الشكوك تحيط بوفاة شكري غانم أكبر مسؤول نفطي بحكومة القذافي في فيينا

السلطات الليبية كانت تسعى لاستجواب الرئيس السابق لشركة النفط الوطنية

TT

قال النائب العام الليبي عبد العزيز الحصادي، أمس، إن ليبيا كانت تسعى لاستجواب أكبر مسؤول نفطي بحكومة الرئيس الليبي السابق معمر القذافي في تحقيق يتعلق بالفساد، قبل العثور على جثته غارقة في نهر الدانوب في النمسا مطلع هذا الأسبوع.

ورفض الحصادي الخوض في تفاصيل التحقيق الذي يشمل شكري غانم، والذي كان يدير صناعة النفط الليبية لسنوات من خلال منصبه كرئيس لشركة النفط الوطنية قبل فراره من البلاد قبل عام تقريبا وسط انتفاضة أطاحت بالقذافي وانتقل غانم للعيش في فيينا.

وأتاح الدور الذي شغله غانم، وهو أيضا رئيس سابق للوزراء ومقرب من سيف الإسلام القذافي ابن الزعيم الليبي الراحل، الاطلاع على معلومات من الممكن أن تكون ضارة، بما في ذلك المعلومات عن الصفقات النفطية مع الحكومات الغربية وشركات النفط.

ولم يؤكد الحصادي ما إذا كان التحقيق له علاقة بالفترة التي أمضاها غانم على رأس شركة النفط الوطنية اعتبارا من عام 2006. وقال النائب العام لوكالة «رويترز» الإخبارية، إن ليبيا أصدرت مذكرة تطالب بتسليم غانم لليبيا، وإن السلطات كانت تطلب منه تقديم معلومات معينة فقط، لكن هذه المذكرة لم تكن فعالة على المستوى الدولي، مضيفا أن المذكرة لم تكن تعني بالضرورة اعتقال غانم.

وأضاف أن السلطات الليبية أرسلت المذكرة للإنتربول قبل نحو شهر، ولكنها لم تتلق إلى الآن ردا حاسما. وتابع الحصادي قائلا، إن «الاتصالات كانت قائمة مع محامي غانم بشأن مذكرة استدعائه»، ولكنه أوضح أن طلب إحضار غانم إلى ليبيا لا يعني أنه مذنب، وأن المحكمة هي من يقرر ذلك.

من جهة اخرى صدمت الوفاة الغامضة لأكبر مسؤول نفطي بحكومة العقيد الليبي السابق معمر القذافي في فيينا أصدقاءه وزملاءه؛ الذين يقولون إنهم يشتبهون في أن أعداءه ربما لاحقوا وقتلوا الرجل الذي كان يعلم أكثر من أي شخص آخر بشأن مليارات الديكتاتور الراحل.

وعثر على جثة شكري غانم، الذي رأس حكومة القذافي لبعض الوقت وأدار قطاع النفط لسنوات أيضا، بكامل ملابسه طافية في نهر الدانوب صباح يوم الأحد الماضي على بعد بضع مئات من الأمتار من منزله. وتقول الشرطة إنه مات غرقا وربما سقط في النهر بعد إصابته بنوبة قلبية عقب ممارسة رياضة المشي، وتشير التقارير الأولية لتشريح الجثة إلى أنه لا توجد علامة على حدوث عمل إجرامي. بينما يقول بعض أصدقائه إنه لم يكن يجيد السباحة وإنهم نبهوه إلى أن يتوخى الحذر من أعداء في منفاه بالنمسا. وكان غانم (69 عاما) أحد أقوى الرجال في ليبيا في عهد القذافي، وكان فعليا يسيطر على خيوط ثروة حكومة وعائلة القذافي إلى أن انشق وانضم إلى صفوف المعارضة في مايو (أيار) الماضي مع اقتراب المعارضين من طرابلس. وكان قراره بالانضمام إلى المعارضة نقطة تحول في الانتفاضة التي أطاحت بالقذافي في نهاية الأمر، قبل أن يمسك معارضون في نهاية الأمر بالعقيد الليبي ويقتلوه.

وانتقل غانم للإقامة بالمنفى في فيينا، مقر منظمة «أوبك»، حيث تقيم اثنتان من بناته مع أسرتيهما. وكان الزعماء في ليبيا يربطون بينه وبين حكم القذافي، واستبعد العودة إلى وطنه. ويفترض مراقبون أن غانم كان له أعداء بين معارضي القذافي، بسبب السنوات التي قضاها في مركز السلطة، مثلما كان له أعداء بين أصدقاء العقيد الراحل وأقاربه بسبب قراره بالانشقاق عنه. وكان من المفترض أيضا أنه على دراية ليس لها مثيل بصفقات نفطية تقدر قيمتها بعشرات المليارات من الدولارات. وشكك أصدقاء لغانم في الرواية الرسمية بشأن موته، وقال وزير نفط سابق بدولة أخرى عضو في «أوبك»، بقي صديقا مقربا من غانم، لوكالة «رويترز» الإخبارية: «أعتقد أن هذا سخف. لا يذهب المرء إلى نهر الدانوب ويصاب بنوبة قلبية ويسقط في النهر».

