أوراق مالية مزيفة تثير إعجاب الشرطة في جنوب إيطاليا

مزورو العملات 3 فئات.. والشرطة تعاني من تعقب نفس الأشخاص بسبب ضعف العقوبات

خبير في مكافحة التزوير يعرض ورقة مزيفة من فئة 100 يورو في روما (نيويورك تايمز)
TT

في الوقت الذي يناقش فيه كبار الشخصيات المالية في أوروبا الحكمة من وراء تحفيز النمو عن طريق السماح للبنك المركزي الأوروبي بطباعة مزيد من الأموال، يقوم أشخاص مغامرون في هذه المنطقة شبه الحضرية بشمال غربي مدينة نابولي الإيطالية بمعالجة الأمور بطريقتهم الخاصة عن طريق طباعة كميات هائلة من اليوروات المزيفة.

وتشتهر منطقة كامبانيا، التي تقع جنوب إيطاليا، بسمائها المشمسة وجبن الموزاريلا الطازج والجريمة المنظمة، لكنها تشتهر أيضا بنوع مختلف من الصناعات المنزلية المسؤولة عن أكثر من نصف كمية اليوروات المزيفة، التي تتراوح بين 550,000 إلى 800,000 ورقة، والتي تقوم المصارف المركزية الأوروبية بسحبها من التداول سنويا.

ويبدو أن إيطاليا تتمتع بذوق حرفي خاص في مجال فنون الطباعة، على الرغم من قيام السلطات أيضا بالكشف عن عمليات غير مشروعة لطباعة اليورو في فرنسا وإسبانيا وشرق أوروبا وجنوب أميركا. ويوجد أبرع العاملين في تزييف الأوراق المالية في إيطاليا بالقرب من منطقة جوليانو، حيث توجد العمارات السكنية الخراسانية بجوار البساتين ووكالات بيع السيارات.

ويقول العقيد أليساندرو جنتيلي، وهو رئيس وحدة مكافحة تزييف العملة في الشرطة الإيطالية في روما: «هناك موروث عظيم وعريق وهام في إيطاليا، يتمثل في تزييف الأموال بصورة رائعة في هذا البلد. ولا تزال جوليانو هي عاصمة عمليات تزييف الأموال، حيث تمتلك أفضل المتخصصين في هذا المجال».

وتم الكشف عن عدد كبير من المتخصصين في تزييف الأموال، حيث داهمت الشرطة 162 موقعا وألقت القبض على 109 أشخاص وتحفظت على كميات كبيرة جدا من المواد غير المشروعة، في إطار حملة المداهمات التي شنتها في يناير (كانون الثاني) 2009 للكشف عن عمليات التزييف التي تجري بالقرب من جوليانو وفي منطقة كالابريا التي تقع إلى الجنوب منها.

ويقول جنتيلي إنه على الرغم من تلك الحملة، التي تعد الأكبر منذ سنوات، فلا تزال عمليات التزييف مستمرة، وهو الموروث الذي غالبا ما ينتقل من الآباء إلى الأبناء، مثل صناعة النبيذ والأواني الفخارية والأقمشة وغيرها من الفنون الجميلة التي تشتهر بها إيطاليا. وفي أبريل (نيسان) الماضي قامت الشرطة في منطقة أبوليا الجنوبية، التي تشتهر أيضا باسم بوجليا، بإلقاء القبض على رجلين بتهمة تزييف العملات، وصرحت بأن جماعات الجريمة المنظمة الموجودة بالقرب من مدينة فوجيا قد تعاونت مع هذين الرجلين من منطقة كامبانيا لإنتاج كمية كبيرة من اليوروات المزيفة.

وفي الوقت الذي تسيطر فيه الكامورا - وهي شبكة جريمة منظمة تشتهر بالعنف - على منطقة كامبانيا، تقول السلطات الإيطالية إن عمليات التزييف ما هي إلا مجرد نشاط ثانوي لأفراد العصابات، الذين يفضلون التركيز على الأعمال الأخرى المربحة مثل دفن النفايات السامة وتجارة المخدرات وورش صناعة الملابس غير القانونية.

