مترو أنفاق القاهرة: عالم مختلف تماما عن الموجود فوق الأرض

الوحيد الذي يعمل بكفاءة وانتظام في مدينة حائرة بين الفوضى والعقبات

رصيف إحدى محطات قطارات الأنفاق بالقاهرة (نيويورك تايمز)
TT

بالقرب من المصانع المغطاة بالغبار في نهاية خط مترو الأنفاق، خرج اثنان من عمال اليومية من إحدى العربات، وهما خائفان من العودة إلى الحياة فوق الأرض.

لقد نقلهما المترو في فترة وجيزة عبر المدينة، أسفل العاصمة المليئة بالفوضى والعقبات التي تصيبك بالجنون، متنقلا بيسر من محطة إلى أخرى. أما الجزء المتبقي من الطريق، الذي يقطعانه داخل «ميكروباص» أو سيارة عادية، فهو الجزء غير السار في رحلة العودة إلى المنزل.

يقول أحد الرجلين: «المواصلات أصبحت مرهقة أكثر من العمل».

وفي هذه المدينة المتقلبة معظم الوقت، يعتبر المترو بمثابة المعجزة، ونظرا لما يتمتع به من الكفاءة والانتظام، فكثيرا ما يشار إليه بأنه الشيء الوحيد الذي يعمل دائما.

وهذا الأمر ليس بجديد، لكن الإحساس بقيمته ازداد كثيرا خلال العام الذي أعقب إسقاط الرئيس السابق حسني مبارك، وهي فترة عمت فيها الفوضى والارتباك، مع اختفاء قوات الشرطة، وانتشار المسيرات والمظاهرات الشعبية، ومعاناة المصريين في تحديد اتجاهاتهم.

وانتشرت مزحة كالنار في الهشيم تعكس ضيق صدر الناس بالفوضى، وتنسب إلى الثورة أنها حققت تغييرين مثيرين للأعصاب، وهما إضافة رقم إلى أرقام الهواتف المحمولة في مصر بصورة مفاجئة، وتغيير ترددات القنوات الفضائية.

لكن القطارات ظلت جديرة بالاعتماد عليها، حيث لم يحدث أي تغيير في مترو الأنفاق، باستثناء تغيير اسم إحدى محطات وسط البلد، التي تغير اسمها من «مبارك» إلى «الشهداء».

يقول محمد أحمد، أحد الركاب البالغ من العمر 20 عاما: «لو حدثت أزمة في المترو، لقام الناس بثورة أخرى». أما فوق الأرض، فالأزمات كثيرة ومتعددة، حيث قتل 11 شخصا على الأقل الأربعاء الماضي أثناء الصدامات، وأوقف بعض مرشحي الرئاسة حملاتهم الانتخابية تضامنا مع الأسر التي فقدت أبناءها، كما علق البرلمان المصري جلساته هذا الأسبوع احتجاجا على تكرر إخفاقات الحكومة، وقامت السعودية بسحب سفيرها وإغلاق سفارتها بالقاهرة بعد المظاهرات التي حدثت خارج مقر السفارة.

وخلال الأسابيع الأخيرة، دخل سائقو النقل العام في عدة إضرابات، وحدث نقص شديد في أسطوانات الغاز. وكل يوم، من دون توقف، تتعطل سيارة «فيات» قديمة، محدثة شللا تاما في حركة المرور في بعض مناطق القاهرة. وأثناء أحد إضرابات النقل العام الأخيرة، امتلأت قطارات مترو الأنفاق بالناس، الذين جاءوا هربا من الفوضى الموجودة بالأعلى، ليدخلوا إلى عالم مواز يتسم بالنظام والانضباط مقابل جنيه واحد فقط (نحو 16 سنتا).

وخارج المحطات، تمتلئ الساحات العامة بالباعة الذين يبيعون الفراولة وبطاقات الهاتف الجوال والجوارب، كما توجد في كثير من المحطات ملصقات دعائية لمرشح الرئاسة حازم صلاح أبو إسماعيل، الذي انتشرت صور وجهه الملتحي والمبتسم في كل مكان، قبل الإعلان مؤخرا عن استبعاده من سباق الرئاسة نظرا لأن والدته تحمل الجنسية الأميركية. ويتخذ المحبون من المقاعد الموجودة على أرصفة المحطات ملاذا لهم، وهي نوعية من الخصوصية تفتقر إليها مدينة يسكنها 18 مليون نسمة.

وبعض القطارات قديم للغاية، حيث يعود تاريخها إلى وقت افتتاح مترو الأنفاق، عام 1987، بستائرها الخشبية التي تغطي النوافذ من الخارج، والتي تذكرك بمباني القاهرة الأثرية المزخرفة. ويقول البعض إنهم، حينما تكون القطارات خالية، يشعرون بالحنين إلى الترام القديم.