وعثر على جثة غانم الساعة 8:40 صباحا (06:40 بتوقيت غرينتش) يوم الأحد طافية قرب منطقة للترفيه على جانبيها حانات ومطاعم، حيث يتجمع الناس في الصيف للجلوس في الشمس وتناول المشروبات. وتقول الشرطة إنه كان موجودا في الماء منذ الفجر تقريبا. ولا يوجد حاجز بامتداد حافة الماء، ولم تكن تلك المرة الأولى التي يعثر فيها على جثة طافية هناك.

وقال موسى ريمبيتيكو، الذي يدير مطعما يونانيا هناك منذ 14 عاما: «لم نكن نعلم من هو. اعتقدنا أنه رجل تناول كثيرا من الخمر وسقط في الماء. هذا حدث منذ بضع سنوات». وقال اتلان يالفاك، مدير مطعم «فيش تاور»، إنه وصل لفتح المطعم صباح الأحد ووجد الشرطة تقف حول الجثة التي كانت ممدة على الرصيف حيث تم انتشالها، وأضاف: «كان الأمر مرعبا للغاية».

ويصف من عرفوا غانم عموما بأنه شخصية مرحة، ويقول بعض أصدقائه إن شخصيته الخارجية كانت تخفي عقلا حذرا وكان يشعر بالقلق دائما بشأن التهديدات لسلامته، لكنه كان مصمما على أن يعيش حياة عادية في منفاه بالنمسا.

وقال الوزير السابق في «أوبك»، الذي طلب عدم نشر اسمه: «نظرا للمكان الذي كان فيه.. نعم أعتقد أنني كنت سأشعر بالقلق.. من دون شك، كنت سأشعر بقلق بالغ. في الحقيقة، أعتقد أنه قال في بعض الأوقات إنه كان يشعر أنه مراقب. لكن ربما كان هذا من صنع خياله.. من يدري؟!». وتابع: «اعتاد أن يتجول في أنحاء فيينا بالترام أو في حافلة. لم يكن مختبئا ولم يكن لديه سائق يرافقه في النهار والليل.. لا شيء من هذا القبيل، أراد أن يحيا حياة عادية».

وقال عصام الجلبي، الذي كان يدير قطاع النفط في العراق في الثمانينات وشيد في الآونة الأخيرة هيئة استشارية مع غانم في فيينا، إن أصدقاءه نصحوه بأن يتوخى الحذر. وقال إنهم دأبوا على نصحه بالتزام الحذر وتجنب الظهور بشكل لافت. وأضاف أن المشكلة هي أنه أغضب النظام السابق لأنه انشق، وأن القيادة الجديدة في ليبيا لم تقبله لأنه شارك في إبرام عقود غامضة.

ومثل آخرين، لم يقتنع الجلبي بالرواية الرسمية، وقال لـ«رويترز»: لا يمكن أن يكون سقط هكذا بساطة في الماء، أعتقد أننا لم نسمع نهاية القصة بعد»، وأضاف: «من دفعه يعرف أنه لا يجيد السباحة».

وكانت هناك تلميحات إلى أن غانم كان يعاني من مشكلات صحية، وقالت نهال جونيوارديني، وهي صديقة لغانم منذ تخرجه من مدرسة في بوسطن وتقيم في واشنطن، إن غانم أبلغ ضيفا مساء السبت أنه لا يشعر أنه على ما يرام، وغادر مبكرا يوم الأحد لممارسة المشي ولم يعد. وأضافت لـ«رويترز» أنه قبل ذلك بأيام أبلغ صديقا بأنه أجرى في الآونة الأخيرة سلسلة فحوص طبية، وأنه يشعر بالقلق بشأن النتائج.

وحتى الآن، لم تصدر تصريحات علنية تذكر من العائلة، وقال لؤي غانم ابن شقيق شكري غانم إنه «سيتم تشريح الجثة يوم الأربعاء (أمس) وإن العائلة تأمل في إعادة الجثمان إلى ليبيا يوم الخميس». وقال رجل رد على الهاتف في منزل غانم إن العائلة لا تريد أن تتحدث بشأن الحادث.