«الانتقالي الليبي» يقرر الإبقاء على حكومة الكيب بعد توتر العلاقة بينهما

وفاة رئيس الوزراء الليبي السابق شكري غانم

TT

قرر المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا أمس الإبقاء على الحكومة الانتقالية بعد أن ترددت أنباء عن عزم المجلس، وهو أعلى هيئة تشريعية في البلاد منذ الإطاحة بنظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، إقالة حكومة عبد الرحيم الكيب الانتقالية. وأعلن رئيس المجلس الانتقالي المستشار مصطفى عبد الجليل أن الإبقاء على الحكومة يهدف إلى ضمان حسن سير انتخابات المؤتمر الوطني (المجلس التأسيسي) المقرر إجراؤها في شهر يونيو (حزيران) المقبل.

يأتي هذا، في وقت ذكرت فيه قناة «العربية» أن رئيس الوزراء الليبي السابق شكري غانم، الذي انشق عن نظام القذافي خلال ثورة «17 فبراير (شباط)»، توفي أمس.

وفي آخر تطورات التجاذب بين الحكومة والمجلس الانتقالي، قال عبد الجليل أمس في بيان تلاه ونقلته وسائل الإعلام عقب اجتماع للمجلس الوطني في طرابلس إنه «حرصا من المجلس على تحقيق الاستقرار وبناء الدولة في هذه المرحلة الدقيقة من بناء الوطن»، و«ضمانا لنجاح العملية الانتخابية للمؤتمر الوطني، وإدراكا للمصلحة الوطنية العليا، فإن المجلس قرر استمرارية الحكومة الانتقالية في تأدية مهامها».

وقالت مصادر في المجلس الانتقالي لـ«الشرق الأوسط» إن قرار المجلس الانتقالي الإبقاء على حكومة الكيب جاء بعد نحو أسبوع من اقتراع جرى في اجتماع المجلس على بقاء الحكومة من عدمه، حيث صوتت غالبية الأعضاء على إقالة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة مع الإبقاء على بعض الوزراء؛ ليس من بينهم الكيب، مشيرة إلى أن عملية الاقتراع هذه التي لم يتم الإعلان عنها رسميا، علم بها الكيب ورد عليها بشكل غير مباشر من خلال هجوم على المجلس الانتقالي شنه قبل يومين.

وقال المراقبون إن إعلان المجلس الانتقالي أمس الذي قرر فيه الإبقاء على حكومة الكيب جاء بعد تجاذبات بين الحكومة والمجلس خاصة في الأيام القليلة الماضية، بينما أشارت المصادر إلى أن المجلس الانتقالي كان ينوي تسمية أحد مساعدي الكيب لشغل موقع رئيس الحكومة، إلا أنه لم يوفق في إيجاد توافق على أي أسماء جديدة لخلافة الكيب، مما أدى في نهاية المطاف إلى الإبقاء على الحكومة الحالية، إلى حين إجراء انتخابات المؤتمر الوطني التي سيعقبها تشكيل حكومة وانتخاب رئيس.

وكان الكيب اتهم يوم الأربعاء الماضي المجلس الوطني الانتقالي بـ«عرقلة» عمل حكومته، واعتبر أن ذلك قد يؤدي إلى عدم إجراء الانتخابات في موعدها. وجاءت اتهامات الكيب بعد أن هدد أعضاء في المجلس الانتقالي أكثر من مرة بسحب الثقة من الحكومة، معتبرين أنها أخفقت في إعادة إحياء الجيش وإرساء الأمن.

وأرجعت المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط» أمس غضب حكومة الكيب الذي عبر عنه رئيس الوزراء يوم الأربعاء الماضي إلى تسريبات الأسبوع الماضي تقول إن المجلس الوطني الانتقالي انتهى إلى الموافقة على إقالة الكيب، رغم أنه لم يعلن عن ذلك بشكل رسمي.

وأعلن عبد الجليل في مؤتمر صحافي عقده بطرابلس مساء أمس أن المجلس أجمع على أن المصلحة العامة فوق كل اعتبار، مشيرا إلى أن إقدام المجلس على إقالة الحكومة قد يجر البلاد إلى تعطيل نجاح أول استحقاق انتخابي للمؤتمر الوطني حيث أكد أن هذا الاستحقاق يعد مطلبا محليا ودوليا.

وحدد عبد الجليل للحكومة ستة مطالب اعتبرها وطنية ومطلوبا منها العمل على تنفيذها؛ من ضمنها القضاء على المركزية، وتحقيق الأمن ومعالجة انتشار الأسلحة، وإعادة النظر في البعثات الدبلوماسية، وحماية الاستثمارات الليبية في الخارج، وضرورة العمل على تفعيل القضاء، ومعالجة ملف مكافآت الثوار والجرحى بما يحفظ المال العام.

