زعيم «القاعدة» دعا لتشكيل «خلايا نائمة» من الطيارين في منطقة الخليج

الولايات المتحدة تنشر 17 وثيقة عثر عليها في منزل بن لادن

صحافي اميركي يقرأ احدى الوثائق التابعة لبن لادن على شاشة جهاز كمبيوتر في واشنطن أمس (أ.ف.ب)
TT

نشرت الولايات المتحدة أمس 17 وثيقة من أصل آلاف تم العثور عليها في منزل أسامة بن لادن في أبوت آباد في باكستان أثناء عملية الكوماندوز التي قتل فيها زعيم تنظيم القاعدة في الثاني من مايو (أيار) 2011.

وهذه الرسائل التي كتبها بن لادن أو تسلمها، ونشرت في صيغتها الأصلية وترجمت إلى الإنجليزية على موقع «مركز مكافحة الإرهاب» التابع للأكاديمية العسكرية في ويست بوينت، تشمل الفترة بين سبتمبر (أيلول) 2006 وأبريل (نيسان) 2011.

وصرح المركز بأنه سوف يتبع نشر الوثائق بتقرير يستعرض الظروف المحيطة بالوثائق، كما يعرض أيضا نظرة عامة على النقاط البارزة. ومن المتوقع أن تكون تلك هي أكبر مجموعة تم الحصول عليها من المواد المتعلقة بأعمال إرهابية على مستوى عال. وتشمل المواد مقاطع صوتية ومقاطع فيديو وملفات رقمية، إلى جانب وثائق مكتوبة بخط اليد، ومواد مطبوعة وأجهزة تنصت، بحسب ما قال مسؤولون أميركيون، لكن مقاطع الفيديو لم تتم إذاعتها أمس، وليس معروفا ما إذا كان من الممكن نشر مواد أخرى في وقت لاحق أم لا.

وفي رسالة مكتوبة بخط اليد إلى الشيخ محمود، وهو الليبي عطية عبد الرحمن، يؤبن فيها مصطفى أبو اليزيد (الشيخ سعيد المحاسب) القيادي المصري زعيم القاعدة في أفغانستان الذي قتل في قصف صاروخي لطائرة أميركية من دون طيار عام 2010، يقول بن لادن «لقد أمضى الشيخ سعيد ثلاثة عقود في ساحات الجهاد، وصمد صمود الجبال الراسيات ضد حملات العدو في وزيرستان»، كما أبّن أبو عمر البغدادي وأبو حمزة المهاجر قائدي ما يعرف بتنظيم دولة العراق الإسلامية.

وكلف بن لادن في رسالته الشيخ محمود بخلافة سعيد المحاسب في إمارة «القاعدة» في أفغانستان لمدة عامين بدءا «من تاريخ وصول رسالتي إليكم». ويقسم بن لادن العمل الجهادي إلى قسمين، مطالبا بأن يكون تطوير العمل الجهادي على محورين «العمل العسكري، ومحور الإصدارات الإعلامية». ولمح إلى أهمية استغلال الانتشار الواسع للفكر الجهادي لا سيما عبر الإنترنت. وطالب بن لادن بخروج قادة «القاعدة» من وزيرستان بعيدا عن ضربات الطائرات من دون طيار، وأخذ كل الاحتياطات الأمنية كاملة. وطالب في رسالته بترشح «أحد الإخوة ليكون مسؤولا عن عملية كبيرة في أميركا». وكان بن لادن يخطط لخلايا نائمة في منطقة الخليج، فيقول «يُنتخب عدد من الإخوة لا يتجاوز العشرة، ثم يتم إرسالهم إلى بلدانهم متفرقين، من دون علم أحدهم بالآخر، ليدرسوا الطيران، ويستحسن أن يكون هؤلاء الإخوة من دول الخليج، حيث إن تكاليف الدراسة على الدولة». ويضيف «كما ينبغي اختيارهم بعناية فائقة وبمواصفات دقيقة، ومن ضمن مواصفاتهم أن يكونوا راغبين في القيام بعمليات (فدائية)، وتمت تهيئتهم للقيام بأعمال جريئة ومهمة ودقيقة، قد نطلبها منهم في المستقبل».

وبالنسبة لتنفيذ العمليات الانتحارية يقول بن لادن «أرسلوا إلى الإخوة في جميع الأقاليم. أقل عدد يجب أن يكون اثنين. لقد جربنا الفردية في عمليات عدة كانت نسبة النجاح فيها منخفضة، بسبب العوامل النفسية التي تطرأ على الأخ إذا كان بمفرده عند تنفيذ العملية، وآخرها العلمية التي استهدف بها السفير البريطاني لدى اليمن، وقام بتنفيذها أحد إخواننا (يرحمه الله)، فمهما كانت شجاعة الأخ فإن العوامل النفسية التي تلازم الإنسان تستدعي عند التنفيذ وجود مرافق له يشد من عضده». وطالب بتشكيل مجموعتين جهاديتين في باكستان والأخرى في أفغانستان في منطقة باغرام، مهمتهما الترصد لزيارات الرئيس الأميركي باراك أوباما أو مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) ديفيد بترايوس، للقيام بعملية استهداف طائرة أي منهما، وطالب بعدم التعرض لبايدن نائب الرئيس الأميركي، أو لوزير دفاعه روبرت غيتس، أو المبعوث الخاص لأوباما في باكستان وأفغانستان ريتشارد هولبروك الذي توفي عام 2010 عن 69 عاما، مشيرا إلى أن «استهداف أوباما والتخلص منه سيجعل بايدن يتسلم رئاسة أميركا، بشكل تلقائي، في حين أن بايدن غير مهيأ البتة لهذا المنصب، مما سيدخل أميركا في أزمة».

