الحكومة الأردنية الجديدة ستواجه تحديات كبيرة في الإصلاح السياسي والاقتصادي

أول امتحان يتعين على الطراونة اجتيازه بنجاح هو طريق الإصلاح

TT

يعيش الأردنيون حالة من الترقب، في انتظار الحكومة الجديدة المكلف بتشكيلها فايز الطراونة والمتوقع الإعلان عنها اليوم، لتولي مقاليد تسيير الشأن العام لفترة انتقالية في مرحلة وصفت بأنها «دقيقة وصعبة» من تاريخ المسيرة الإصلاحية بالأردن، التي ما زالت تراوح مكانها بعد عجز الحكومات الثلاث المتعاقبة - سمير الرفاعي ومعروف البخيت وعون الخصاونة الذي لم تعمر حكومته أكثر من ستة أشهر - عن إخراجها من حالة تعثر لأزمتها منذ انطلاقها مطلع العام الماضي.

وجاء تكليف الطراونة بتشكيل حكومة جديدة عقب استقالة سلفه المفاجئة، أثناء وجوده في مهمة رسمية بتركيا قبل أسبوع، وفجرت «صدمة سياسية» من العيار الثقيل، على حد تعبير متابعي الشأن الأردني، بالنظر لتوقيتها وحيثياتها، لتخلط الأوراق من جديد و«تعبر عن عمق أزمة الإصلاح» بالأردن، الذي يشهد منذ أكثر من عام مظاهرات ومسيرات سلمية مطالبة بالإصلاح: السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

وفي ظل هذه التطورات لا تبدو مهمة سهلة بالنسبة للطراونة، خاصة أنها محكومة بعامل الزمان، بالنظر إلى «تكليفها لفترة انتقالية محدودة»، وفي مرحلة إصلاحية بامتياز، «لاستكمال إنجاز منظومة القوانين والتشريعات الإصلاحية السياسية»، وهو ما يجعل أي قراءة خاطئة لمفاصل الخريطة الإصلاحية تنعكس سلبا على الثقة في الإرادة السياسية، مما يحتم على الفريق الحكومي الجديد التعامل بالكثير من الانفتاح، انطلاقا من متطلبات المرحلة و«ليس من وحي قناعاته».

وبخصوص دواعي استقالة الخصاونة، فقد ربطتها مصادر سياسية أردنية، بموعد إجراء الانتخابات البرلمانية، الذي أكد فيه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ضرورة إجرائها قبل نهاية العام الحالي، أما الخصاونة فإن «الأهم من الموعد، هو إنجاز قانون انتخابات متوافق عليه وتشكيل الهيئة المستقلة للانتخابات»، وغيرها من الإجراءات التي تضمن نزاهتها.

وتزامن قبول استقالة الخصاونة مع إصدار الملك عبد الله الثاني مرسوما يقضي بتمديد الدورة العادية لمجلس الأمة (البرلمان) لمدة شهرين، بينما كان الخصاونة بصدد الدعوة لدورة استثنائية للمجلس بموافقة الملك، من خلال تأجيل دعوة البرلمان للانعقاد لمدة شهر، بعد انتهاء دورته العادية يوم 26 أبريل (نيسان) الماضي.

ويرى مراقبون أن سبب قبول الملك عبد الله الثاني استقالة حكومة الخصاونة فورا، يعود إلى بطء أدائها ومراوحتها في إنجاز القوانين الإصلاحية، حيث قال في رسالة وجهها لرئيس الوزراء المستقيل، لقد «تابعت طيلة الشهور الماضية أعمال الحكومة في شتى المجالات، وكنت آمل أن تكون الحكومة أكثر فاعلية ونشاطا في إنجاز تلك القوانين بالتعاون مع مجلس الأمة، لكن سمة التباطؤ والمراوحة ظلت هي السائدة على الأداء طيلة الشهور الماضية».

