«مليونيات» ثورة مصر.. مفرد يبحث عن صيغة للجمع

توحدت أسماؤها في عامها الأول وفرقتها المصالح في عامها الثاني

TT

من مليونية «جمعة الغضب» التي فجرت الثورة المصرية في 28 يناير (كانون الثاني) من العام الماضي، إلى مليونية جمعة «النهاية» التي يشهدها اليوم ميدان التحرير، أيقونة الثورة بالعاصمة القاهرة، دخل تاريخ مصر الوطني في معطف اللغة العربية بامتياز، حيث لعبت «التسمية»، بكل دلالتها ومحمولاتها السياسية والاجتماعية والشعبية دورا مهما في توحيد القوى والتيارات السياسية والحزبية تحت مظلة الثورة منذ انطلاقها ونجاحها في الإطاحة بنظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك.

ومثلما يقول المصريون في أمثالهم الشعبية «الجواب بيبان من عنوانه»، كان لافتا في البداية الحرص على الاختزال والوضوح والحسم في اختيار أسماء المظاهرات الحاشدة التي باتت تعرف بـ«المليونيات»، من كلمة مفردة واحدة، تشبه الطلقة المدوية، فتوالت أسماء من قبيل جمعة «الإصرار»، وجمعة «الحسم»، وجمعة «الرحيل»، وجمعة «النصر»، وانضوى تحت لوائها المصريون على اختلاف مشاربهم وأطيافهم السياسية، في صف واحد هدفه إنجاح الثورة والوصول بها إلى بر الأمان.

وفي غمار المشهد فتحت التسمية، مخزون النضال الشعبي، وحررته من هواجس الخوف والنكوص والانكسار، فارتفعت باسمها الرايات والأعلام سواء في ميدان التحرير بالقاهرة أو الميادين الأخرى في المحافظات.. وبجانب خاصية النضال تنوع إيقاع التسمية وفقا لمجريات الأمور، وتداعيات الأحداث تحت سقف الثورة، وتحوله إلى سلاح للحشد والمقاومة، فبدت التسمية وكأنها المفتاح الرئيسي والشرعي لكل الأبواب المغلقة والتي أصبحت مفتوحة ومشرعة على كل الاحتمالات، بقوة الثورة نفسها والأمل في أن تنجز مهامها لصالح الوطن والشعب.

وعلى غرار خبرة الحكمة اللغوية، خير الكلام ما قل ودل، انبرى الثوار في تجديد التسمية، وخلق مجالات إدراك حيوية لها، فجاءت مليونيات من قبيل جمعة «الدستور أولا» وجمعة «تصحيح المسار»، وجمعة «الغضب الثانية»، وجمعة «تسليم السلطة»، وجمعة «توحيد المطلب».. وغيرها، والتي رفع فيها المصريون شعارات تطالب بتحقيق أهداف الثورة كان من أهمها محاكمة رموز النظام السابق، وتطبيق قانون العزل السياسي على أعضاء الحزب الوطني المنحل، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وتعليق حالة الطوارئ، وتعويض أسر الشهداء وتكريمهم وعلاج المصابين، ووضع خارطة طريق واضحة للمرحلة الانتقالية.

ومع طول الفترة الانتقالية التي دخلت عامها الثاني وتهلهل عباءة الثورة وتشرذم وقودها في صراعات وتناقضات لا تنتهي من قبل التيارات والأحزاب والائتلافات الثورية، بالإضافة إلى هيمنة فصيل سياسي واحد على الحياة البرلمانية والحزبية، مع كل هذا، تصدع إيقاع التسمية، وتحول من حائط صد، ومظلة للحشد إلى ترف ثوري، يبحث عن جسد يحتويه، وعن فائض لغوي آخر يعيد للتسمية وهجها النبيل، بعد ما تحولت إلى مصالح متضاربة لأحزاب وقوى سياسية تعددت خنادقها واتسعت بينها هوة الشقاق بشكل ينذر بالخطر.

في هذا السياق تأتي مليونية اليوم (جمعة النهاية)، عقب أحداث ميدان العباسية الدامية قبل ثلاثة أيام وكأنها بمثابة شوط أخير، في فيلم الثورة، الذي اختلط في عدساته الممثلون وأشباه الممثلين، الموهوبون وأنصاف الموهيين، ولا يزال يبحث عن البطل الحقيقي وسط الجموع.