كان ظهورا نادرا على الملأ لرجل روسيا القوي فلاديمير بوتين وقرينته، لكنه لم يفعل شيئا سوى أن أشعل جذوة التساؤلات المطروحة حول ما إذا كانا سيظلان زوجين بالأساس بعد الآن أم لا. دخلت ليودميلا بوتين مكتب الاقتراع، يوم الانتخابات الشهر الماضي خلف زوجها فلاديمير بوتين، العائد للرئاسة اليوم. وفي أحد المواضع، لمست ذراعه، لكنه لم يمد يده إليها في المقابل.
وعندما أشار عامل بمكتب الاقتراع إلى معلومات خاصة بالمرشح معلقة على أحد الجدران، قال بوتين إنه لم يكن بحاجة إليها، لكنه أومأ إلى زوجته التي يربطه بها رباط الزوجية منذ 29 عاما، وأضاف: «إنها ليست ملمة بالمعلومات المطلوبة بشكل كامل». ضحكت قرينته. بعدها، وتركها، متجها لوضع ورقة الاقتراع في الصندوق وأخذ يتحدث للصحافيين، فيما استمرت هي في ملء الأوراق. ومع أن وسائل الإعلام سرها مشهد تعلقها بذراعه، فإن جانبا من رد الفعل في اليوم التالي كان لاذعا. فقد ظهر بوتين في صورة فوتوغرافية، تم تداولها على شبكة الإنترنت، وهو يصافح زوجته. وجاء التعليق على الصورة يحمل عبارة: «إلى أن نلتقي خلال ست سنوات»؛ عند استعداده لإعادة الانتخاب.
نادرا ما تتم مشاهدة بوتين وزوجته معا، بحيث لا يبدو من الواضح بعد ما إذا كانت ستحضر وقائع تنصيبه رئيسا، اليوم (الاثنين) أو ما إذا كانت ستقوم بأي واجبات كسيدة أولى أثناء فترة ولايته الجديدة أم لا. كان ظهورهما يوم الانتخابات تذكرة بسياج السرية الحصين الذي قد أحاط به وبابنتيه الاثنتين منذ أن تولى بوتين، العميل السابق بجهاز الاستخبارات السوفياتي السابق (كي جي بي)، مقاليد السلطة قبل 12 عاما. وكلما طالت مدة حكمه لروسيا، باتت مناقشة أمور حياته الأسرية محظورة.
وثمة فكرة شائعة مفادها أن الزعيم الروسي وزوجته منفصلان. وكانت ابنتاهما تحضران محاضرات الجامعة تحت اسمين مستعارين، وكثير من زملائهما لا يعلمان بهويتهما الحقيقية. وحتى في الوقت الحالي، ليس معروفا ما إذا كانتا تعيشان في روسيا أم بالخارج، والمهنة التي يزاولانها، إن وجدت. ويشير صحافيون روس إلى أنه من الأسهل كتابة تقرير عن قضايا الأمن القومي عن تناول مواضيع تتعلق بحياة أسرة بوتين، وعادة ما يبدو أن هناك تهديدا غير معلن بحدوث تبعات خطيرة، في حال تعمق الصحافيين في مواضيع تتعلق بالحياة الشخصية لأسرة بوتين. وفي عام 2008، عندما كتب صحافي يعمل بصحيفة «موسكوفسكي كوريسبوندنت» مقالا عن شائعات تفيد بأن بوتين يسعى لتطليق زوجته والزواج من ألينا كاباييفا، اللاعبة الروسية الحائزة على الميدالية الذهبية في الجمباز الإيقاعي والتي هي في نصف عمره، أدان بوتين بقوة هذا التقرير، وتم إغلاق الصحيفة على الفور. وبعدها بوقت قصير، انتقل بوتين من منصب الرئاسة إلى منصب رئاسة الوزارة، واختفت زوجته عن الأنظار. وفي عام 2011، حضرت حفلا بمناسبة الذكرى الثمانين لميلاد بوريس يلتسين واحتفالات عيد الفصح في كاتدرائية المسيح المخلص في موسكو. وفي ذلك العام، تخلفت عن حضور احتفالات عيد الفصح.
والأمر الأكثر غرابة هو اختفاء ابنتيهما: ماريا، 27 عاما، وييكاترينا، 25 عاما، من العالم الافتراضي. فعلى الرغم من أنهما تنتميان إلى جيل موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، فإنك لا تجد لهما صفحة عليه أو على أي من مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، كما أنهما قد خالفتا الاتجاه السائد، وهو أن يصبح أبناء السياسيين من الشخصيات العامة عندما يكبرون.
ومع وجود مجموعة من الصور للفتاتين تعود إلى مرحلة طفولتهما المبكرة، نادرا جدا ما شوهدتا، إلى حد أن السواد الأعظم من الروس لن يمكنه التعرف عليهما عند رؤيتهما. وعندما وافق بوتين مؤخرا على منح حق استثنائي في الحصول على معلومات خاصة به لمخرج أفلام وثائقية ألماني، كان هناك شرط واحد، وهو أن تكون حياته الشخصية خطا أحمر، بحسب المخرج السينمائي، هوبرت سايبل.
