في أيامه الأخيرة.. بن لادن كان قلقا بشأن.. صورة «القاعدة» وشعبيتها

كان مترددا تجاه الظواهري ويميل أكثر إلى المنظر الشرعي عطية عبد الرحمن

TT

في الذكرى الأولى لقتل أسامة بن لادن، مؤسس وزعيم تنظيم القاعدة، وبعد أن دخل القتل الحملة الانتخابية بين الرئيس باراك أوباما والمرشح الجمهوري المتوقع ميت رومني، نشرت مصادر في البنتاغون وثائق أخذتها من منزل بن لادن الفرقة العسكرية التي قتلته، أوضحت أن بن لادن كان قلقا في أيامه الأخيرة على مكانته في التاريخ بسبب نشاطاته الإرهابية، وعلى الصورة التي يظهر بها تنظيم القاعدة، وسعى إلى الحد من الهجمات في دول إسلامية واستهداف المدنيين فيها للحفاظ على شعبية التنظيم.

وقال مصدر عسكري استخباراتي اطلع على بعض الوثائق إن بن لادن اعترض، خلال نقاش مدون حول عملية إرهابية مقبلة، على خطة «قاطعة الحشيش البشرية»، بوضع آلات حاصدات زراعية حادة الأطراف في مقدمة شاحنات، وقيادة الشاحنات نحو مجموعات من الناس بهدف قتل أكبر عدد ممكن منهم.

وقال المصدر إنه بينما أعجب بعض الجهاديين بالفكرة، عارضها بن لادن، وقال إنه يرفض قتل البشر مثل الأعشاب الضارة. وأضاف المصدر، حسب الوثائق المدونة للاجتماع: «كان بن لادن مستاء. شعر أن هذا الأسلوب يتعارض مع رؤيته حول ما يريد لتنظيم القاعدة أن يكون».

وقال المصدر: «في آخر سنواته، حاول بن لادن تقديم صورة إيجابية عن تنظيم القاعدة، لكن محاولته انتهت فجأة عندما قتلته فرقة الكوماندوز في مايو (أيار) الماضي. لكن، في العام الذي انقضى منذ وفاته، عرف المسؤولون الأميركيون، بفضل هذه الوثائق، معلومات أكثر عمقا عن الرجل.. عن الصراعات داخل نفسه، وعن خططه حول مستقبل المجموعة الإرهابية التي شارك في تأسيسها».

وكشفت وثائق أن بن لادن، في آخر سنواته، بدأ يقدم تفسيرات قانونية متزايدة حول ما إذا كان أي عمل إرهابي مسموحا به بموجب الشريعة الإسلامية، وأنه عندما حاول الباكستاني الأميركي فيصل شاهزاد تفجير سيارة مفخخة في نيويورك، في «تايمز سكوير» سنة 2010، وهي المحاولة التي أشاد بها الجهاديون، وجدت المحاولة توبيخا شديدا واندهاشا من بن لادن.

لم يعترض بن لادن على احتمال قتل المدنيين؛ لكن اعترض على أن شاهزاد خطط للعملية بعد أن صار مواطنا أميركيا، بعد أداء يمين الولاء للولايات المتحدة، وكتب بن لادن: «تعلمون أنه لا يجوز أن نكذب على العدو». ويبدو أنه يشك في إخلاص شاهزاد الذي لم يكن عضوا في «القاعدة»، ورغم تأثره بزعيم «القاعدة»، فإنه لم يقسم له يمين الولاء. وكتب بن لادن: «تعلمون أن من الآثار السلبية على صورة (القاعدة) أن الجهاديين صاروا مصدر شبه في أنحاء العالم بسبب النكوص عن اليمين، وبسبب الغدر».

وقال المصدر إنه، رغم نشر وثائق خلال الأسابيع القليلة الماضية، فإن هذه الوثائق الجديدة أوضحت «مدى هوس بن لادن بالنقاء الآيديولوجي. بدأ يسعى لإدارة شبكات المجموعة الإرهابية المبعثرة هنا وهناك، ولرفع معنوياتها. بدأ يسعى إلى إعادة تأكيد السيطرة على فصائل الجهاديين الفضفاضة؛ من اليمن إلى الصومال. وبدأ يواجه جماعات اعتقد أنها تلطخ سمعة (القاعدة)، وتشوه رسالتها الأساسية».

