فتور حماس الصرب تجاه الانضمام إلى أوروبا

إحباط شعبي بسبب البطالة والفساد يخيم على الانتخابات العامة اليوم

امرأة تمر أمام صور انتخابية في إحدى ضواحي بلغراد أمس عشية الانتخابات العامة (أ.ب)
TT

أشعل إيفيكا داسيتش، الذي يشبه رجل صربيا القوي سلوبودان ميلوسيفيتش، الحماسة بين مؤيديه المحتشدين في ملعب رياضي هنا الأسبوع الماضي، واعدا بحماية الصرب من الرأسمالية المتوحشة، محذرا من استخدام العنف ضد الصرب في كوسوفو. وكان ذلك كأنه رد على هجوم على بلغراد. وقال داسيتش، زعيم الحزب الاشتراكي، يوم الأربعاء الماضي: «قد تكون هذه بلدة صغيرة، لكن اللون الأحمر لا يزال موجودا» في إشارة إلى جذور الطبقة العاملة في هذه البلدة. وقال: «نحن نتحدث اللغة الصربية حتى يفهمنا العالم أجمع»، ليهتف الجمع من الشباب وعمال مناجم الفحم المتقاعدين استحسانا. ومن مكبر صوت صدحت كلمات النشيد الوطني «أيها الأبطال استعدوا للمعركة».

ويستعد الصرب إلى التصويت في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستجرى هنا اليوم (الأحد). ويحظى داسيتش، 46 عاما، الذي يتمتع بقبول كبير ويترنم بأغاني فرانك سيناترا ويرى في باراك أوباما وفلاديمير بوتين ورئيس يوغوسلافيا السابق، بروز تيتو، مثلا أعلى، بدعم كبير من القوميين والبراغماتيين ويدعو إلى العدالة الاجتماعية. واستغلالا للغضب الشعبي العارم من سياسيي البلاد، طور شعار ميلوسيفيتش في الماضي من «لا يحق لأحد هزيمتك» إلى «لا يحق لأحد الكذب عليك». ومن المتوقع أن يفوز داسيتش، وزير الداخلية الصارم في الحكومة الائتلافية الحالية والتي يحظى رئيسها، بوريس تاديتش، بدعم الولايات المتحدة، في الانتخابات ويصبح رئيس الوزراء القادم. ومن المرجح ألا يتمكن أي من الحزبين الرئيسيين في البلاد، حزب الديمقراطيين الذي ينتمي إليه تاديتش، والحزب التقدمي، الذي ينتمي إليه توميسلاف نيكوليتش، رئيس مراسم الجنازات السابق الثوري الذي يعيد تقديم نفسه كداعم لأوروبا، من تشكيل حكومة من دونه. وأوضحت آخر استطلاعات رأي تقارب حظوظ فوزهما بالانتخابات الرئاسية التي يتوقع أن تسفر عن جولة إعادة في 20 مايو (أيار). وتعد شعبية داسيتش المتزايدة مؤشرا على رفض حكومة تاديتش، الذي يحظى بقبول بروكسل وواشنطن وقاد بلاده خلال رحلة انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي خلال مدة رئاسته ذات الأعوام الثمانية. ومع ذلك واجه انتقادات بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية للبلاد، التي يبلغ معدل البطالة بها 24 في المائة، وتهم الفساد وكذلك تقييد حرية الإعلام التي لم تشهدها البلاد منذ ميلوسيفيتش. وسعى داسيتش، المتحدث السابق باسم ميلوسيفيتش، إلى تحويل حزبه القديم إلى حزب اشتراكي ديمقراطي متخليا عن الآيديولوجية القديمة المحرضة على العنف، بل والتغني القديم بكرامة صربيا. وأكد خلال مقابلة معه أنه لا يمثل صورة منسوخة من الحاكم السابق، حيث قال: «لا يمكن إعادة إنتاج تلك الحقبة».

وإثباتا لهذا التوجه، دعم عضوية صربيا في الاتحاد الأوروبي والعلاقات الوطيدة مع الولايات المتحدة، لكنه حذر في الوقت ذاته من احتمال عودة علاقات صربيا مع روسيا إذا أصرت الكتلة على أن يكون اعتراف بلغراد بكوسوفو شرطا للحصول على العضوية. وفي تصريح مثير آخر لن يحظى على الأرجح بترحيب بروكسل أو واشنطن، أشار إلى أن تقسيم كوسوفو، التي أعلنت استقلالها عن صربيا عام 2008، قد يكون حلا مناسبا للانقسامات بها. وصرح حلف شمال الأطلسي الجمعة بأن قوات حفظ السلام ستسعى إلى الحفاظ على السلام الحذر في منطقة شمال كوسوفو التي يهيمن عليها الصرب الذين لا يعترفون بسلطات كوسوفو ومن المقرر أن يدلوا بأصواتهم. ووافقت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا على مراقبة الانتخابات البرلمانية والرئاسية في كوسوفو وليس انتخابات المجالس المحلية التي تعهد بعض الصرب بإجرائها، وحذرت كوسوفو منها مهددة باستخدام العنف لمنعها. وتأتي الانتخابات في لحظة حرجة بالنسبة إلى صربيا. فبعد 13 عاما على قصف حلف شمال الأطلسي لبلغراد لوقف قتل ألبان كوسوفو، دعي هذا البلد الفقير إلى الترشح للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في مارس (آذار) الماضي.

