«هيومان رايتس ووتش» تتهم النظام السوري بارتكاب «جرائم حرب» في إدلب

الشيشكلي لـ«الشرق الأوسط»: ما أورده التقرير لا يعادل 1% من حقيقة الانتهاكات التي تحدث يوميا

دبابات النظام السوري تتجول في شوارع الوعر بحمص أمس (أ.ف.ب)
TT

اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» القوات الحكومية السورية بقتل ما لا يقل عن 95 مدنيا وإحراق وتدمير مئات المنازل أثناء عمليات عسكرية استغرقت أسبوعين في شمالي محافظة إدلب، بين 22 مارس (آذار) و6 أبريل (نيسان) الماضيين، أي قبل وقف إطلاق النار بقليل، فيما كان مبعوث الأمم المتحدة إلى دمشق كوفي أنان يفاوض الحكومة السورية على وقف القتال.

ويوثق التقرير الذي أصدرته المنظمة أمس بعنوان: «حرقوا قلبي.. جرائم حرب في شمالي إدلب أثناء مفاوضات خطة السلام»، العشرات من «عمليات الإعدام خارج نطاق القانون، وقتل المدنيين وتدمير الممتلكات المدنية»، فيما اعتبرته «يرقى لكونه جرائم حرب»، وكذلك عمليات الاعتقال التعسفي والتعذيب. ويستند التقرير، الذي جاء في 38 صفحة، إلى بحوث ميدانية أجرتها «هيومان رايتس ووتش» في بلدات تفتناز وسراقب وسرمين وكللي وحزانو في محافظة إدلب أواخر شهر أبريل الماضي.

وطالبت المنظمة مجلس الأمن بأن تتضمن «بعثة المراقبة الأممية في سوريا ممثلين من ذوي الخبرة في مجال حقوق الإنسان للقاء ضحايا الانتهاكات»، داعية إياه إلى «ضمان مساءلة مرتكبي هذه الجرائم عبر إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية». وأعربت عن اعتقادها بأن «القتال في إدلب بلغ مستوى النزاع المسلح حسب تعريف القانون الدولي، بالنظر إلى شدة القتال والمستوى التنظيمي لكلا الجانبين، بما في ذلك المعارضة المسلحة التي أمرت بعمليات انسحاب ونفذتها»، مؤكدة أن «الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني مصنفة بصفتها جرائم حرب».

وقالت نائبة مدير قسم البرامج وقسم الطوارئ في «هيومان رايتس ووتش» آنا نيستات: «بينما كان الدبلوماسيون يناقشون تفاصيل خطة سلام أنان، كانت الدبابات والمروحيات السورية تهاجم بلدات إدلب واحدة تلو الأخرى. أينما ذهبنا كنا نرى البيوت والمتاجر والسيارات المحترقة والمدمرة، وسمعنا شهادات الناس عن أقاربهم القتلى. وكأن القوات الحكومية السورية تستغل كل دقيقة متاحة لها قبل وقف إطلاق النار، في إلحاق الأذى بالناس».

ورأت نيستات أن «الأمم المتحدة من خلال لجنة تقصي الحقائق ومجلس الأمن، عليها أن تضمن عدم مرور الجرائم التي ارتكبتها قوات الأمن السورية بلا عقاب»، معتبرة أن «جهود خطة السلام في خطر الانهيار إذا استمرت الانتهاكات وراء ظهر المراقبين».

وفي تعليق على مضمون التقرير، قال عضو المجلس الوطني أديب الشيشكلي لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن «ما أورده التقرير لا يعادل واحدا في المائة من حقيقة الانتهاكات التي تحدث يوميا في سوريا»، معتبرا أنه «لو تسنى لمنظمات حقوق الإنسان الدولية الدخول إلى سوريا لتمكنت من تسجيل وتوثيق جرائم لا تقتصر على القتل والاعتداء والاغتصاب والسرقة فحسب؛ بل ترقى إلى كونها جرائم ضد الإنسانية».

ورأى أنه «في ظل التعتيم والحصار والمنع المفروض على وسائل الإعلام والمنظمات الإنسانية والحقوقية، تمكنت (هيومان رايتس ووتش) من توثيق هذه الانتهاكات خلال أسبوعين في ثلاث أو أربع قرى في إدلب، فماذا لو كان قد سمح لها بالدخول ومعاينة الانتهاكات ولقاء الضحايا وأهالي الشهداء؟!»، وأضاف: «إذا كان الوضع في إدلب بهذا الشكل، فماذا عن بابا عمرو وحمص وحماه وريف دمشق؟ وماذا عن السجون وما يحصل فيها من تعذيب واعتقال تعسفي».