وأضاف «أن هذا يعني أن تظل القوانين الرئيسية قيد المراوحة، وبلا إنجاز، وهذا يعني بالتالي أن لا نتمكن من إجراء الانتخابات النيابية في هذا العام كما التزمنا بذلك من قبل، بسبب عدم إقرار قانونها واتخاذ الإجراءات والترتيبات اللازمة لإجرائها، ومن ضمنها تشكيل الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات وإداراتها وبناء قدراتها، وحتى الانتخابات البلدية التي كان ينبغي أن تكون قد أجريت، لم يحسم أمرها بعد».

ويؤكد المراقبون أن العاهل الأردني يكون بهذه الخطوة قد استجاب لمطالب ملحة بضرورة تسريع وتيرة الإصلاح، الذي لم يعد يحتمل التأجيل، في ظل وجود شارع يغلي ومطالب شعبية وسياسية واجتماعية لا تقبل الانتظار، خاصة أمام تعثر جميع القوانين الإصلاحية التي قدمتها حكومة الخصاونة، وعلى رأسها قانون الانتخابات الذي قوبل برفض واسع من طرف أغلبية الأحزاب السياسية.

وباستقالة حكومة الخصاونة، يطوي الأردن فصلا آخر من فصول «أزمة الإصلاح»، ويدخل مرحلة جديدة من الروح الإصلاحية، وصفها أكثر من مراقب بأنها «روح حيوية»، حدد العاهل الأردني عناوينها الكبرى في كتاب التكليف الذي وجهه للطراونة، حيث حسم عمر الحكومة الجديدة، وحدد طبيعة مهمتها، وجاء فيه، على وجه الخصوص، أن «تكليف هذه الحكومة لفترة انتقالية محددة، مرهون باستكمال إنجاز منظومة القوانين والتشريعات الإصلاحية السياسية وإخراجها إلى حيز التنفيذ، وصولا إلى النقطة التي تمكننا من إجراء الانتخابات النيابية».

وهكذا ستكون حكومة الطراونة، المحسوب على جناح «اليمين المحافظ»، مدعوة إلى إنجاز ما فشلت فيه سابقاتها وفي زمن قياسي، وبغير ذلك سيعود المسلسل الإصلاحي بالأردن إلى مربع الاستعصاء، مما يتطلب منها الإصرار والسعي نحو التوافق لاستكمال ملامح التشريعات الناظمة للمرحلة الإصلاحية.

ويرى مراقبون أن أول امتحان يتعين على الطراونة اجتيازه بنجاح، بعد تشكيل فريق حكومي مؤهل للمضي قدما في طريق الإصلاح، هو سحب قانون الانتخابات المثير للجدل المقدم من الحكومة السابقة، خاصة أن الملك عبد الله الثاني أعطى فرصة جديدة للحكومة الجديدة لإعادة دراسة هذا القانون بالسرعة الممكنة، كما شدد في كتاب التكليف على ضرورة أن «يضمن قانون الانتخاب تمثيلا حقيقيا لجميع الأردنيين، مع مراعاة تحقيق أكبر قدر من العدالة في التمثيل».

وفي انتظار أن تتضح معالم تعامل الطراونة وفريقه الحكومي، مع متطلبات المرحلة، أجمعت الأوساط السياسية الأردنية على أن حكومته تمثل «حكومة الفرصة الأخيرة» لاعتماد إصلاحات توافقية، توصل البلاد إلى بر الأمان.

وبالنسبة للوضع الاقتصادي يرى خبراء أن حكومة الطراونة لا تملك عصا سحرية لمعالجة مشكلة المالية العامة التي تتجسد بالعجز والمديونية، بالإضافة لملف الطاقة بشقيه: الكهرباء والمحروقات، ما سيجعلها رهينة لاتخاذ قرارات صعبة تتمثل في رفع الأسعار للتخفيف من النزف الذي تشهده الخزينة العامة.

ويتوقع أن يصل مجموع عجز الموازنة العامة والوحدات الحكومية المستقلة إلى 3 مليارات دينار (4.2 مليار دولار) مع نهاية العام الحالي.