ووضعت هذه الخطوة نهاية لما يزيد على عقدين من النبذ عقب الانفصال الدموي عن يوغوسلافيا السابقة. ويرى الغرب أن انضمام صربيا ودول البلقان إلى الاتحاد الأوروبي أفضل طريقة للتغلب على العداء العرقي الذي أشعل الحروب في منطقة البلقان خلال فترة التسعينات والتي أسفرت عن مقتل 125 ألفا على الأقل.

وفي إطار مساعيها للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، زادت الدولة من تعاونها في تعقب المشتبه بهم في جرائم الحرب بما في ذلك تسليم راتكو ملاديش، الجنرال البوسني الصربي المتهم بارتكاب جرائم حرب إلى لاهاي العام الماضي. ووقعت الدولة في فبراير (شباط) على اتفاق لتحسين العلاقات مع كوسوفو كشرط للترشح لعضوية الاتحاد الأوروبي وهو ما يعد بمثابة دواء مر بالنسبة لكثير من الصرب.

ومع كل هذه الفرحة والابتهاج للحصول على دعوة الانضمام إلى النادي الأوروبي، يقول الكثير من الصرب إنهم يائسون، حيث أوضح استطلاع رأي أجرته شركة «إيبسوس» البحثية، أن 64 في المائة من الصرب يرون أن البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ، مشيرين إلى أن مصدر قلقهم الأساسي هو ارتفاع معدل البطالة والفساد. وعلى الجانب الآخر، أوضح الاستطلاع تراجع نسبة الـ73 في المائة من الصرب الذين أيدوا انضمام بلادهم إلى الاتحاد الأوروبي عام 2009 بمقدار النصف اليوم.

وفي ظل الأزمة المالية التي تعصف بأوروبا، يعاني الاتحاد الأوروبي من عبء التوسع، ويرى محللون أن صربيا لن تتمكن من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي قبل عشرة أعوام. ويقول الكثير من الصرب إنهم سئموا الانتظار. كذلك لا يرى الصرب، الذين يبلغ متوسط راتبهم الشهري نحو 525 دولارا، أي معنى في التوجه قدما نحو أوروبا بما في ذلك ميزة دخول الدول الأوروبية من دون تأشيرة التي حصلوا عليها عام 2009 لعدم قدرتهم على شراء تذكرة الطيران.

وقال سريكو شكيلجيك، المدون المؤيد لأوروبا والناشط الاجتماعي، 33 عاما، إنه انتخب تاديتش المنتمي إلى الحزب الديمقراطي منذ أربعة أعوام رغبة منه في رؤية صربيا تتجاوز ماضيها. وهو يقول اليوم إنه أصيب بالإحباط بسبب الركود الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد والفساد مما سيدفعه إلى عدم تأييده. وأشار نحو مائة ألف صربي أو 4 في المائة من الناخبين إلى إبطالهم أصواتهم يوم الانتخاب، بحسب مركز الانتخابات الحرة والديمقراطية الذي يراقب الانتخابات. وأضاف: «علي الاختيار بين الحزب الديمقراطي الفاسد وجيش الظلام»، في إشارة إلى الأحزاب السياسية الأخرى التي تخوض المنافسة. وقال: «لن أمنح أحدا صوتي».

وفي مؤشر إيجابي أثنى الكثير من المحللين على تاديتش الذي اعتذر لضحايا أعمال العنف المرتكبة من قبل الصرب خلال حروب البلقان في محاولة للوصول إلى مصالحة في المنطقة. وفي مؤشر على تلقي الجزاء على ما حدث بعد عشرين عاما من بداية الحرب في البوسنة، تم تعليق صور لملاديش، الذي لا يزال بطلا، باعتباره شخصا مطلوبا للعدالة وعلى الصور اسم شارع أستانيكا، حيث توجد محكمة جرائم الحرب الصربية. ومع ذلك لا توجد الكثير من المؤشرات الباعثة على التفاؤل.

ويقول محللون إن اقتصاد صربيا مثل باقي الدول الأوروبية هو الدافع الأساسي وراء حالة الانزعاج الحالية. ويعد النمو ثابتا ومن المتوقع أن يزداد فقط بنسبة 0.5 في المائة العام الحالي. وخسر نحو 250 ألفا وظيفتهم منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2009. ربما يكون داسيتش من أكبر المستفيدين من هذا السخط بين الناخبين، حيث قال في مقابلة إنه قد يجري محادثات خاصة بتشكيل حكومة ائتلافية مع الديمقراطيين عقب الانتخابات، مشيرا إلى احتمال قدرة تاديتش على حشد دعم كاف يمكنه من البقاء في السلطة. ومع ذلك ربما يلجأ تاديتش إلى نيكوليتش الذي تخلى عن حزب اليمين المتطرف عام 2008 والذي يمكن أن يفوز حزبه التقدمي بأغلب الأصوات. وفي كلتا الحالتين بدا داسيتش سعيدا بفكرة تغيير الوضع الراهن. وقال: «يقول كل من تاديتش ونيكوليتش إنهما لن يصوتا لصالح أحزاب ضعيفة، لكنهما سيأتيان إليّ في النهاية. لن تعود الأمور إلى سابق عهدها مرة أخرى».

* خدمة «نيويورك تايمز»