الصين: اعتقالات بين أنصار المعارض «المحتمي بدبلوماسيين أميركيين»

اختبار جديد للعلاقات بين بكين وواشنطن

عسكري صيني يوقف مصوراً من التقاط صور أثناء حراسته مدخل السفارة الأميركية في بكين أمس (إ.ب.أ)
TT

اعتقلت الشرطة الصينية أمس ناشطا حقوقيا لاستجوابه حول تورطه المفترض في تهريب الناشط الكفيف تشين غوانغ تشينغ من منزله الذي كان موضوعا تحت الإقامة الجبرية بداخله، وهو الموقف الذي أحرج السلطات الصينية مطلع الأسبوع. وقال الناشط هو جيا في رسالة نصية إن الشرطة طلبت منه الذهاب معهم للتحقيق، وبعدها بلحظات أغلق هاتفه.

وجاء اعتقال هو جيا بعد حملة اعتقالات طالت أنصار تشين. وكان المحامي الكفيف الذي تولى تعليم نفسه بنفسه وكشف عن حالات إجهاض وتعقيم إجبارية في إقليم شاندونغ شرق الصين قد فر من الإقامة الجبرية في منزله المراقب من جانب عشرات الحراس وثماني نقاط تفتيش يوم الجمعة الماضية. ورغم عدم وجود اتهامات ضده، تم تحديد إقامة تشين في منزله القروي في مدينة ليني منذ سبتمبر (أيلول) 2010 بعد الإفراج عنه من السجن. وذكرت منظمة «تشاينا أيد» ومقرها تكساس أن محادثات تجري بين الولايات المتحدة والصين حول مستقبل تشين الموجود «تحت الحماية الأميركية» إلا أن الولايات المتحدة رفضت تأكيد أو نفي تقارير تحدثت عن لجوء تشين إلى السفارة الأميركية في بكين.

وقضى تشين عقوبة بالسجن ثلاثة أعوام وأربعة أشهر بتهمة «محاولة قلب نظام الحكم». وكان تشين قد ناشد عبر شريط فيديو الليلة قبل الماضية رئيس الوزراء وين جياباو حماية زوجته يوان ويغينغ وابنته وأفراد عائلته الآخرين من الانتقام «المجنون».

وجاء هروب تشين من الإقامة الجبرية بمنزله التي استمرت 19 شهرا وطلبه الحماية الأميركية في وقت مربك لبكين وواشنطن على ما يبدو، إذ يقوم دبلوماسيون بالتحضير للمحادثات الاقتصادية والأمنية السنوية في بكين الأسبوع الحالي، كما يتزامن مع محاولة الحزب الشيوعي الصيني احتواء الفضيحة السياسية التي تورط فيها المسؤول البارز السابق بو تشيلاي.

وقد تشكل قضية تشيلاي منعطفا جديدا في العلاقات الصينية الأميركية، خاصة بالنظر إلى أن هيلاري كلينتون كانت قد قالت عند قيامها بأول زيارة للخارج كوزيرة خارجية، صراحة أن الولايات المتحدة لا يسعها أن تسمح لقضايا حقوق الإنسان باعتراض طريق التعاون مع الصين لمواجهة تحديات عالمية. لكن محللين يقولون إنه بعد أن أضحى المعارض الصيني الضرير تحت الحماية الأميركية في بكين، حسب منظمة «تشاينا أيد»، فإن واشنطن ستجد نفسها أمام تحد جديد، وقال مسؤولون حاليون وسابقون إنه من غير المتصور أن تسلم الولايات المتحدة المعارض الصيني إلى سلطات بلده رغما عن إرادته.

وفي هذه الحالة أمام الصين خيار أن تدع الضرر يلحق بالعلاقات الأشمل في ظل مواجهة مع الولايات المتحدة أو تسعى للتوصل إلى حل وسط، ويرى محللون ودبلوماسيون حاليون وسابقون أنه السيناريو المرجح، ولكنه ليس مؤكدا بأي حال من الأحوال.

وقال مسؤول بارز في إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما طلب عدم نشر اسمه: «لا أتصور أن يتخلوا عن العلاقات. القضية ليست مشابهة لحادثة طائرة التجسس أو ميدان تيانانمين». ففي عام 2001 أضيرت العلاقات بين بكين وواشنطن جراء تصادم بين مقاتلة صينية وطائرة تجسس أميركية في الجو. أما واقعة ميدان تيانانمين في عام 1989 حين سحقت القوات الصينية احتجاجات مطالبة بالديمقراطية فقد كان لها تأثير سلبي أكبر على العلاقات مع واشنطن.

