غوانتانامو: خالد شيخ محمد وزملاؤه يثيرون الفوضى في المحكمة العسكرية

رفضوا الإجابة عن أسئلة القاضي وصلوا في قاعة المحكمة > رمزي ابن الشيبة: ربما سيقتلونني ويزعمون إنني انتحرت

خالد شيخ محمد أمام جلسة سابقة للجان العسكرية في غوانتانامو.. بريشة الرسامة الأميركية جانيت هاملين (إ.ب.أ)
TT

فوجئت أول جلسة لمحاكمة خالد شيخ محمد وزملائه الأربعة المتهمين بتدبير هجوم 11 سبتمبر (أيلول) 2001، برفض المتهمين الخمسة الإجابة عن أسئلة إجرائية من القاضي. وركعوا يصلون في خطة مسبقة، وفي تحدّ واضح للمحاكمة. وفي الحال، تعثرت الإجراءات. وخلع محمد وزملاؤه السماعات التي تقدم ترجمة باللغة العربية، ورفضوا الإجابة عن أي أسئلة من قاضي المحكمة العسكرية، الكولونيل جيمس بول.

ثم نهض اثنان من المتهمين، وصليا جنبا إلى جنب بالقرب من منصة الدفاع، بينما كانت الشرطة العسكرية تراقبهما، وتراقب المكان. وأسرع الجنود، وقيدوا وليد بن عطاش على كرسيه حيث كان يصيح ويتحرك. ثم أطلقوا سراحه بعد موافقته على التصرف الحسن.

في نفس الوقت، اشتكى المحامون لجميع المتهمين من أن المتهمين مُنعوا من ارتداء الملابس المدنية التي يختارونها.

وكان شيخ محمد يرتدي عمامة بيضاء، وقد تدلت لحيته الكثيفة، التي كانت في صور سابقة بيضاء مختلطة بسواد، وصارت حمراء بعد أن وضع عليها ما يبدو أنه حنة, فيما صرخ رمزي ابن الشيبة بخليط من العربية والانجليزية بقوله ربما سيقتلونني ويزعمون إنني انتحرت.

وقال ديفيد نيفين، محام مدني لشيخ محمد، إن شيخ محمد لم يجب عن أسئلة القاضي لأنه يؤمن بأن المحكمة غير عادلة.

وقال جيم هارينغتون، محام مدني لرمزي بن الشيبة إن موكله لن يجيب عن الأسئلة «دون معالجة المسائل المتعلقة باعتقاله»، من دون أن يقدم أي تفصيل. ثم حذر القاضي الجميع بأنه لن يوقف المحاكمة، وأنه سيستمر حتى إذا لم يشارك المتهمون. وقال: «لا يمكن لأحد أن يرفض المشاركة لوقف المسار العادي للمحكمة». ثم أمر القاضي مترجمين بدخول قاعة المحكمة بعد أن نزع المتهمون السماعات، وبدأت ترجمة فعلية ومباشرة داخل المحكمة.

وأمس، كانت أول مرة ظهر فيها المتهمون علنا، ونقلت كاميرات المحاكمة، ولكن إلى قواعد عسكرية معينة لتشاهدها عائلات ثلاثة آلاف أميركي قتلوا في الهجوم.

