صراع سياسي قوي حول من سيخلف رئيسة الهند

المنصب ليس رمزيا كما يظن كثيرون.. وإرث باتيل يثير الجدل

رئيسة الهند باتيل، التي تقوم حاليا بزيارة دولة إلى جنوب أفريقيا، تحيي مستقبليها أثناء وصولها إلى البرلمان في كيب تاون أمس (أ.ب)
TT

مع بدء سباق انتخاب رئيس جديد للهند، بدأ قادة الحزبين السياسيين الرئيسيين في البلاد، حزب المؤتمر الحاكم وحزب «بهاراتيا جاناتا» المعارض، حشد الدعم من قبل أنصارهم وأحزاب أخرى أصغر، لجعل مرشحهم يحل مكان الرئيسة الحالية، براتيبها ديفيسينغ باتيل. وبعد انتهاء فترتها الرئاسية من 5 سنوات، تستعد باتيل، وهي أول امرأة تشغل هذا المنصب وتبلغ 77 عاما من العمر، لمغادرة مقر الرئاسة، القصر الذي يعود إلى حقبة الاحتلال البريطاني ويضم 360 غرفة والكائن في وسط نيودلهي، في يوليو (تموز) المقبل.

وعادة ما يشار لمنصب الرئيس في الهند باسم «الختم»، على اعتبار أنه منصب رمزي، لكن رغم ذلك فإن انتخاب الرئيس يكون دائما عملية سياسية كبيرة، والرئيس في الهند يتمتع في الحقيقة ببعض السلطات غير المقيدة، إذ يمكنه اختيار الحزب الذي توكل إليه مهمة تشكيل الحكومة على المستوى الوطني في حالة عدم وجود أغلبية مطلقة، كما يستطيع التصديق على مشروعات القوانين محل النزاع.

ويشير إم آر مادهافان، رئيس قسم الأبحاث بمركز «بي آر إس» للأبحاث التشريعية، وهو مركز بحثي يتخذ من نيودلهي مقرا له، إلى أن الرؤساء الهنود يتمتعون بقدر من السلطات يفوق ما يظنه كثيرون. ويشير إلى أنه في حال عدم حصول أي حزب على أغلبية واضحة في الانتخابات العامة، فإن بإمكان الرئيس تحديد أي حزب يجب أن يحاول منح الدعم للأحزاب الأصغر من أجل تشكيل حكومة. ويعد هذا السبب الرئيسي وراء الأهمية التي توليها الأحزاب لمن يقيم في راشتراباتي بهافان، المقر الرسمي لإقامة رؤساء الهند.

وطرحت بعض الأسماء للمرشحين المحتملين، أبرزهم الرئيس السابق، أبو بكر زين العابدين عبد الكلام، وهو عالم ومهندس ببرنامج التسلح النووي والصاروخي الهندي. وقد ظل عبد الكلام طوال فترة رئاسته معروفا بلقب زعيم الشعب، من منظور غير سياسي، وبأنه رجل الأمة المفضل، وترك مقعد الرئاسة في عام 2007. وسط وداع حزين من جموع الشعب.

ومع اكتساب الأحاديث الدائرة عن عودة عبد الكلام إلى قصر راشتراباتي بهافان زخما، لم يخرج عبد الكلام نفسه من السباق. «دعونا ننتظر لبعض الوقت.. بعدها وجهوا أسئلتكم إلي»، هذا ما قاله عبد الكلام، عندما سأله صحافيون ما إذا كان على استعداد للترشح لفترة رئاسة ثانية. وفي الانتخابات الرئاسية في عام 2007، طرحت أحزاب أصغر اسم عبد الكلام لخوض السباق، لكنه انسحب في اللحظة الأخيرة في ظل غياب الإجماع عليه. ومن الأسماء الأخرى المطروحة، نائب الرئيس الهندي حميد أنصاري، ووزير المالية المحنك، براناب موخيرجي، ورئيس البرلمان الهندي، ميرا كومار، وكلهم قد يكونون مرشحين محتملين لحزب المؤتمر الحاكم. ينتخب الرئيس الهندي من قبل هيئة انتخابية تتألف من الأعضاء المنتخبين من البرلمان بمجلسيه والجمعيات التشريعية بالولايات. وعلى عكس المرة السابقة، فإن حكومة الائتلاف الهندية، التي يرأسها حزب المؤتمر، ويقودها رئيس الوزراء مانموهان سينغ، لا تملك العدد الكافي من الأعضاء في البرلمان أو بالهيئات التشريعية في ولايات الهند الثماني والعشرين لاختيار رئيسها. ويواجه حزب المؤتمر، الذي أنهكت قواه الفضائح، أصعب اختبار سياسي – وهو إمكانية الدفع بمرشح في سباق الانتخابات الرئاسية وسيتعين عليه الاستقرار على مرشح توافقي. وبالنظر إلى حقيقة أن أي حزب سياسي لا يملك أغلبية مطلقة في الهيئة الانتخابية الضخمة، فإن الأحزاب الأصغر تملك مفتاح انتخاب الرئيس الثالث عشر للهند. وتضم هذه الأحزاب «درافيدا مونترا كاجاغام» و«مؤتمر ترينامول»، الحليفين الرئيسيين لحزب المؤتمر الحاكم في الحكومة، إضافة إلى الجماعات السياسية الإقليمية، مثل حزب «ساماجوادي»، الذي يحكم ولاية أوتار براديش في الوقت الحالي، وحزب «باهوجان ساماج»، وحزب «أول إنديا أنا درافيدا مونترا كاجاغام» في تاميل نادو، وحزب «بهاراتيا جاناتا دال» في بيهار.