ظهر الفيلم الوثائقي «أنا، بوتين» هذا العام، الذي يجسد شخصية بوتين بوصفه شخصا يعيش وحيدا في معظم الفترات، ويمضي وقتا مع حراسه الشخصيين وكلبه يفوق الوقت الذي يقضيه مع أسرته. وفي حوار، ظهرت على هوبرت علامات الضيق حينما سئل، حول ما إذا كان، خلال مئات الساعات التي قضاها مع بوتين قبل أكثر من عام، قد شاهد أسرته، أو عن مدى صحة كون بوتين يعيش منعزلا، مثلما يشير الفيلم. وقال سايبل: «إنه سؤال محير». واستطرد قائلا: «إنه شخص على درجة بالغة من الحساسية ووعدته بألا أكشف الكثير من المعلومات عن ذلك الجانب». وعن أسرة بوتين، أضاف قائلا: «إنهم على قيد الحياة ويجرون مكالمات هاتفية».
وأشار سايبل إلى أنه عزا حساسية بوتين إلى «أسلوب سوفياتي» يختلف بشكل حاد عن النهج الغربي المعتاد المتمثل في تسليط الأضواء على الأسر السياسية. غير أنه يصعب التعميم. فقد حظيت ابنة ستالين، سفيتلانا، بشهرة كبيرة في مرحلة الطفولة، وخلفت ضجة إثر انشقاقها عن الاتحاد السوفياتي وذهابها إلى الولايات المتحدة. ونادرا ما شوهدت ناينا، زوجة يلتسين، على الملأ. غير أن ابنته الصغرى، تاتيانا دياتشينكو، عملت مستشارة سياسية محل ثقة.
وقد شدد بوتين بقوة على حقه في التمتع بالخصوصية، ورفض مكتبه الإدلاء بتعليق لهذا المقال. وفي الفيلم الوثائقي الألماني، أشار إلى «الأمن» و«الأسباب التعليمية» كسببين لرفضه الحديث عن أسرته. وعادة ما ذكر أنه أراد أن تعيش ابنتاه «حياة طبيعية». وقال أوليغ رولدوغين، الصحافي الاستقصائي الذي كتب عن أسرة بوتين لصحيفة «سوبيسيدنيك» إنه يبدو من الواضح أن بوتين قد نجح.
وقال رولدوغين في مقابلة: «ما دام لا أحد يعلم شيئا عن ملامح أفراد أسرته أو ووظائفهم أو محل إقامتهم، ربما يتسنى لهم أن يعيشوا حياة طبيعية»، مضيفا أنه لا يوجد أي موضوع أكثر حساسية في تناوله من هذا الموضوع. وأردف قائلا: «تعتبر أي أسئلة على هذه الشاكلة محاولة لاختراق حياته الشخصية ويتم حذفها على الفور».
وعلى عكس الإشاعات المعتادة عن الأزواج من داخل الأوساط السياسية - ما يرتدونه وما إذا كانوا قد خضعوا لعمليات تجميل أم لا - يتم تناقل شائعات عن المكان الذي تعيش فيه قرينة بوتين وحالتها الصحية. فنتائج عمليات البحث على الإنترنت التي تقود إلى عدد لا حصر له من الصور لساشا وماليا أوباما لا تعرض أي صور تقريبا لابنتي بوتين. وهناك صورة نادرة واحدة يظهران فيها وهما في سن المراهقة تقفان مع والدهما على قارب وظهرهما للكاميرا. وهناك أيضا صورة لماريا بوتين في سن البلوغ، وهي تسير مع والديها وتتحسس شعرها الأصفر.
ثمة معلومات قليلة متاحة عن حياتهما. والمعروف أن الابنتين درستا في مدارس لغة ألمانية وبجامعة سان بطرسبورغ، حيث درست ماريا الأحياء، بينما تخصصت ييكاترينا في الدراسات الآسيوية. وقد ارتبطت كل منهما بعلاقة عاطفية مع شخص غير روسي.
وأكد شاب من كوريا الجنوبية، يدعى يون جون ون، وعمل والده بالسفارة الكورية في موسكو، مؤخرا أنه يواعد ييكاترينا بوتين، لكنه أنكر تخطيطهما للزواج. ونقلت تقارير إخبارية ألمانية وروسية وجود علاقة بين ماريا بوتين وجوريت فاسين، وهو رجل ألماني شغل مناصب رفيعة في شركات تابعة لشركة الغاز الحكومية الروسية، «غازبروم». وأشار صحافي ألماني كتب عن فاسين، إلى أنه حذف اسمه من الخبر خشية التعرض لأذى. واستشهد المقال بقول مسؤول بشركة نفط ألمانية إنه التقى ماريا بوتين في حفل في موسكو.
وحتى الأصدقاء المقربون يرفضون الحديث عن تفاصيل حياة أسرة بوتين. ويعتبر سيرغي رولدوغين، الذي يعمل الآن مديرا فنيا لبيت الموسيقى في سان بطرسبورغ، هو الأب الروحي لماريا بوتين. غير أن أحد مساعديه قال إنه لن يجيب عن أسئلة ذات صلة بحياة أسرة بوتين. وقال المساعد: «إنه يخشى الحديث عن هذه الأمور لأنه لا يعلم ما إذا كان بوتين سيسره هذا أم لا».
* خدمة «نيويورك تايمز»