وتكشف الوثائق عن الحس الأمني العالي لابن لادن، فهو يطالب في رسائله التقاء وسيطه لتسليم وتسلم الرسائل في إحدى الأسواق المغلقة كالأسواق الموجودة في المراكز التجارية، وأن يرفع حامل الرسائل القادم من وزيرستان تقريرا عن كل رحلة، يفيد فيه بأنه حدث تغيير ومستجد أمني من جهة التدقيق أو الاستجواب سواء قام به أشخاص محددون أو شمل جميع المارين، أو الاستبدال بعناصر التفتيش عناصر أكثر وعيا وانتباها من العناصر الموجودة». وبالنسبة للتعامل مع الصحافيين فقد استخدام الطريقة الآمنة في التواصل مع الإعلام وهي التعامل بالبريد «لأن الصحافيين قد يكونون مراقبين مراقبة لا نشعر بها نحن ولا هم، سواء أرضية أو عبر الأقمار الصناعية».

وتلقي هذه الوثائق ضوءا على قلق بن لادن من ابتعاد المسلمين ورفضهم لعقيدة «الجهاد» التي يؤمن بها التنظيم ويروج لها. وتبين الوثائق تحذير بن لادن من مخاطر تنفيذ عمليات وهجمات داخل العالم الإسلامي، والتركيز بدلا من ذلك على الولايات المتحدة. وتشير بعض الوثائق إلى أن التنظيم كانت له علاقات متوترة مع إيران، ولا توجد أي مؤشرات واضحة أو قوية عن وجود دعم مؤسساتي من باكستان. وناقش بن لادن في رسالة كتبت في أبريل من عام 2011 الربيع العربي، واعتبره «حدثا عظيما» في تاريخ المسلمين.

وكان رئيس هيئة مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض جون بيرنان قد ذكر في وقت سابق من هذا الأسبوع أن تلك الوثائق تدعم نظرة الولايات المتحدة القائلة بأن العالم سيكون أكثر أمنا من دون وجود بن لادن فيه. وأضاف بيرنان أن بن لادن اعترف «بكارثة إثر كارثة» تعرض لها تنظيمه في تلك الأوراق، بل إنه فكر في تغيير اسم التنظيم.

يقول بيتر بيرغن، محلل قضايا الإرهاب ومستشار محطة «سي إن إن» وأول مراسل غربي التقى بن لادن، إن الوثائق تشمل مراسلات كان بن لادن قد كتبها لقادة تنظيم القاعدة وقادة تنظيمات إرهابية أخرى. وعكف محللون استخباراتيون ومحللون في مجال مكافحة الإرهاب لشهور على دراسة تلك الوثائق، للبحث عن إشارات تدلهم على آليات العمل الداخلية لتنظيم القاعدة أو ترشدهم لأهداف مستقبلية محتملة.

وقال مسؤول في الاستخبارات الأميركية رفض ذكر اسمه الأسبوع الماضي «لقد ساعدتنا الملفات في تكوين فكرة أكبر عن الأجندة الاستراتيجية الخاصة بابن لادن، بالإضافة إلى نواياه وجهوده في البقاء على اتصال بشركائه». وأضاف المسؤول «وفرت لنا الوثائق كما هائلا من المعلومات حول استراتيجية تنظيم القاعدة وشخصيات من المرجح أن تظل مفيدة للتنظيم لسنوات قادمة، مثل ما وجدناه في الاستجوابات ومعلومات أخرى قمنا بجمعها، ذلك هو كل ما لدينا للرجوع إليه باستمرار حتى تكتمل الصورة».

ويضيف التقرير أنه كشف عن بعض الوثائق مؤخرا تظهر مدى هاجس بن لادن في سعيه لإدارة شبكات المجموعات المحبطة والمتناثرة لـ«القاعدة» في اليمن والصومال لاستعادة السيطرة على فصائل «المجاهدين» في سنواته الأخيرة. ويكشف نقلا عن مسؤولين أميركيين أن الآلاف من الوثائق التي ضبطت في المداهمات من المذكرات الإلكترونية والخطابات التي استحوذت على المحادثات بين بن لادن ومساعديه في مختلف أنحاء العالم، توضح أنه ليس لديه اتصال بالإنترنت، والوثائق المكتوبة باليد تتطلب فترة تصل إلى شهر لنقلها إلى الدوائر المطلوبة.

وينقل التقرير عن بروس ريدل، وهو مسؤول سابق في وكالة المخابرات المركزية لمكافحة الإرهاب، ومستشار للبيت الأبيض، أن «بن لادن لم يكن منعزلا عن العالم، كان يتلقى اتصالات من عناصر تنظيم القاعدة من جميع أنحاء العالم، وكان يوجههم لتنفيذ أي أعمال (إرهابية)».

ويعرض بن لادن في خطابات له تفسيرات قانونية بشأن ما إذا كان العمل «الإرهابي» مسموحا به بموجب الشريعة الإسلامية، مضيفا أنه عندما حاول الأميركي الباكستاني الأصل فيصل شاه زاد تفجير سيارة مفخخة في «تايمز سكوير» في نيويورك في مايو 2010، لاقى توبيخا من بن لادن، حيث خرج من عزلته التي فرضها على نفسه للتنديد بشاه زاد في وسط باكستان.

وشكا بن لادن في إحدى الرسائل من «الآثار السلبية» لصورة تنظيم القاعدة، معتقدا أن الهجمات داخل البلدان الإسلامية كانت سيئة لصورته العامة، مشيرا إلى أن الكثير من الجهاديين «تراجعوا عن خطاب القسم، وأنهم غدروا فينا في كل أنحاء العالم». وسعى إلى تغيير اسم التنظيم ليلقى قبولا أفضل عند المسلمين.