وذكر الشيشكلي بأن «مبادرة أنان تنص في أحد بنودها على السماح للمنظمات الإنسانية والحقوقية بالدخول، لكن بند وقف إطلاق النار هو الوحيد الذي يخضع للمتابعة»، متهما «المجتمع الدولي بأنه يعطي النظام السوري الفرصة تلو الأخرى، مع درايته المسبقة بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ترتكب يوميا، وربما لم يشاهد مثلها العالم منذ أكثر من 80 عاما».

وكانت «هيومان رايتس ووتش» واستنادا إلى تسع وقائع منفصلة وثقها التقرير، لفتت إلى أن القوات الحكومية «أعدمت 35 مدنيا كانوا رهن الاحتجاز لديها، ووقعت أغلب عمليات الإعدام أثناء الهجوم على تفتناز، وهي بلدة يسكنها نحو 15 ألف نسمة، شمال شرقي مدينة إدلب، في يومي 3 و4 أبريل الماضي». ونقلت المنظمة عن أحد الضحايا الناجين من هجوم لقوات الأمن، قتل فيه 19 فردا من عائلة غزال في تفتناز، قوله خلال حديثه عن العثور على جثث أقاربه: «في البداية عثرنا على خمس جثث في متجر صغير بجانب المنزل، وكانت متفحمة بشكل شبه كامل، وتمكنا من التعرف على أصحابها فقط ببعض ما تبقى من ملابس عليها. وبعد ذلك دخلنا المنزل، وعثرنا على تسع جثث في إحدى الغرف، ووجدنا الكثير من الدم على الأرض، وأثارا للرصاص على الجدار. وكانت جميع الجثث تحمل إصابات بالرصاص على مستوى الظهر، وأحيانا على مستوى الرأس أيضا. ولم تكن الأيدي مغلولة، ولكنها كانت مشدودة إلى الخلف».

وفي حالات أخرى وثقتها «هيومان رايتس ووتش»، تبين أن «القوات الحكومية أطلقت النار على مدنيين فيما كانوا يحاولون الفرار من الهجمات، مما أدى إلى قتل وإصابة بعضهم»، موضحة أن «القوات الحكومية لم تميز بين المدنيين والمقاتلين وأخفقت في اتخاذ الاحتياطات المستطاعة لحماية المدنيين، كما أنها لم تتخذ الإجراءات الاحترازية الضرورية لتحذير المدنيين من الهجمات»، وفق ما أورده التقرير.

وذكرت المنظمة في تقريرها أنه «في بلدة سرمين، قام نشطاء محليون بتسجيل حرق 437 غرفة و16 متجرا، وتدمير 22 منزلا بشكل كامل. أما في تفتناز، فقد تم حرق ما يقارب 500 منزل بشكل كامل أو جزئي، وتدمير 150 منزلا بشكل كامل أو جزئي باستعمال نيران الدبابات وأسلحة أخرى». وأشارت إلى أنه «في أغلب الحالات، بدت عمليات الحرق والتدمير متعمدة، وكانت أغلب المنازل المحروقة لا يحمل أي أضرار خارجية، وهو ما يدحض فرضية تعرضها للقصف ثم اشتعال النيران فيها. إضافة إلى ذلك، كان العديد من المنازل التي شملها التدمير مدمرة بشكل كامل خلافا للمنازل التي بدا أنها تعرضت لقصف بقذائف مدفعية والتي بدت مدمرة بشكل جزئي فقط».

وقالت منظمة «هيومان رايتس ووتش» إن «قوات الأمن قامت أثناء العمليات العسكرية باعتقال عشرات الأشخاص بشكل تعسفي»، مشيرة إلى أن «مصير المعتقلين ومكان اعتقالهم يبقى في أغلب الأحيان مجهولين، وهو ما يثير مخاوف حول تعرضهم للاختفاء القسري».

وفي شهادات مؤثرة عن عمليات اعتقال وتصفية عدد من السوريين، نقلت المنظمة في تقريرها عن والدة محمد صالح شمروخ، وهو قائد هتافات من سراقب تم إعدامه على يد قوات الأمن السورية في 25 مارس الماضي، وصفها لعملية توقيف ابنها بالقول: «قيد الجنود يديه وراء ظهره. لم يضربوه أمامي، لكنني رأيت عينه مصابة بكدمات. حاولت أن أهدأ وأن أكون لطيفة مع الجنود، حتى يفرجوا عنه. أمضوا 15 دقيقة في البيت، يسألونه عن الأسلحة ويفتشون في كل مكان. أعتقد أنهم كانوا يبحثون عن النقود. لم أقل له وداعا حتى لا يحزن. لم يقل شيئا بدوره. عندما غادروا، قال الجنود إن علي أن أنساه».