وشدد عبد الجليل على أن الحكومة والوزراء معنيون بتحمل المسؤولية الوطنية لتحقيق هذه المطالب. ودعا الوزراء إذا لاحظوا أن المجلس الانتقالي يكبلهم أو يعرقل أعمالهم إلى إعلان ذلك بصراحة وإلى تقديم استقالتهم، مشيرا إلى أن المجلس لم يصدر أي قرار تنفيذي منذ تشكيل هذه الحكومة؛ بل أقدم حتى على إلغاء القرارات التنفيذية التي سبق أن اتخذها.

وطالب رئيس «الانتقالي» الحكومة والجهاز القضائي بالمباشرة في محاكمة أعوان النظام السابق المعتقلين حاليا، مؤكدا أن محاكمتهم ستكون في طرابلس ووفق المعايير الدولية. كما دعا عبد الجليل الشعب الليبي إلى تحمل مسؤولياته و«الوقوف إلى جانب المجلس والحكومة في هذه المهمة الصعبة من أجل بناء الدولة التي ينشدها جميع الليبيين».

وكان المجلس الانتقالي وحكومته تبادلا الاتهامات فيما بينهما بعد أن لمح المجلس خلال اليومين الماضيين إلى أنه قد يقدم على إجراء ضد حكومة الكيب لم يحدد طبيعته، وفقا للبيان الصحافي الذي تلاه المتحدث الرسمي باسم المجلس محمد الحريزي.

إلى ذلك، غيب الموت أمس شكري غانم رئيس الوزراء الليبي السابق رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط السابق، الذي كان انشق عن نظام العقيد الراحل معمر القذافي خلال أحداث الثورة العام الماضي، واستقر في النمسا. ويعد غانم من أبرز الشخصيات الليبية على الساحة الاقتصادية والسياسية الليبية، وكان أرفع مسؤول ليبي ينشق عن نظام القذافي، بعد نحو ثلاثة أشهر فقط من اندلاع الثورة، وتحديدا في 17 مايو (أيار) 2011، خلال خروجه في مهمة رسمية إلى تونس، معلنا «تأييده للثوار».

وتحدث غانم حينذاك عن «استحالة الإصلاح في ظل حياة القذافي واستخدام أبناء القذافي مؤسسة النفط على أنها بنك شخصي يسطون من خلاله على ثروات البلاد ويهدرونها دون حسيب أو رقيب»، على حد قوله. وكان غانم يأمل في أن يتم التوصل إلى تسوية سلمية لتقرير مصير القذافي، الذي ظل في الحكم لمدة 41 عاما، قبل أن يتم قتله على أيدي الثوار. ويتمتع غانم بخلفية عملية وثقافية عالية، حيث حصل على بكالوريوس في الاقتصاد من الجامعة الليبية في بنغازي عام 1963، ثم درجة الماجستير في الاقتصاد من مدرسة فلتشر بواشنطن عام 1972، وماجستير في القانون والدبلوماسية عام 1973، ونال الدكتوراه في الاقتصاد عام 1975 من المدرسة ذاتها.

وشغل غانم، الذي ولد في 9 أكتوبر (تشرين الأول) 1942 في طرابلس، العديد من المناصب الحكومية والدولية وله العديد من الإسهامات العلمية، حيث شغل في الفترة من 1963 وحتى 1965 منصب رئيس قسم الشؤون الأوروبية والأميركية بوزارة الاقتصاد، ومنذ 1965 حتى 1966 عين نائبا لرئيس التحرير والترجمة بوكالة الأنباء الليبية، وما بين 1966 و1968 مديرا للتجارة الخارجية بوزارة الاقتصاد، وانتقل منها إلى المؤسسة الوطنية للنفط، التي شغل بها منصب مدير التسويق والتوزيع، وعضو مجلس الإدارة منذ 1968 إلى 1970.

وشغل غانم بعد ذلك منصب مدير عام الإدارة الاقتصادية بوزارة النفط، ثم عمل مستشارا بوزارة النفط لمدة عامين. ودوليا، شغل منصب كبير الاقتصاديين بالمعهد الإنمائي العربي منذ 1977 إلى 1982.

وانضم غانم في عام 1993 إلى منظمة «أوبك» مستشارا، فأمين عام الوكالة حتى 2001، حيث عاد إلى ليبيا للعمل وزيرا للاقتصاد قبل أن يترقى إلى منصب رئاسة الوزراء، ثم الأمانة العامة للمؤسسة الوطنية للنفط. وفى الفترة ما بين ديسمبر (كانون الأول) 2001 وحتى يونيو (حزيران) 2003 شغل منصب أمين اللجنة الشعبية العامة للاقتصاد والتجارة، قبل أن يصبح أمين اللجنة الشعبية العامة (رئيس الحكومة) في الفترة ما بين يونيو (حزيران) 2003 وحتى مارس (آذار) 2005.