وبينما لا تزال الحكومة صامتة بشأن خيارها المحتمل، فإن المعارضة لم تنبس هي الأخرى ببنت شفة عن هذا الأمر. في المعتاد، يتفق الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة على مرشح توافقي للرئاسة. غير أن حزب «بهاراتيا جاناتا» المعارض نأى بنفسه عن دعم أي مرشح من حزب المؤتمر لتولي منصب الرئيس.

وقالت زعيمة حزب بهاراتيا جاناتا المعارض في البرلمان الهندي، سوشما سواراج، لوسائل الإعلام: «لن نقبل بأي مرشح من حزب المؤتمر لتولي منصب الرئيس. نحن لا نرغب في أن يظن الناخبون الهنود أننا متحالفون مع حزب المؤتمر»، في إشارة إلى الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في عام 2014.

شككت قائدة حزب «بهاراتيا جاناتا» في مؤهلات أنصاري، نائب الرئيس، التي تخول له تولي المنصب الدستوري الأعلى، قائلة إنه «يفتقر إلى المكانة» التي تؤهله للمنصب. غير أن حزب بهاراتيا جاناتا خرج على الملأ وأعلن دعمه لترشح الرئيس السابق عبد الكلام خلفا للرئيسة الحالية باتيل.

كانت هناك تكهنات قوية من جانب وسائل الإعلام بشأن دعم أحزاب «ساماج وادي» و«أول إنديا أنا درافيدا مونيترا كاجاغام» (إيه آي إيه دي إم كيه) وحزب «مؤتمر ترينامول» لإعادة ترشح عبد الكلام. وقالت سواراج: «إذا دعم حزب (ساماج وادي) عبد الكلام، فقد يتخذ حزب (بهاراتيا جاناتا) رد فعل إيجابيا. نحن راضون عن عبد الكلام، لكن عليه أن يوافق على دخول المنافسة. لن يؤيد حزبنا مطلقا ترشيح أنصاري وموخيرجي». ومن الغريب أن بعض الأصوات من داخل الائتلاف الحاكم، مثل رئيس حزب المؤتمر القومي، شاراد باوار، أشار إلى أن المرشح القادم يجب أن يكون شخصية غير سياسية. وجاء تعليق باوار على خلفية ذيوع أخبار مفادها أن الحكومة تعتزم الدفع بمرشح من حزبها للمنصب. وقد ذكر حزب «بهاراتيا جاناتا» أيضا أنه يريد أن يكون الرئيس مرشحا صاحب سجل نظيف. ويشار إلى أن الرئيسة الحالية قد تورطت في الكثير من القضايا الرئيسية المثيرة للجدل خلال فترة توليها منصبها.

ومع اقتراب مدة ولاية باتيل من الانتهاء، يدور جدل حول إرثها الرئاسي. فمنذ لحظة إعلان ترشحها، تحدثت الصحافة عن الرئيسة باتيل بشكل سلبي. وأجبر وزير، يدعى أمين خان، على الاستقالة بعد أن نقل عنه قوله إن باتيل قد كوفئت على ولائها وعلى إعدادها الطعام والشراب بمنزل نهرو غاندي. ويتساءل محللون سياسيون في الهند حول أفضل ما ستذكر به فترة السنوات الخمس التي قضتها باتيل في راشتراباتي بهافان: هل سيكون اختيارها المفاجئ لشغل هذا المنصب، أم رحلاتها الكثيرة للخارج التي كبدت خزانة الدولة مبالغ طائلة، أو ربما الرجل في حياتها (زوجها وابنها) اللذان استغلا منصبها في تحقيق مصالحهما الشخصية. ويرى كثيرون أن أفضل ما ستذكر به باتيل ربما هو أنها كانت أول امرأة تتولى منصب الرئيس في الهند.

وكانت باتيل قد ظهرت في عام 2007، كمرشحة مفاجئة لتحل محل عبد الكلام. ويقول المؤرخ الاجتماعي راماشاندرا غوهاغ: «بعد الرؤساء الثلاثة الأوائل الذين كانوا علماء ومنشئي مؤسسات، لم نر رؤساء يمكن القول إنهم يتمتعون ببعض السمات العظيمة إلى أن أتى كوشيريل رامان نايارنان وأبو بكر زين العابدين عبد الكلام». ويضيف: «لا أود أن أحط من شأن أي فرد هنا، لكني أعتقد أن اختيارها في حد ذاته يعد بمثابة تعليق على طبقتنا السياسية. كانت أبرز سماتها المميزة خلال حياتها السياسية ولاؤها الثابت لسلالة نهرو - غاندي وطبيعتها الطيعة».