المعارضة «النظيفة» تحرك الشارع الماليزي

عجوز جاءت من بعيد للمظاهرة: نحن مسنون لكننا نريد الخير لأطفالنا وأحفادنا

متظاهرون تصدت لهم الشرطة (غير البادية في الصورة) في كوالالمبور أول من أمس (أ.ب)
TT

استخدمت الشرطة الماليزية قنابل الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه لتفريق آلاف المتظاهرين الذين احتشدوا أول من أمس مطالبين بإجراء انتخابات حرة نزيهة، في واحدة من كبرى المظاهرات بماليزيا في السنوات الأخيرة. وألقي القبض على نحو 400 شخص أثناء المظاهرة التي اندلعت في وسط كوالالمبور ونظمها «الائتلاف من أجل انتخابات نظيفة ونزيهة»، وهو عبارة عن 84 منظمة تطالب بإصلاح النظام الانتخابي للبلاد قبل الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في يونيو (حزيران) المقبل.

ويرى الائتلاف، المعروف باسم «بيرسيه» - أو نظيفة باللغة الماليزية – أن النظام الانتخابي يحابي بصورة غير نزيهة الائتلاف الحاكم، الذي يتولى قيادة ماليزيا منذ استقلالها في عام 1957. وتشير تقديرات الشرطة إلى أن عدد المشاركين في المظاهرة تراوح ما بين 40000 إلى 50000 متظاهر، في حين أن منظمي المظاهرة من ائتلاف «بيرسيه» يشيرون إلى أن أعداد المتظاهرين وصلت إلى 250000 متظاهر.

بدأت جموع المتظاهرين، الذين ارتدى عدد كبير منهم قمصانا لونها أصفر كاناري وحضروا لتمثيل ائتلاف «بيرسيه»، الاحتشاد صبيحة يوم السبت بطرق عديدة مؤدية إلى ميدان الاستقلال في كوالالمبور، العاصمة، على نحو خلق جوا احتفاليا.

هتفت مجموعة من المتظاهرين: «عاش الشعب» ورددوا النشيد الوطني الماليزي تحت شمس استوائية حارقة، وتداخلت أصواتهم مع صوت طائرة هليكوبتر تابعة لقوات الشرطة تحلق في عنان السماء، بينما كان ضباط الشرطة يتطلعون من وراء صف من الأسلاك الشائكة والمتاريس. ومنع المتظاهرون من دخول ميدان الاستقلال، موقع إقامة العديد من العروض العسكرية والاحتفالات، بموجب أمر محكمة صادر يوم الجمعة. وبدت التجمعات في الشوارع المحيطة بالميدان سلمية إلى أن أصدر منظمون من ائتلاف «بيرسيه»، الذين قد تعهدوا بعدم اختراق الحواجز، أوامرهم للمتظاهرين بالتفرق.

وبعدها، حاولت مجموعة صغيرة من المتظاهرين اختراق الحواجز، على نحو دفع رجال الشرطة إلى إطلاق قنابل مسيلة للدموع ومياه مختلطة بمواد كيميائية لاسعة على أجزاء من الحشود، بحسب وكالة «أسوشييتد برس» للأنباء. وقال متحدث باسم الشرطة، يدعى رملي يوسف، إنه تم إطلاق الغاز المسيل للدموع بعد اختراق المتظاهرين الحواجز. وقال: «اخترقوا الحواجز وأخذوا يتسللون للميدان». وأذاع موقع الإنترنت الإخباري «ذي ماليزيان إنسايدر» أن المتظاهرين قلبوا سيارة شرطة. وأشار التقرير أيضا إلى أن السيارة قد تحطمت بعد أن هاجمها متظاهرون وصدمت شخصين. وقال أندرو خو، وهو محام وعضو بلجنة تسيير أعمال ائتلاف «بيرسيه»، إن المنظمين كانوا «في حالة من الإحباط الشديد» بسبب ضرب المتظاهرين بمناشدتهم بالتفرق عرض الحائط واختراقهم الحواجز. لكنه أشار إلى أن رد فعل الشرطة جاء مبالغا فيه.. فقد كان «غير متناسب مطلقا مع أي خطر ربما يكونون قد شعروا بأنه يهددهم»، على حد قوله. وتابع خو: «تدخلت الشرطة وقامت بتفريق الأشخاص الجالسين في الطريق والذين كانوا سلميين جدا. أتت شاحنة بمدافع مياه مصوبة نحوهم، ومن ثم، تعين عليهم الفرار حفاظا على حياتهم. وتبع ذلك إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع. كانت حركة كماشة، ووجد المتظاهرون أنفسهم واقعين بين شقي رحى». وذكر مؤيد آخر لائتلاف «بيرسيه»، يدعى أناند لورديس، أن المتظاهرين بدأوا يصرخون عندما أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع عليهم. وتعتبر مظاهرة السبت الثالثة من نوعها التي ينظمها ائتلاف «بيرسيه» للمطالبة بإدخال تغييرات على النظام الانتخابي للدولة. وفي المظاهرة السابقة للائتلاف، في يوليو (تموز)، ألقي القبض على أكثر من 1600 شخص، كما استخدمت أيضا قنابل الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه في تفريق المتظاهرين.

