى التي يضع فيها الحكومة الصينية في موقف محرج على المستوى الدولي.

ويوجه هروبه لطمة موجعة لنظام الأمن الداخلي الصيني الذي يحصل على تمويل ضخم. وبحسب أرقام الميزانية التي تم نشرها الشهر الماضي، ستنفق الصين 111 مليار دولار على الأمن الداخلي هذا العام - وهو ما يمثل زيادة قدرها 5 مليارات دولار على الميزانية المخصصة للجيش. لكن هروب تشين كشف النقاب عن التصدعات في نظام عادة ما يبدو حصينا. وقد سلط هروبه الضوء أيضا على دور أحد أكبر العناصر المثيرة للإزعاج بالحزب الشيوعي - شبكة من النشطاء المنظمين والملتزمين المستعدين لتحمل مخاطر شخصية جسيمة لمواجهة ما يعدونها مظالم لا يمكن تحملها. من خلال هروبه، وربما عن طريق وضع نفسه تحت حماية الدبلوماسيين الأميركيين في الصين، استطاع تشين أن يسلط الضوء على حقوق الإنسان، بينما تنظر السلطات الصينية في تداعيات أكثر صراعات القيادة اضطرابا خلال عقود. ويأتي الحدث أيضا عشية زيارة لوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي ناشدت مرارا وتكرارا بإطلاق سراح تشين.

يذكر أن تشين، وهو ناشط قانوني بارز أثار غضب ساسة الحزب بحشد المعارضة ضد سياسات التعقيم القسري وغيرها من عناصر نظام تنظيم الأسرة الصيني الأخرى، قد أمضى فترة عقوبة في السجن من 2006 إلى 2010، ثم دخل في دائرة من الملاحقات القضائية، بعدها وضع رهن الإقامة الجبرية في إقليم شاندونغ على يد جيش صغير من الشرطة المحلية وسفاحين مأجورين.

وقال منشقون صينيون وأصدقاء لتشين في بكين إن أول محاولة قام بها المحامي الضرير للهروب كانت العام الماضي عن طريق حفر نفق مع أفراد أسرته. لكن الحراس سرعان ما اكتشفوه، وأحبطوا خطته، وقتما كان طول النفق بضعة أمتار فقط.

وعقب هروب تشين، نقلته صديقة تدعى هي بيرونغ، مشهورة أيضا باسم بيرل، بالسيارة إلى بكين. ومن جانبهم، رفض مسؤولون أميركيون التعليق يوم الجمعة على تقارير أفادت بأن تشين يختبئ بمقر السفارة الأميركية. وذكر منشقون رفضوا الكشف عن هويتهم أن هي لم تنقل تشين مباشرة إلى البعثة الدبلوماسية الأميركية، لأن ذلك الإجراء كان سيشكل خطورة كبيرة جدا. غير أن المنشقين ذكروا أنها عادت لمنزلها في نانجينغ بعد أن أقلت تشين إلى العاصمة البعيدة. وذكرت منظمة «تشاينا إيد» أنه تم إلقاء القبض على هي يوم الجمعة في منزلها في نانجينغ.

ويضيف نجاح تشين في مراوغة قوات الشرطة ووكلاء الأمن الذين يرتدون ملابس مدنية، ويطوقون معظم أنحاء الصين، جانبا آخر من الغموض إلى قضية طالما أثارت حالة من الحيرة. وقد كان أسلوب التعامل مع تشين بمثابة انتهاك لقوانين الصين، لكنه استمر على الرغم من تسببه في تشويه صورة الصين وتأثيره سلبا على الهدف المعلن بشكل متكرر الممثل في إرساء مبدأ اتخاذ الأحكام وفقا للقانون.

«كيف يهرب شخص ضرير مثل هذا؟ يبدو الأمر مستحيلا»، هذا ما قاله جون كام، مؤسس ورئيس مؤسسة «دوي هوا» - تلك المجموعة التي استمرت لعدة سنوات في الضغط على السلطات الصينية من أجل إطلاق سراح المنشقين المحتجزين أو تحسين الظروف في المعتقلات. وأضاف: «سيتم الآن تعقب هؤلاء، المحتمل أن يكونوا قد مدوا يد العون له».

وعلى الرغم من الأدلة القوية على أن معاملة تشين في شاندونغ تمثل خرقا للقانون الصيني، فإن المسؤولين في بكين قد نحوا جانبا الانتقادات الموجهة من الداخل ومن الخارج، ووقفوا إلى جانب المسؤولين الحزبيين المحليين الذين يتحملون مسؤولية احتجاز تشين المخالف للقانون. وأشار كام إلى أنه كلما أثار قضية تشين في بكين، كان المسؤولون يشيرون إلى أن مسؤولي شاندونغ وحدهم هم من يتحملون المسؤولية وأنه ليس باستطاعة الحكومة المركزية اتخاذ أي إجراء في هذا الشأن.

وقبيل هروبه، كان تشين حرا ولكن يخضع لمراقبة على مدار الأربع والعشرين ساعة، كما كان محظورا عليه إجراء اتصالات هاتفية أو استقبال زائرين. وعادة ما تسببت محاولات زيارته من قبل أصدقائه وأنصاره في مواجهات عنيفة في الأغلب مع مجموعات من الرجال مجهولي الهوية المنتشرين حول منزله في ضاحية ليني سيتي الريفية التابعة لإقليم شاندونغ. غير أن تشين نجح من حين لآخر في التواصل مع العالم الخارجي، وعانى ضربات كثيرة جراء ذلك. حدث هذا في يوليو (تموز) الماضي عندما تسببت عاصفة مطيرة في تعطيل جهاز لتشويش المكالمات الهاتفية قامت السلطات بتركيبه، وتمكن من الاتصال بأصدقائه لأول مرة منذ عدة أشهر.

* خدمة «نيويورك تايمز»