قتلى في حرب شوارع بميدان العباسية

القوى السياسية تقاطع اجتماع «العسكري» ومظاهرة حاشدة لدعم المعتصمين ودعوة لمليونية غدا

اشتباكات عنيفة بين مجهولين وأنصار المرشح السلفي المستبعد من سباق الرئاسة حازم أبو إسماعيل المعتصمين منذ نحو أسبوع في محيط ميدان العباسية القريب من مقر وزارة الدفاع أمس (أ.ف.ب)
TT

تفجر الوضع الميداني في القاهرة أمس، مع تجدد الاشتباكات بين مجهولين، وأنصار المرشح السلفي المستبعد من سباق الرئاسة حازم أبو إسماعيل المعتصمين منذ نحو أسبوع في محيط ميدان العباسية (شرق القاهرة) القريب من مقر وزارة الدفاع.

وقالت مصادر طبية رسمية أمس إن الاشتباكات أسفرت عن سقوط 11 قتيلا، ومئات الجرحى، فيما قالت مصادر عسكرية إن قوات الأمن المركزي نجحت في السيطرة على الوضع على الأرض، لكن حرب الشوارع على مدار ليلة أول من أمس واستمرت حتى ظهر أمس ألقت بظلالها على لقاء المجلس العسكري وقادة الأحزاب لبحث الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد، وأعلنت أحزاب رئيسية مقاطعة الاجتماع احتجاجا على مقتل «المعتصمين السلميين»، وعقدت اجتماعا موازيا لبحث الموقف، داعية إلى «مليونية حماية الثورة» غدا الجمعة.

وتجددت الاشتباكات ليلة أول من أمس بين معتصمي وزارة الدفاع ومجهولين، وتحول الميدان الحيوي إلى ساحة حرب، استخدمت خلالها زجاجات المولوتوف، وأسلحة نارية محلية الصنع، وتبادل الطرفان التراشق بالحجارة.

وقالت وزارة الصحة إنها سجلت 9 قتلى جراء الاشتباكات، لكن مصادر طبية غير رسمية تابعة للمستشفى الميداني في العباسية قالت لـ«الشرق الأوسط» إن عدد القتلى ارتفع إلى 11 قتيلا، و160 جريحا بإصابات وصفت بعضها بالخطيرة.

ونشر المجلس العسكري قوات الشرطة العسكرية في المنطقة للسيطرة على الاشتباكات، وقال مصدر في المجلس إن «8 ناقلات جند مدرعة من المنطقة العسكرية المركزية دخلت منطقة العباسية لوقف القتال بين المعتصمين والمسلحين لكنها لن تتدخل لفض الاعتصام». وقال شهود عيان إن عددا من الآليات والجنود انسحبوا من موقع الأحداث بعد هدوء الأوضاع الأمنية بالمنطقة.

وأعرب مجلس الوزراء عن أسفه لحادث العباسية، ووقوع عدد من الضحايا والمصابين، ووصف الحادث بـ«المؤسف» لأنه كان يستهدف الاعتداء على وزارة الدفاع التي تمثل هيبة الدولة.

وأكد وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم في تقرير عرضه على مجلس الوزراء أمس أن الشرطة المدنية أو العسكرية لم تطلقا رصاصة واحدة على المتظاهرين، وأنهما لم تتدخلا من قريب أو بعيد في فض المشاجرات والاشتباكات بين المتظاهرين من أنصار حازم أبو إسماعيل المرشح المستبعد من انتخابات الرئاسة، وبعض الأهالي، مشيرا إلى أن آخر الأرقام التي وصلت إليه عبر غرفة عمليات الداخلية تفيد بأن الضحايا في أحداث العباسية هم 6 قتلى فقط.

من جانبه، أمر النائب العام المستشار الدكتور عبد المجيد محمود، بفتح التحقيق الفوري في أحداث العباسية، ومحيط وزارة الدفاع، وببدء التحقيقات والانتقال إلى المصابين لسماع أقوالهم، وكذلك سماع أقوال الشهود الذين عايشوا الأحداث للوقوف على حقيقة الأسباب التي أدت لتجدد الاشتباكات.

وكان أنصار أبو إسماعيل قد اعتصموا أمام مقر وزارة الدفاع للمطالبة بإلغاء المادة «28» من الإعلان الدستوري، وهي المادة التي تحصن قرارات اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات الرئاسية ضد الطعن عليها، كما طالبوا بضرورة تسليم السلطة للمدنيين. وشارك في الاعتصام بعض الحركات الثورية المتضامنة مع المطالب المرفوعة.

وتحركت مظاهرة حاشدة من مسجد الفتح في ميدان رمسيس بوسط القاهرة، واتجهت إلى ميدان العباسية لمساندة المعتصمين، وشارك في المسيرة ائتلاف شباب الثورة، وحركات «مصرنا»، و«شباب 6 أبريل»، و«شباب من أجل العدالة والحرية»، وأحزاب العدل، والنور، و«التيار المصري» (تحت التأسيس)، والجبهة السلفية، بالإضافة إلى حملات دعم المرشحين الرئاسيين الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، وحمدين صباحي، وخالد علي.

ورفع المشاركون في المسيرة التي ضمت بضعة آلاف هتافات مناوئة للمجلس العسكري، وهتف المتظاهرون: «يسقط يسقط حكم العسكر»، و«الشعب يريد محاكمة المشير»، وطالب المتظاهرون بتسليم السلطة فورا. وانضم برلمانيون من أحزاب إسلامية وليبرالية إلى المسيرة التي لم يعرف بعد إن كان المشاركون فيها سيعلنون الاعتصام أمام وزارة الدفاع أو لا.