وقال المسؤول إن الوثائق أوضحت أن بن لادن، بوصفه رئيسا تنفيذيا للمنظمة، كان «مشتركا تماما في إدارة الأزمات، خاصة المشكلات المالية، والتوظيف، والمديرين الميدانيين المتمردين، والأماكن الشاغرة الناجمة عن ضربات طائرات (درون) الأميركية التي لا هوادة فيها».

وكان بن لادن أحيانا يكتب عن أشياء صغيرة، مثل نوع المحاصيل التي يقوم بها رجال منظمة «الشباب» في الصومال. غير أنه كتب عن كبر سن نائبه المصري أيمن الظواهري، وكتب عن إمكانية ضخ دماء شابة في التنظيم.. «كان يريد تحديث (القاعدة)، والاستفادة من الإنترنت لنشر رسالة حديثة عن التنظيم».

وأظهرت الوثائق أن بن لادن كان مترددا تجاه مساعده أيمن الظواهري، ويميل أكثر إلى الليبي عطية عبد الرحمن المنظر الشرعي لـ«القاعدة» ورجل بن لادن لدى الإيرانيين، وهو أحد الجهاديين الذين برزوا في الجزائر في التسعينات، والذي بدعم من بن لادن بدأ في وضع قواعد سلوك لـ«القاعدة» والجماعات المرتبطة بها محذرا من أن قتل المسلمين الأبرياء سيؤذي التنظيم وينتهك الشريعة، غير أن قتل الأميركيين حتى من غير المقاتلين سيبقى مسموحا به وحتى إنه ملزم.

وحسب الوثائق، كان نائبه الجديد عطية عبد الرحمن الليبي يريد التخلص من سمعة التنظيم السلبية بسبب نشاطاتها الدموية جدا في العراق. وبموافقة بن لادن، عمل عطية على وضع قواعد للسلوك القويم لتنظيم القاعدة وفروعه. وحذر من أن قتل المسلمين الأبرياء يضر بالتنظيم، وربما ينتهك الشريعة الإسلامية، لكنه أيد استمرار قتل الأميركيين، بما في ذلك المدنيون.

وقالت غاريت براكمان، متخصصة في الحرب ضد الإرهاب، داخل وخارج الحكومة الأميركية: «حتى النهاية، ظل عطية يحاول كبح جماح الهجمات داخل منطقة الشرق الأوسط. كان هو وبن لادن مثل الكلاب المسعورة في كراهيتهم للغرب.. لكن، شعرا بأن الهجمات داخل البلدان الإسلامية، وقتل المسلمين، كانت مسيئة لصورة التنظيم العامة».

وقال مصدر استخباراتي أميركي اطلع على الوثائق إنها حوت الآلاف من المذكرات الإلكترونية. وبسبب الخوف من متابعة اتصالاته على الإنترنت، كانت المحادثات بين بن لادن ونوابه في أنحاء مختلفة من العالم لا تتم عن طريق الإنترنت، ولكن بتسليم حقائب فيها أقراص إلكترونية، تنقل من مكان إلى آخر، وكان ذلك يستغرق شهورا.

وقال المصدر إنه، رغم العزلة الجسدية التي كان فيها بن لادن، فإن الوثائق أوضحت أنه كان مثل المدير الذي يدير مكتبه إدارة مباشرة.

بالإضافة إلى تصريحات مسؤولين استخباراتيين، نشر مؤخرا كتابان عن وثائق بن لادن، هما: «صيد بن لادن» و«الصيد في الظلام».

وقال بروس رايدل، مستشار استخباراتي في إدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن: «لم يكن بن لادن زاهدا. كان الرئيس التنفيذي لمنظمة إرهابية عالمية. كان يتلقى اتصالات من عملاء (القاعدة) في العالم، وكان يصدر تعليمات لهم بالقيام بأعمال إرهابية».

وكتب جوبي وارايك، صحافي في «واشنطن بوست» وكان قرأ بعض وثائق بن لادن: «لكن، صار بن لادن زعيما ضعيفا.. يترأس مجموعة فقدت عشرات من قادتها بسبب للضربات الأميركية بطائرات (درون)، وأحيانا كان الحديث عن هجمات جريئة يلقى التجاهل والشكوك».