وجرى خلال جلسة أمس تلاوة الاتهامات الموجهة رسميا وتشمل الإرهاب والاختطاف والقتل والتآمر للقتل وتدمير الممتلكات، وكان شيخ محمد قال خلال محاكمته الأولى إنه يعتزم الاعتراف بالتهم الموجهة إليه. ولكن تلك المحاكمة أُرجئت بعد انتخاب الرئيس باراك أوباما، الذي حاول منذ ثلاث سنوات نقل القضية إلى محاكم مدنية إثر إعلانه اعتزامه إغلاق معتقل غوانتانامو. وفي أبريل (نيسان) 2011 رفضت محاولات البيت الأبيض لتعود القضية إلى غوانتانامو. لكن تم وضع معايير جديدة لهذه المحاكمات العسكرية منها عدم الأخذ بالاعترافات التي انتزعت تحت ضغط التعذيب. وقالت مصادر إخبارية أميركية إن شيخ محمد كان قال في محكمة سرية سابقة، ألغيت بعد تدخل الكونغرس، وإصداره قانونا بتأسيس محاكم عسكرية، إنه يشتاق للمثول أمام المحكمة ليقول ما يريد عن عدائه للولايات المتحدة. وأيضا، سخر من المحكمة، وقال إنه والأربعة سوف يعترفون بذنوبهم، وإنهم يرحبون بالحكم بإعدامهم لأنهم سيكونون شهداء. لكن، هناك علامات بأن فرق الدفاع عن المتهمين تحضر لمعركة طويلة. وتخطط لتحديات للمحاكم العسكرية بسبب السرية التي تكتنف القضية. وقال جيمس كونيل، محامي على عبد العزيز: «هذه مجرد بداية. المحاكمة ستستغرق سنوات. ثم تليها سنوات للاستئنافات». وأضاف: «لا أستطيع أن أتخيل أي سيناريو يختم هذا الشيء في غضون ستة أشهر». وحسب الإجراءات العسكرية القانونية، لا يعترف المتهم بذنبه في هذه الجلسة التمهيدية. وقال جيم هارينغتون، وهو محامٍ مدني لرمزي بن الشيبة الذي كان قال في جلسة قضائية تمهيدية إنه فخور بدوره في هجمات 11 سبتمبر (أيلول) سنة 2001، أن موكله لن يعترف بأنه مذنب. ويعتقد المحامي أن البقية أيضا لن يعترفوا، بغض النظر عن تصريحاتهم السابقة.

لكن، عندما سألهم القاضي إذا كانوا يفهمون حقوقهم القانونية، ويقبلون المحامين الذين خصصوا له، لم يجب الرجال، ولا حتى أبدوا ما يوضح أنهم فهموا السؤال.

وكانت هناك تصرفات غريبة من جانب المحامية شيريل بورمان، محامية مدنية لبن عطاش. جاءت إلى المحكمة وهي ترتدي حجابا لم يكشف غير وجهها. وطلبت من القاضي أن يأمر النساء الأخريات بارتداء الملابس «المناسبة» حتى لا ينظر المتهمون نحوهم «خوفا من ارتكاب خطيئة، حسب دينهم».

ثم قفز بن الشيبة في صراخ كان مزيجا من العربية والإنجليزية الركيكة، ومما قال: «ربما سيقتلونني ويقولون إني انتحرت». ولم يسألهم القاضي إذا كانوا مذنبين أو لا. لكنه قرأ التهم الموجهة إليهم. وقال إنه لن يسمح لهم بعرقلة إجراءات المحكمة. ورفض النقيب جايسون رأيت، محامي خالد شيخ محمد، التعليق على موضوع الاعتراف. وقال الجنرال مارك مارتينز، المدعي العام العسكري الرئيسي، إنه متأكد من توفر نفس الحياد القانوني الذي كان سيجده المتهمون في محكمة مدنية. وأضاف: «أنا واثق من أن هذه المحكمة تقدر على أن تحقق العدالة والإنصاف». لكن، قالت جماعات حقوق الإنسان إن الإصلاحات التي أجريت في قانون المحاكمة العسكرية لا تكفي. ولا تزال هناك قيود على المراسلات القانونية بين المتهمين ومحاميهم. بالإضافة إلى الطابع السري في غوانتانامو. وقالوا إن الحكومة الأميركية سعت إلى إبقاء القضية في المحكمة العسكرية لمنع كشف المعاملة القاسية للسجناء مثل شيخ محمد الذي اعترف المسؤولون الأميركيون أنفسهم بأن تعرض لقرابة مائتي مرة لتعذيب «ووتربوردينغ» (تقييده على خشبة وسكب الماء عليه ليحس بأنه سيغرق).وبينما سمح أمس لعائلات ضحايا الهجوم بمشاهدة المحاكمة لأول مرة، كان عدد قليل شاهد جلسات السنة الماضية التمهيدية.

ونقلت وكالة أسوشييتدبرس آراء بعض هؤلاء: قال كليف راسل، شقيق رجل الإطفاء ستيفن راسل الذي قتل في الهجوم على مركز التجارة العالمي، إنه يأمل أن تنتهي القضية بعقوبة الإعدام. وأضاف: «لا أتطلع إلى إنهاء حياة شخص آخر. ولا أرتاح لذلك. لكن، ما فعلوا هو أكثر شيء مثير للاشمئزاز، ومليء بالكراهية، وفظيع على الإطلاق».

