إسرائيل: حزب الليكود الحاكم يطرح قانونا لتقديم موعد الانتخابات إلى سبتمبر المقبل

انقلابات متوقعة في الانتخابات: أحزاب تكبر وأخرى تتقلص وتتمزق والرابح الأكبر حتى الآن هو نتنياهو

TT

بعد إعلان حزب الليكود عن نيته تقديم مشروع قانون لتبكير موعد الانتخابات 14 شهرا، أصبح الأمر محسوما. ومن المتوقع أن يقر الكنيست هذا القانون، بسرعة قياسية خلال يومي الاثنين والثلاثاء القادمين. وهكذا تكون حكومة بنيامين نتنياهو، التي تستند إلى ائتلاف قوي وثابت، قد بادرت إلى إسقاط نفسها بنفسها.

وكان هذا التطور متوقعا منذ عدة أسابيع، ولم تكن هناك معارضة له. في البداية حسبوا أنها مجرد مناورات حزبية وألاعيب شد حبل تقليدية بين السياسيين. ولكنهم الآن، وبعد تحول الأمر لخطوات عملية وجدية، بدأوا يتساءلون عن الحكمة وراء هذا القرار. فالانتخابات هي إجراء ديمقراطي محمود بلا شك، ولكن ينبغي أن تتم في موعدها. فهي مشروع ضخم، له مصاريفه الباهظة (120 مليون دولار، حسب التقديرات الأولية) ويتسبب في خسائر للاقتصاد ويشل الحياة السياسية ويعطل البرلمان لعدة شهور ويجمد النشاطات الدولية. ولذلك، ينبغي أن يكون سبب قاهر فقط لتقديم موعدها. وفي حزب الليكود يقولون إن السبب هو أن الحكومة مقبلة على مواجهة حدثين كبيرين يوجد حولهما خلاف عميق داخل الائتلاف ولذلك فإن نتنياهو قرر اللجوء للشعب حتى يحسم فيهما. الأول يتعلق بقانون الموازنة العامة، إذ إن الأحزاب تدير معارك مع وزارة المالية لخدمة وزاراتها ومصالحها الحزبية، والوزارة ترى أن الأمر سيورط إسرائيل في أزمة اقتصادية، نجحت حتى الآن في تفاديها على عكس دول الغرب. ولذلك فالانتخابات ستؤدي لاصطفاف جديد في الخريطة الحزبية وتشكيل ائتلاف يكون سهلا التوصل معه لتفاهمات مالية قبل الوصول إلى الحكم. وأما الموضوع الثاني، فيتعلق بما يعرف بـ«قانون طال»، وهو القانون الذي يجيز للجيش أن يعفي شبان الأحزاب والحركات الدينية المتزمتة (حريديم) من الخدمة العسكرية الإجبارية. فقد ألغت محكمة العدل العليا هذا القانون. والأمر يغضب الحزبين المتدينين الممثلين في الائتلاف. ولأن إلغاء القانون يلقى تأييدا في الشارع الإسرائيلي، ذي الغالبية العلمانية، فإن قادة الأحزاب يتبارون في تأييده. ونتنياهو يريد تأجيل الصدام مع حلفائه المتدينين إلى ما بعد الانتخابات، علما بأن تبكير موعد الانتخابات يؤدي إلى تأجيل إلغاء هذا القانون ثلاثة شهور أخرى، مما يتيح له أن يستغل هذه الفترة للمفاوضات.