ويقول رافاييل كانتوني، وهو قاضٍ في المحكمة العليا وأجرى تحقيقات واسعة النطاق حول الكامورا في بداية حياته المهنية: «تحصل جماعات الجريمة المنظمة على نصيب من هذا النشاط بالتأكيد، وربما تقوم تلك الجماعات بالتدخل لتنظيم استخدام الأوراق المزيفة في السوق لأن لديها مصالح اقتصادية في المنطقة».

ويفتخر جنتيلي، الذي يظهر احتراما كبيرا لبراعة هؤلاء المزيفين الذين يقوم بمطاردتهم طوال الوقت، بأن الوحدة التي ينتمي إليها، والتي تأسست في عام 1992، كانت أول وحدة لمكافحة التزييف في أوروبا، وذلك نظرا للموهبة التي يتمتع بها الإيطاليون في التزييف. ويضيف جنتيلي أنه قبل تداول اليورو تخصصت بعض المطابع الإيطالية، وبخاصة في منطقة نابولي، في تزييف الليرة الإيطالية والدولار الأميركي والفرنك الفرنسي والفرنك السويسري.

ويعرض جنتيلي على جدران مكتبه ليرة مزيفة تدعى «إيه إم ليرة»، وهي عمله تم تداولها عقب عملية إنزال قوات الحلفاء في إيطاليا والتي تم طباعتها في ليونفورتي في جزيرة صقلية عام 1946.

وتبدو تلك اليوروات، التي قامت بعض الجماعات النشطة في هذا المجال بتزييفها، مقنعة بشكل كبير بالنسبة للعين غير المدربة، لكنها تبدو مختلفة قليلا، حيث تم طباعتها على أوراق دون علامة مائية، بينما تجتذب الرسومات ثلاثية الأبعاد الموجودة عليها الضوء بصورة مختلفة عن مثيلاتها من اليوروات الحقيقية.

واكتشفت السلطات أول يوروات مزيفة بعد أيام قليلة من طرح اليورو لأول مرة في يناير 2002، بينما قامت السلطات بأولى عمليات مداهمة كبيرة بعدها بستة أشهر. ومنذ ذلك الحين أصبح اليورو عملة عالمية، وارتبطت اليوروات المزيفة بأنشطة تجارة المخدرات والهجرة العالمية.

وفي الأعوام الأخيرة اكتشفت السلطات كميات من اليوروات المزيفة في بلغاريا وكولومبيا وروسيا وتركيا وإيران والعراق، وهي بلدان ذات اقتصادات نقدية كبيرة، ويسهل فيها صرف اليوروات المزيفة نظرا لأن موظفي البنوك والمحلات ليسوا على دراية كافية باليورو الحقيقي. وفي بعض الأحيان كان المهاجرون القادمون من أفريقيا وأميركا اللاتينية يتعمدون شراء اليوروات المزيفة في أوروبا لاستخدامها في بلدانهم في شراء الممتلكات، طبقا لجنتيلي.

وأصبح اليورو، وخصوصا الأوراق النقدية من فئة 500 يورو (660 دولارا)، العملة المفضلة لتجار المخدرات في العالم، حيث أصبحت اليوروات المزيفة جزءا من عملياتهم. وفي أبريل الماضي قامت السلطات في بوغوتا بكولومبيا بتفكيك مطبعة لتزييف العملات والتحفظ على نصف مليون ورقة نقدية من اليوروات المزيفة. ويؤكد البنك المركزي الأوروبي، الذي يتتبع عمليات التزييف، أن العدد الأكبر من مئات الآلاف من اليوروات المزيفة التي يتم سحبها من التداول سنويا تكون من فئة 20 يورو و50 يورو. ولا تعد هذه الكمية كبيرة إذا قورنت بمتوسط كمية اليوروات الحقيقية التي تم تداولها في أي وقت من الأوقات والتي تقدر بـ14 مليار ورقة نقدية من اليوروات، ولكنها تعتبر كبيرة بالدرجة التي تبقي السلطات في حالة يقظة دائمة.

