شباب إسبانيا يهاجرون بحثا عن وظائف

البطالة بلغت 24% وكثيرون منهم يقصدون لندن المنتعشة مع اقتراب الأولمبياد

طلاب إسبان يتظاهرون ضد خطط التقشف في برشلونة.. تزامناً مع عقد البنك المركزي الأوروبي اجتماعاً في المدينة (أ.ب)
TT

بعد ستة أشهر من تسريحه من عمله في مجال هندسة المساحة، فاض الكيل بمانويل مارتن، الذي قال إن قطاع البناء في إسبانيا يحتضر، وإنه لا يتوقع مطلقا أن ينهض من كبوته في وقت قريب. وأثناء قيادتهما دراجة في ضواحي مدريد، لاحظ مارتن وصديق له لافتات تحمل عبارة «للبيع» أمام بعض المباني السكنية، وأشارا إلى مشروعات بناء تم وقفها. ويعتبر الوضع أسوأ في مناطق أخرى من البلاد.

وقال مارتن إنه يتطلع إلى شغل وظائف في مجال الهندسة في كندا أو ألمانيا أو الجزائر الغنية بالنفط. بل إن دورة الألعاب الأولمبية القادمة المقرر إقامتها في بريطانيا ربما توفر مخرجا من الأزمة. وقال مارتن الذي يسعى بالكاد لسداد قيمة رهنه العقاري معتمدا على مكافأة نهاية الخدمة وإعانات البطالة: «ثمة العديد من الوظائف في لندن».

وقد تحولت الأزمة الاقتصادية التي ترزح تحتها أوروبا منذ أكثر من عامين بدرجة كبيرة إلى أزمة وظائف. فقد ارتفع معدل البطالة في منطقة اليورو في مارس (آذار) الماضي إلى 10.9 في المائة مسجلا رقما قياسيا، صعودا عن نسبة 10.8 في المائة في فبراير (شباط) ومتمثلا في خسارة 169,000 وظيفة في الشهر الماضي، حسبما أفادت وكالة الإحصاءات «يوروستات» يوم الأربعاء. وارتفع معدل البطالة في الدول السبعة عشر التي تشترك في عملة اليورو بقيمة نقطة مئوية كاملة العام الماضي.

ويحذر اقتصاديون من أن فقدان الوظائف من شأنه خفض النمو بدرجة أكبر، مع تقليل العاملين الذين فقدوا وظائفهم، نفقاتهم وانخفاض طلبهم على السلع والخدمات عبر أنحاء المنطقة، إضافة إلى دفعهم ضرائب أقل لحكوماتهم المفلسة. وتتناقض المشكلات الأوروبية مع الانتعاش في الولايات المتحدة، حيث النمو الاقتصادي أقوى والاقتصاد يوفر مزيدا من الوظائف.

وقد زادت الأرقام المخاوف بين المحللين الاقتصاديين من احتمال أن تستمر أزمة أوروبا لفترة أطول، وأن تزداد حدتها بشكل يفوق المتوقع.

ويتحول الجدال السياسي من كيفية خفض ديون الحكومة إلى كيفية تشجيع النمو الاقتصادي. وينظر إلى الانتخابات المقبلة في اليونان وفرنسا باعتبارها مقاييس للمزاج الأوروبي العام. وتواجه الأحزاب الحالية في كلتا الدولتين تحديات عسيرة بعد دعم برامج التقشف التي تتزعمها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والتي يطالب بها صندوق النقد الدولي، في حالة اليونان.

ويمكن أن يأتي جزء من الحل لمشكلات البطالة في أوروبا من الهجرة، إذا غادر عاملون أمثال مارتن أوطانهم إلى بلدان أخرى تنخفض فيها معدلات البطالة. ومن بين دول منطقة اليورو، يتباين معدل البطالة بشكل هائل بين النمسا وإسبانيا، حيث يقدر في النمسا بنسبة 4 في المائة، بينما يقدر في إسبانيا بنسبة 24.1 في المائة.

ويمكن أن تساعد هجرة العاملين في تقليل الفوارق الشاسعة في معدلات البطالة في منطقة تشترك في عملة واحدة - سواء أ كان اتحاد عملة أم دولة واحدة. وسيكون الوضع مشابها لتدافع العاملين في شمال شرقي الولايات المتحدة بحثا عن فرص عمل في منطقة «الحزام الشمسي»، كما لم يفعلوا منذ وقت طويل.

ومستشهدة بأرقام من معهد الإحصاءات الوطني، أشارت صحيفة «إل باييس» الإسبانية إلى أن عدد الإسبان الذين غادروا البلاد في الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى سبتمبر (أيلول) من العام الماضي بحثا عن فرص عمل في دول أخرى يقدر بنحو 50,521 إسبانيا، بزيادة نسبتها 36 في المائة عن العام الأسبق.

تعمل بلانكا روخاس بالتدريس في إحدى مدارس التدريب الوظيفي في مدريد، وتقول إن الظروف قد أصبحت على درجة بالغة من السوء إلى حد أنه لم يعد بإمكانها إيجاد وظائف لطلابها في البرامج التدريبية. وتصر النقابات على أن أي وظيفة متاحة يجب أن تذهب إلى أعضائها. وعندما يقوم الطلاب بالتسجيل في برامج لتدريب فنيي الكهرباء والسباكين أو غير ذلك من الحرف التي تتطلب مهارة، تكون صريحة معهم عندما تخاطبهم قائلة: لا تتوقعوا إيجاد وظيفة بعد التخرج.

وقالت، بينما كانت تجر هي وزوجها عربة طفلهما الرضيع عبر ضاحية دي فاليكاس: «لا أتوقع أن تتحسن الأوضاع قبل خمس أو ست سنوات».

ومن جانبها، تواصل حكومة رئيس الوزراء ماريانو راخوي الضغط من أجل إدخال تعديلات على قواعد سوق العمل المحلية والتي يرى اقتصاديون أن إسبانيا بحاجة إليها من أجل توفير مزيد من الوظائف. ويعد تسريح العاملين عملية صعبة ومكلفة، كما أن إجراءات تأمين الوظائف الزائدة عن الحد تجعل الشركات تعزف عن تعيين موظفين.

ومن المتوقع أيضا أن يتسبب الركود في خفض الأجور والأسعار، وأن يؤدي، بمرور الوقت، إلى جعل الصادرات الإسبانية أكثر تنافسية وجعل الدول أكثر جذبا للمستثمرين والسائحين.

ومع مواصلة مارتن جولته بالدراجة، أشار إلى التلال المجاورة. وقال إن قطب الكازينوهات شيلدون أديلسون كان يفكر في استغلال هذا الموقع في إقامة منتجع تابع لمجمع «يوروفيغاس»، وهو مجمع يضم عدة فنادق تكلفته 20 مليار دولار من المنتظر إنشاؤه خلال عشر سنوات. وقد ذكر مسؤولون إسبان أنهم يعتزمون تخفيف بعض قوانين العمل والقوانين الضريبية المعمول بها في البلاد من أجل تأمين المشروع - يعتبر كل من مدريد وبرشلونة أنسب موقعين - وأيضا لتأمين عشرات الآلاف من الوظائف التي سيأتي بها.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»