ولكن، هناك أسباب أخرى تدفع نتنياهو إلى تبكير الانتخابات، لا يقولها هو ولا رفاقه في قيادة الحزب، أبرزها هبة الاحتجاج الاجتماعية الاقتصادية، التي اندلعت في الصيف الماضي وأثارت الهلع في نفسه. فمن المتوقع أن تستأنف في الصيف القادم. ولكن، إذا كان المجتمع الإسرائيلي مشغولا في الانتخابات، فإن الجمهور لن يسارع إلى المشاركة في الاحتجاج، خصوصا أن قسما من قادة هذه الحملة سينخرطون في العمل السياسي. وسبب آخر يتعلق بقوة نتنياهو وضعف خصومه. فتشير استطلاعات الرأي إلى أن الجمهور الإسرائيلي، رغم أنه غير راض عن سياسة نتنياهو، فإنه لا يجد بديلا عنه لدى قادة المعارضة. بل إن المعارضة غائبة تماما، والأمر يثير انتقادات واسعة في إسرائيل. وأسقط حزب «كديما»، أكبر الأحزاب في الكنيست (28 مقعدا)، رئيسته تسيبي ليفني لأنهم غير راضين عن أدائها واختاروا شاؤول موفاز على أمل أن يبدو معارضا حقيقيا. ونشأ حزب جديد «يوجد مستقبل» بقيادة الكاتب الصحافي والنجم التلفزيوني، يائير لبيد. وكان حزب العمل أيضا انتخب قائدا. ونتنياهو يريد إرباك الخصوم واستغلال حالة الانتظام الأولي لهم، كي يكسب أغلبية الأصوات. إلا أن السبب الحاسم، الذي بفضله طرح موضوع تبكير الانتخابات أول مرة قبل رئاسية ثانية، يتعلق بأمر يحدث بعيدا عن إسرائيل آلاف الكيلومترات، أي الانتخابات الأميركية. نتنياهو يخشى من احتمال فوز الرئيس الأميركي باراك أوباما بدورة رئاسية ثانية. فالرئيس في الدورة الثانية يكون أكثر تحررا في التعامل مع خصومه وأصدقائه. فإذا خاض نتنياهو الانتخابات في موعدها في نوفمبر (تشرين الثاني) 2013، هناك احتمال أن يمارس أوباما ضغوطا عليه في قضية المفاوضات والموضوع الإيراني. وجرب نتنياهو بنفسه مثل هذه الحالة خلال دورة حكمه الأولى (1996 - 1999)، خلال رئاسة بيل كلينتون. وتسبب الأمر في سقوط نتنياهو في الانتخابات وفوز إيهود باراك. لذلك يفضل نتنياهو أن يدير معركته الانتخابية في وقت يكون فيه أوباما مشغولا وغارقا في الانتخابات.

ويبدو أن الانتخابات ستحدث تغييرات في الخريطة الحزبية الاسرائيلية، وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الخريطة الجديدة ستشهد تكبير حزب وتصغير عدة أحزاب، وتفسخ أحزاب أخرى، والرابح من ذلك سيكون نتنياهو. ففي آخر استطلاع رأي نشر في صحيفة «هآرتس»، أمس، جاء أن 48 في المائة من الإسرائيليين يرون في نتنياهو أفضل شخصية لرئاسة الحكومة. وجاء بعده كل من رئيسة حزب العمل، شيلي يحيموفتش، 15 في المائة ورئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور لبرمان، 9 في المائة ورئيس حزب «كديما»، (9 في المائة).

وفي استطلاع جرى قبل يوم من هذا، في قناة التلفزيون التابعة للكنيست، جاء أن حزب الليكود برئاسة نتنياهو سيرتفع من 27 إلى 31 مقعدا، ويصبح أكبر الأحزاب بلا منازع. وهذا يلزم رئيس الدولة بأن يلقي مهمة تشكيل الحكومة فقط على نتنياهو. بالمقابل سيتفسخ «كديما» وتهبط مقاعده من 28 إلى 10، فتقيم ليفني حزبا جديدا سوية مع عدد من النواب المخلصين لها، أو تنضم وإياهم إلى حزب ثان. وسيحل «العمل» محله في المرتبة الثانية بارتفاع مقاعده من 8 إلى 18. وهناك حزبان جديدان مهمان يتوقع ظهورهما، الأول برئاسة لبيد ويتوقع له 11 مقعدا حتى الآن من الممكن أن ترتفع إلى 18 مقعدا في حال انضمام ليفني إليه. والثاني بقيادة أريه درعي، القائد السابق لحزب «شاس» لليهود الشرقيين المتدينين. فقد حاول درعي أن يعود إلى قيادة حزبه، لكن رئيس الحزب الحالي وتلميذه، إيلي يشاي، رفض التنازل لمعلمه، وتمنحه الاستطلاعات 4 مقاعد من بداية المعركة. والأمر المفاجئ في هذا الاستطلاع أنه يشير إلى هبوط ملموس في قوة الأحزاب اليمينية، التي يوجد لها اليوم أكثرية 67 مقعدا في الكنيست وستهبط إلى 61 مقعدا حسب آخر استطلاعين.. فحزب ليبرمان، يهبط من 15 إلى 13 مقعدا، وشاس من 11 إلى 7 مقاعد، وحزبا المستوطنين «البيت اليهودي» (3 مقاعد حاليا) و«الاتحاد القومي» (4 مقاعد حاليا)، يواجهان خطر عدم تجاوز نسبة الحسم والاختفاء من الساحة الحزبية.