ويقول أليستر مكالوم، رئيس قسم مكافحة التزييف في البنك المركزي الأوروبي، إن المزيفين عادة ما ينتمون إلى واحدة من ثلاث فئات: الهواة الذين لا يملكون سوى طابعة الحبر النفاثة، والدول المارقة، والمهنيين البارعين، مثل هؤلاء الأشخاص الذين يعملون بالقرب من جوليانو.

من الوهلة الأولى لا تبدو منطقة جوليانو وكرا لتزييف العملة، حيث يضم شارعها الرئيسي الكثير من المباني الغريبة ومحلات الملابس والمجلس المحلي للمدنية وكنيسة، وعددا من دور الجنازات، ولكن ضواحيها، التي تمتد باتجاه الغرب نحو الساحل، تتسم بالتقسيم الفوضوي والمباني شبه المهجورة، التي تشير إلى تلك العمليات غير المشروعة التي تتم فيها.

وفي إحدى القضايا التي حدثت بالقرب من جوليانو عام 2009 حاول المزيفون، الذين كانوا سيتعرضون لحملة مداهمة وشيكة، التخلص من الأوراق المالية التي بحوزتهم عن طريق إلقاء الأوراق النقدية المزيفة من فئة 100 يورو في أحد المجاري المائية المجاورة.

في القرون الماضية كانت عملية تزييف العملات المعدنية التي تحمل صور الملوك تعد جريمة خطيرة، حيث كانت تواجه بعقوبات رادعة تصل إلى حد القتل، أما اليوم فتعمل المفوضية الأوروبية على تحديد «حد أدنى وحد أقصى» لعقوبة تزييف اليورو، حيث تتفاوت عقوبات التزييف في بلدان الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة. وتعتبر عقوبة تزييف العملات في إيطاليا مرتفعة نسبيا، حيث تتراوح من 3 إلى 12 عاما، لكن يظل تطبيق تلك العقوبة هو التحدي الحقيقي.

ويظل معدل العودة لارتكاب مثل هذه الجرائم مرتفعا في إيطاليا، نظرا للبطء الشديد في مجرى العدالة الإيطالية وقيام القضاة، في كثير من الأحيان، بتخفيض الأحكام التي تصدر ضد المزيفين في الاستئناف. وتم إطلاق سراح بعض الأشخاص الذين ألقي القبض عليهم في مداهمات 2009، على الرغم من خضوعهم للمراقبة من قبل الشرطة.

وتشير السلطات إلى إحدى القضايا المزعجة على وجه التحديد، حيث تم إلقاء القبض على أحد الأشخاص من منطقة كامبانيا في عام 2007، وقالت عنه الشرطة إنه كان يقوم بطباعة يوروات مزيفة. وبعد حبسه لمدة شهر، تم وضع هذا الشخص رهن الإقامة الجبرية في انتظار نتيجة محاكمته، التي لا تزال مستمرة حتى الوقت الحالي. وتم إلقاء القبض مجددا على نفس هذا الشخص في عام 2009 بتهم مشابهة، حيث تكرر نفس السيناريو السابق، ثم تم إلقاء القبض عليه مجددا هذا العام بتهمة التزييف. ويقول جنتيلي وابتسامته المعهودة تكسو وجهه: «غالبا ما نجد أنفسنا نتعقب نفس الأشخاص. إنهم يسرقون ويهربون ويتابعون أعمالهم، ونحن نتعقبهم، إنها تشبه لعبة القط والفأر».

* ساهمت في كتابة التقرير غايا بيانيجاني

* خدمة «نيويورك تايمز»