وصرح فيل روبرتسون، نائب مدير فرع منظمة «هيومان رايتس ووتش» في آسيا، يوم السبت بأن الحكومة الماليزية قد أظهرت مجددا عدم احترامها للحقوق والحريات الرئيسية. قال روبرتسون: «على الرغم من كل الحديث عن (الإصلاح) على مدار العام الماضي، نشهد تكرارا للإجراءات القمعية من جانب حكومة لا تتورع عن استخدام القوة حينما تشعر بأن امتيازاتها مهددة».

إلى ذلك، أثنى وزير الداخلية الماليزي، هشام الدين حسين، في بيان أصدره يوم السبت، على الشرطة وامتدح «الاحترافية وضبط النفس الذي أظهرته في ظل هذه الظروف العصيبة»، على حد قوله. وقال هشام الدين إنه شعر بالأسف لأن «بيرسيه» قد رفض استخدام موقع بديل لتنظيم المظاهرة، نظرا لأنه كان من المحظور تنظيم مظاهرات شعبية في ميدان الاستقلال بموجب قانون التجمع السلمي الجديد.

وذكر ائتلاف «بيرسيه» أن اقتراح استخدام أحد الاستادات في المدينة جاء متأخرا جدا، وأن المواقع الأخرى المقترحة تفصلها مسافة كبيرة عن وسط العاصمة.

وطرح رئيس الوزراء نجيب الرازق العديد من الإصلاحات خلال الأشهر الأخيرة، بعد تعهده العام الماضي بالارتقاء بالحريات المدنية في ماليزيا. ومع ذلك، يرى منتقدون أن التغييرات التشريعية لا ترقى إلى المستوى الكافي لضمان حماية الحقوق الديمقراطية.

وقرر النشطاء الاحتشاد مجددا يوم السبت لأن قيادة «بيرسيه» قد ارتأت أن المقترحات الخاصة بإدخال تغييرات على النظام الانتخابي والتي تقدمت بها لجنة برلمانية، تأسست بعد مظاهرة العام الماضي، ليس من المرجح أن تضمن إجراء الانتخابات المقبلة بنزاهة.

وذكرت لجنة الانتخابات أنها سوف تقوم بتنفيذ بعض مقترحات اللجنة البرلمانية، مثل مد فترة الحملة إلى 10 أيام على الأقل واستخدام الحبر غير القابل للمحو في صبغ أصابع الناخبين لضمان عدم تصويتهم أكثر من مرة.

وقال هشام الدين إن لجنة الانتخابات قد «ذهبت إلى مستويات استثنائية لضمان أن تكون الانتخابات المقبلة حرة ونزيهة وللالتزام بأعلى المعايير الدولية». ويطالب تحالف «بيرسيه» باستقالة كبار مسؤولي لجنة الانتخابات وبتطهير كشوف الناخبين من أسماء المخادعين وبخضوع الانتخابات لرقابة من قبل مراقبين دوليين.

وقالت متظاهرة ذكرت أن اسمها وان زبيدة، 60 عاما، إنها قد سافرت لمدة ساعتين بالحافلة للمشاركة في المظاهرة والتعبير عن مخاوفها من عدم نزاهة قوائم الناخبين واستقلالية لجنة الانتخابات. وأضافت: «نحن بالفعل مسنون، ولكننا نأمل الخير لأطفالنا وأحفادنا».

* خدمة «نيويورك تايمز»