ولكن في ساعات الذروة، لا يكون هناك أي حنين، بل فقط ذلك الازدحام المروري الذي يكرهه المارة في جميع أنحاء العالم. ويستقل المترو ثلاثة ملايين راكب يوميا، بحسب ما ذكره أحمد عبد الهادي، المنسق الإعلامي بالهيئة القومية للأنفاق. وسوف يساعد إنشاء الخط الثالث لمترو أنفاق القاهرة، الذي يتم العمل به حاليا، على نقل الركاب لمسافة كبيرة من منطقة إمبابة الشعبية وصولا إلى المطار، مما يوفر بديلا للطرق والكباري العلوية المكتظة.

ويقول عبد الهادي، متباهيا بخدمة لا تغطي في الواقع سوى رقعة ضئيلة من البلاد: «لو توقف مترو الأنفاق، فسوف تتوقف مصر كلها. إنه أسرع وأرخص وآمن وسيلة مواصلات في البلد».

ويشير عبد الهادي إلى أن الخط لم يتأثر كثيرا بالإضرابات العمالية المتكررة التي أعقبت الثورة، غير أن ناشطين عماليين يرون أن مترو الأنفاق نفسه الذي يتباهون به لم يسلم من ذلك، حيث دخل العاملون به في عدة اعتصامات منتظمة طيلة الأسبوع الماضي، تعبيرا عن شكواهم من عدم احترام رئيس الهيئة الجديد للوعود السابقة بزيادة الأجور والمكافآت.

وحتى الآن، لم يحاول العمال، الذين لا يشملون سائقي القطارات، التوقف عن تقديم الخدمة، حيث يقول الكثيرون منهم إنهم قلقون من تأثير ذلك على حالة البلد.

وقد صرح حسام النبوي، نائب رئيس اللجنة النقابية للعاملين بمترو الأنفاق، بأن السائقين كانوا يبطئون العمل في الماضي، وحذر قائلا: «ليس الآن، ولكن إذا كانت المعاملة سيئة، فإن النظام بأكمله سوف ينهار».

وحتى الآن، ما زالت القطارات تتحرك، مليئة بالأحاديث الجانبية والنقاشات الحماسية. ففي أحد القطارات المزدحمة، اختلف رجل من مؤيدي حكم المجلس العسكري في مصر، ولكن بصورة مهذبة للغاية، مع رجل آخر من مؤيدي الأحزاب الإسلامية.

قال الأول: «الجيش هو الشريك الأساسي في الحكم في مصر».

رد المؤيد للإسلاميين: «لكننا أبرمنا معهم صفقة لحكم البلد بصورة مؤقتة. من لديه الأغلبية الآن؟ أخبرني».

كان الرجل المؤيد للجيش قد وصل إلى محطته، وودعه الراكب الآخر بحرارة قائلا: «انتبه لنفسك. أرجو أن تعود المواصلات إلى العمل».

وبعض النقاشات يكون أقل تحضرا من هذا. ففي يوم الأحد الماضي، بينما كانت آلاء أحمد (21 عاما) في طريقها لتستقل القطار، اقتربت منها امرأة مسنة وسألتها عن شكل الحجاب الذي ترتديه؛ لماذا تعقد الحجاب على الطريقة الإسبانية وتترك أطرافه مثنية حول رقبتها؟ واستنكرت المرأة تلك الطريقة.

وعقبت آلاء على ذلك الموقف، بعد وقت قصير من حدوثه، قائلة: «سألتها: (وما الذي يقلقك في هذا؟) هذا أمر بيني وبين الله».

وبحسب رواية آلاء، فقد دعت عليها المرأة قائلة: «لينتقم منك الله». وأكدت آلاء، بينما كانت جالسة مع صديقتها على أحد المقاعد على الرصيف، أنها تفضل الذهاب إلى العمل بسيارتها.

وعلى رصيف محطة «المظلات»، قال حسين محمد (26 عاما) إنه في عجلة من أمره، لكنه وافق على البقاء لبضع دقائق، تحدث خلالها عن آماله بعد الثورة والأشهر الانتقالية العصيبة التي تلتها، بينما كانت القطارات تدخل المحطة بهدوء كل بضع دقائق، بمعدل أسرع من خطوط المترو المتهالكة في نيويورك أو لندن.

ثم اعتذر قائلا إنه مضطر حقا للانصراف، حيث كانت زوجته في حالة وضع.

وقال بينما كان قطار آخر يقترب، بعد أربع دقائق من سابقه: «لا بأس. سوف ألحق بها».

* قام بإجراء الحوارات مي الشيخ

* خدمة «نيويورك تايمز»