من جانبه، أعرب الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب عن فجيعة الأزهر، قائلا في بيان له أمس: «إننا فجعنا بما شاهدناه وقرأناه من أنباء العنف المروع في العباسية وحول مسجد النور (القريب من الميدان)، وهو بيت من بيوت الله - عز وجل - التي أعدها الله للعبادة وللسلم والأمن والحفاظ على حرمة الأرواح والدماء.. وقد فوجئنا بسقوط الأبرياء من أبناء مصر العزيزة».

وناشد الأزهر في بيانه الجميع أن يوقفوا فورا ودون إبطاء أي عمل من أعمال العنف، التي تمس بدن المصري أو تودي بروحه، و«يحذر الجميع من إراقة الدماء والدخول في هذا النفق المظلم المشؤوم».

وألقت الاشتباكات بظلال كثيفة على المشهد السياسي، حيث علق مرشحون في الانتخابات الرئاسية حملاتهم، تضامنا مع المعتصمين، وقاطعت أحزاب رئيسية اجتماع المجلس العسكري؛ منها أحزاب الحرية والعدالة الإخواني، والنور السلفي، والوفد، و«غد الثورة»، و«المصريين الأحرار»، والبناء والتنمية، والنهضة، والوسط، فيما انسحب الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي من الاجتماع.

وقال الدكتور محمد أبو الغار ممثل حزب «المصري الديمقراطي» لـ«الشرق الأوسط»: انسحبت قبيل بدء الاجتماع.. كنت غير مقتنع بجدوى الاجتماع وأنا في طريقي نظرا لما يجري في ميدان العباسية»، وتابع أبو الغار: «لم يكن هناك جدول أعمال للقاء.. وكنت أعتقد أنه سيناقش أزمة الدستور والحكومة، لكنني انسحبت حينما قيل إن الاجتماع سوف يتطرق لإمكانية فض اعتصام العباسية». وعقب مؤتمر صحافي عقده عدد من القوى السياسية الرئيسية، وبرلمانيون مستقلون، في مقر حزب الإخوان بوسط العاصمة أمس، أعلن ممثلو الأحزاب عن تضامنهم مع المعتصمين، وحملوا المجلس العسكري الحاكم المسؤولية، ودعا الحاضرون إلى مليونية غدا الجمعة تحت شعار «حماسية الثورة وحقن دماء المصريين».

ورفض قادة الأحزاب الاعتراف بشرعية اجتماع المجلس العسكري، وقال الدكتور وحيد عبد المجيد في المؤتمر الصحافي: «لا يوجد اجتماع.. فأعضاء المجلس العسكري يجلسون الآن مع عدد من أصدقائهم.. لكن القوى السياسية الرئيسية موجودة هنا»، وطالب عبد المجيد، وهو برلماني مستقل، بإقالة رئيس المحكمة الدستورية العليا الذي يرأس أيضا اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، قائلا: «مبارك عينه ولا يجوز أن يشرف على الانتخابات الرئاسية خاصة في ظل التحفظات على المادة 28 من الإعلان الدستوري».

وطالب الدكتور عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة بضرورة استجابة المجلس العسكري لقرارات البرلمان المنتخب وتشكيل حكومة ائتلاف وطني، وقال العريان لـ«الشرق الأوسط» إن «المجلس العسكري رفض عدة حلول طرحت؛ منها إجراء تعديل حكومي واسع، أو محدود، أو إقالة الحكومة وتكليف حكومة تسيير أعمال».

وأشار العريان لتوافق القوى الوطنية حول حزمة الإجراءات السياسية الواجبة في المرحلة الانتقالية؛ وعلى رأسها معايير اختيار الجمعية التأسيسية للدستور. وحول تصريحات للفريق سامي عنان قال فيها إن المجلس يبحث تسليم السلطة في 24 مايو (أيار) الحالي إذا حسم أحد المرشحين الانتخابات الرئاسية في الجولة الأولى، علق العريان بقوله: «هذه التصريحات ضدها الدماء على الأرض في ميدان العباسية، واجتماع المجلس العسكري مع الأحزاب الكرتونية.. الكرة الآن في ملعب المجلس العسكري وعليه الالتزام بقرارات البرلمان».

ودعا برلمانيون إلى عقد جلسة طارئة لمجلس الشعب (الغرفة الأولى في البرلمان)، الذي كان علق جلساته احتجاجا على رفض المجلس العسكري إقالة حكومة الدكتور كمال الجنزوري، بعد رفض البرلمان بيانها.

وتقدم النائب عمرو زكي عضو الكتلة البرلمانية لحزب الحرية والعدالة إلى رئيس البرلمان بطلب استجواب الجنزوري، متهما السلطة التنفيذية بالتلاعب بمصير وأرواح المواطنين المعتصمين في محيط وزارة الدفاع. ومن المقرر أن تعقد لجنتا حقوق الإنسان، والدفاع والأمن القومي بالبرلمان، صباح اليوم (الخميس) جلسة طارئة، لمناقشة تطورات أحداث العباسية. وكانت لجنة الدفاع والأمن القومي قد أصدرت بيانا أمس طالبت فيه المجلس العسكري بسرعة التحقيق، والإفصاح عن هوية المعتدين ومن يحرضهم.