وقالت سوزان سيسولاك التي قتل زوجها جوزيف سيسولاك في مكتبه في البرج الشمالي لمركز التجارة العالمي، إنها لا تشعر بالقلق إزاء النتيجة النهائية، وهل سيعدم المتهمون أو لا يعدمون، ما دامت القضية لن تتجمد، وما دام المتهمون لن يصبحوا أحرارا. وأضافت: «يمكن وضعهم في السجن مدى الحياة. ويمكن إعدامهم. ما يهمني أن لا يحدث هذا مرة أخرى. ما يهمني أن أي أحد لا يستحق أن يقتل في مثل هذا الهجوم الإرهابي».

وجاء توجيه الاتهام للخمسة بعد أكثر من ثلاث سنوات من فشل الرئيس باراك أوباما في محاكمة المتهمين أمام محكمة مدنية. وفي إغلاق سجن القاعدة الأميركية في غوانتانامو. وكان وزير العدل إيريك هولدر قال في عام 2009 إن الخمسة سيحاكمون في محكمة مدنية في نيويورك. لكن، فشلت بعد أن أشار مسؤولون في نيويورك إلى تكاليف ضخمة لتأمين الأمن في منطقة المحاكمة، ولعائلات الضحايا.

وكان الكونغرس حظر نقل أي من السجناء من غوانتانامو إلى الولايات المتحدة، مما أجبر إدارة أوباما على اللجوء إلى المحكمة العسكرية. وحسب القواعد الجديدة التي وضعها الكونغرس، ووقع عليها أوباما، يحظر استخدام الشهادات التي حصل عليها عن طريق التعذيب أو المعاملة القاسية.

والمتهمون هم شيخ محمد باكستاني تربي في الكويت، ودرس في كلية في غرينسبورو (ولاية نورث كارولينا). وبعد اعتقاله، قال إنه كان مسؤولا عن الهجمات «من ألف إلى ياء». وإنه شخصيا قتل دانييل بيرل، مراسل صحيفة «وول ستريت جورنال» في باكستان في عام 2003. ورمزي بن الشيبة، يمني، كان يتوقع أن يكون الخاطف العشرين، لكن، لم يستطع الحصول على تأشيرة لدخول الولايات المتحدة. ووليد بن العطاش، أيضا يمني، كان يدير أحد معسكرات التدريب التابعة لتنظيم القاعدة في أفغانستان. ومصطفى أحمد الهوساوي، سعودي، ساعد الخاطفين بالمال والملابس الغربية والشيكات السياحية وبطاقات الائتمان. وعبد العزيز علي، باكستاني وابن شقيقة شيخ محمد، ساهم في توفير المال للخاطفين.

وأوقف المتهمون الخمسة في قسم يخضع لحراسة مشددة من سجن غوانتانامو المثير للجدل في كوبا. وسينقلون إلى محكمة عسكرية تم تشكيلها خصوصا لهذه الغاية. وستنقل وقائع الجلسات بتأخير 40 ثانية كما يمكن أن تتعرض للرقابة في حال اقتضت الحالة لذلك، وسيحضرها عدد قياسي من الصحافيين بلغ 60 مراسلا بالإضافة إلى نحو عشرة أشخاص من أقرباء الضحايا اختيرت أسماؤهم بالقرعة.

وستبث الوقائع على شاشة عملاقة في أربع قواعد عسكرية على الأراضي الأميركية، في إشارة إلى مدى أهمية المحاكمة بالنسبة إلى الرأي العام الأميركي.

ويتوقع المراقبون أن يستغل خالد الشيخ محمد جلسات المحاكمة كمنبر لمهاجمة الولايات المتحدة التي يعتبرها «الشيطان الأكبر». وستكون أعمال التعذيب التي يقول المتهمون إنهم تعرضوا لها خلال اعتقالهم في سجون سرية في صلب المحاكمة التي تعرضت لانتقادات شديدة من قبل محامي الدفاع بسبب غياب الإنصاف والشرعية.