وحتى أمس، لم تؤكد الولايات المتحدة رسميا تقارير فرار تشين من الإقامة الجبرية بمنزله الريفي في قرية بإقليم شاندونغ والاحتماء بالسفارة الأميركية. كما أحجمت الصين عن التعليق المباشر على فرار المعارض من منزله الذي يخضع لرقابة لصيقة.

وتشكل الواقعة خلفية غير مستساغة لزيارة وزيرة الخارجية ووزير الخزانة لبكين للمشاركة في الحوار الاستراتيجي والاقتصادي يومي الخميس والجمعة المقبلين. وتأتي تقارير فرار تشين بعد نحو ثلاثة أشهر من فرار المسؤول الصيني وانغ لي جون للقنصلية الأميركية في تشنغدو لفترة تجاوزت 24 ساعة لتتفجر فضيحة بو تشيلاي التي هزت الحزب الشيوعي الصيني قبل بضعة أشهر من تسليم قيادة الحزب وهو حدث لا يتكرر إلا مرة كل عقد من الزمان.

ويقول كريس جونسون الذي كان أبرز محللي وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية للشؤون الصينية حتى وقت سابق من الشهر الحالي إن العلاقات الصينية - الأميركية «تقترب من إعصار قوي» مستندا لقضية بو تشيلاي وهروب تشين على ما يبدو وتقارير تفيد بأن الولايات المتحدة تدرس بيع طائرات إف - 16 جديدة إلى تايوان فضلا عن تحديث أسطولها الحالي. وقال جونسون المحلل بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية حاليا: «بالنسبة لمن يتبنون نظرية المؤامرة في بكين فإن كثيرين منهم سيرون أن مثل هذه الأمور تكمل دائرة استراتيجية الاحتواء الأميركية الهادفة لتضييق الخناق على الصين ومنع بزوغ نجمها».

وتتوقف كيفية سعي القيادة الصينية لحل المشكلة على تحقيق التوازن بين النعرة القومية ورغبة أكثر براغماتية في تفادي أي مشاكل قد تعرقل انتقال السلطة لقيادة جديدة للحزب الشيوعي في الخريف المقبل. وقال شي يين هونغ أستاذ العلاقات الدولية بجامعة رنمين في بكين المتخصصة في العلاقات الأميركية الصينية إن الكفة تميل حاليا لصالح حل سريع وهادئ. وأضاف: «لا تريد الصين أن يكون لهذه القضية تأثير كبير لأنه لن يفيد علاقاتها الخارجية أو سياساتها الداخلية» مضيفا أن ثمة أمورا كثيرة على المحك لإثناء البلدين عن إلغاء اجتماعات الأسبوع الحالي. وتابع: «لا أعتقد أن الولايات المتحدة ستستغل هذه البطاقة لإحراج الصين. ما زالت ترغب في تغيير موقف الصين بشأن كوريا الشمالية وسوريا. تريد احتواء تأثير هذه القضية لأنها تدرك أنها مبعث حرج للصين بالفعل».

ورسم محللون ونشطاء حقوقيون تصورين لحل قضية تشين. يتمثل الأول في الإفراج عن تشين داخل الصين مع ضمانات بشأن سلامته وسلامة أسرته وربما من ساعدوه على الهروب. أما الثاني فهو نفيه رغم ما يقوله مقربون منه عن عزوفه عن مغادرة الصين. وقال كينيث ليبرثال مدير مركز جون إل ثورتون الصين بمعهد بروكينغز في واشنطن: «لن نرغمه على الخروج قبل أن تتولد لديه ثقة تامة بأنه لن يتضرر جراء أفعاله ومن الصعب أن نثق بذلك إذا بقي في الصين». وتابع: «لا يمكنك أن تعلم قط ماذا سيحدث هنا والاحتمالات أن يجري اصطحابه عاجلا وليس آجلا إلى المطار مع تأكيدات بأنه سيتمكن من ركوب طائرة والمغادرة. لن يعود إلى الصين، على الأرجح إلى الأبد، ولن يكون قريبا بكل تأكيد».