ناشطون ورسامون يملأون جدران الحمرا بشعارات رافضة لتقييد الحريات في لبنان

مدير مركز «سكايز» لـ «الشرق الأوسط» : توقيف رسامي غرافيتي وفنانين مؤشر على التشدد وتخبط الرقيب

ناشطون أثناء الكتابة على جدران شارع الحمرا أمس («الشرق الأوسط»)
TT

نفذت مجموعة من المدونين اللبنانيين ورسامي الغرافيتي وناشطي المجتمع المدني تجمعا، مساء أمس، أمام مسرح المدينة في بيروت، تحت شعار «دفاعا عن حرية الرأي والتعبير.. وضد الرقابة على الأعمال الإبداعية»، انطلقوا بعده لخط رسومات وشعارات على جدران شوارع منطقة الحمرا ومحيطها، ردا على سلسلة توقيفات ومحاكمات طالت رسامي غرافيتي ومدونين وممثلين كوميديين في لبنان خلال الشهر الفائت، ولاقت سلسلة ردود مستنكرة ومنتقدة التضييق على حرية الرأي والتعبير في لبنان.

وكانت وتيرة الانتهاكات على الساحة الإعلامية والثقافية قد ازدادت بشكل ملحوظ خلال شهر أبريل (نيسان) الماضي، وتراوحت بين الضرب والتوقيف والمحاكمة، من دون أي مسوغ قانوني مقنع، ففي الرابع من أبريل مثل رسام الغرافيتي سمعان أمام القضاء اللبناني بتهمة «مخالفة الأنظمة»، على خلفية رسم جداري في منطقة الكرنتينا نهاية صيف العام الماضي. وفي العشرين من الشهر ذاته ألقى الجيش اللبناني القبض على المدونين والناشطين الحقوقيين: علي فخري وخضر سلامة، خلال قيامهما برسم «غرافيتي» على جدار في منطقة رأس النبع - بشارة الخوري، وكتابتهما لشعارات مؤيدة للثورة السلمية في سوريا، وأخرى منتقدة للمحكمة العسكرية على خلفية إفراجها عن العميد فايز كرم الذي حوكم بجرم الاتصال مع إسرائيل، إضافة إلى شعارات اجتماعية ضد الغلاء.. وعلى خلفية مشهد مسرحي قدماه في ديسمبر (كانون الأول) 2009، اتهم كل من الممثل الكوميدي إدمون حداد والممثلة راوية الشاب «الإخلال بالآداب العامة».

وقال خضر سلامة لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن الهدف من خلال التجمع والرسم على جدران بيروت كان «توجيه رسالة واضحة للرقيب اللبناني، ومن خلفه الرقيب العربي، بأنه لا يمكن للحرية أن تتجزأ، ولا يمكن قمع أي تعبير عن الرأي، سواء بالكتابة أو الرسم أو المسرح».

ولاقت الانتهاكات بحق حرية التعبير في لبنان انتقادات حادة من إعلاميين ومثقفين وناشطين حملوا على عودة الرقابة على الأعمال الفنية والإبداعية. وفي هذا السياق، قال المدير التنفيذي لمركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية «سكايز» (عيون سمير قصير)، أيمن مهنا، لـ«الشرق الأوسط»، إن «ثمة خوفا كبيرا على وضع الحريات في لبنان بعد تكرار خمس حوادث مشابهة خلال شهر واحد»، لافتا إلى أن في ذلك «مؤشرا على التشدد من جهة، والتخبط والتأزم لدى الرقيب بمعناه الواسع من جهة أخرى».

واعتبر مهنا أن «في ما حصل ارتباطا مباشرا بتطور الواقع السياسي في لبنان، خصوصا على ضوء ما يحصل في سوريا، بحيث تبدو واضحة حالة الذعر من كل ما يرسم أو يكتب أو ينشر»، موضحا أن تكرار هذه الانتهاكات يأتي «بعد زيادة الرقابة على الأفلام وقيام الأجهزة الأمنية بملاحقات ضد الفنانين وكل من يقوم بالتعبير عن نفسه بطريقة غير كلاسيكية».

وأثنى مهنا على «رد فعل المجتمع المدني اللبناني الذي يتخطى تدريجيا الحدود السياسية التقليدية، ويتصدى للقول إنه ممنوع التعدي على الحريات الثقافية»، لافتا إلى أن «من شاركوا في الاعتصام الذي تلا توقيف سلامة وفخري لا يمكن حسبانهم على فريق سياسي دون آخر». وتعليقا على الردود والمواقف التي ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي بعد اعتقال سلامة وفخري، والتي أثمرت الإفراج عنهما في اليوم الثاني لتوقيفهم، قال مهنا: «بسبب هذه الضغوط اضطر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى أن يتدخل شخصيا لإطلاق سراحهما»، مشددا في الوقت عينه على «وجوب اتخاذ قرار سياسي بمنع استخدام القمع بوجه حالات حرية الرأي والتعبير».

وكان مركز «سكايز»، الذي يرصد الانتهاكات التي تتعرض لها الحريات الإعلامية والثقافية في لبنان ويدافع عن حق الصحافيين والمثقفين في التعبير، قد أشار إلى «تعرض المدونين سلامة وفخري لسلسلة من الانتهاكات الحقوقية والقانونية بحقهما قبل إطلاق سراحهما، بعد ضغط واعتصام من المتضامنين وناشطي المجتمع المدني أمام مخفر الدرك - طريق الشام في منطقة السوديكو». وذكر أن «الاعتصام الذي نفذه المتضامنون والناشطون مساء السبت في الحادي والعشرين من الشهر الفائت، شهد اعتداء بالضرب والدفع والسباب قامت به القوى الأمنية على الناشطين والصحافيين، مما أدى إلى إصابة المصورين خالد عياد من مجلة (النداء)، وحسين بيضون من موقع (النشرة) الإلكتروني، بكدمات ورضوض وتعطيل آلتي التصوير الخاصتين بهما بعد تعرضهما للتكسير».

وحذر مركز «سكايز» من «التمادي في مثل هذه الاعتداءات والانتهاكات»، وحمل السلطات السياسية والقضائية «مسؤولية التراجع المقلق للحريات العامة والفردية في لبنان».