فرانسوا هولاند.. القادم من الظل

قصة «مرشح عادي» يوشك أن يصبح رئيسا لفرنسا

TT

من المرجح جدا أن ينام المرشح الاشتراكي للانتخابات الرئاسية فرانسوا هولاند ليل الأحد الاثنين 6 - 7 مايو (أيار) ليصبح رئيسا للجمهورية الفرنسية، ليكون الرئيس السابع للجمهورية الخامسة التي أرسى دعائمها الجنرال شارل ديغول.

وبعكس الرئيس الاشتراكي فرانسوا ميتران الذي يقلده في حركاته وطريقته في الخطابة الذي لم يفز في الانتخابات الرئاسية إلا في محاولته الثالثة، وبعكس الرئيس جاك شيراك الذي جاهد كذلك ثلاث مرات ليتمتع بنعيم قصر الإليزيه طيلة ولايتين، فإن هولاند نجح في رهانه الرئاسي منذ المرة الأولى.

هو يشبه منافسه الحالي الرئيس نيكولا ساركوزي الذي يحاول إخراجه من مقعده ليجلس مكانه. قبل أقل من عام، لم يكن أحد مستعدا ليراهن بفلس واحد على وصول هولاند إلى رئاسة الجمهورية. في عام 2007، سبقته رفيقة دربه ووالدة أولاده الأربعة سيغولين رويال إلى الترشح عن الاشتراكيين. لكن الحظ لم يحالفها إذ إنها وقعت على مرشح يتمتع أكثر منها بالدهاء السياسي ويتوكأ على ماكينة انتخابية هي حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية أكثر خبرة وأشد مراسا. هذا المرشح هو نفسه الذي يواجهه فرانسوا هولاند. انتخابه يوم الأحد 6 مايو القادم سيكون، بمعنى ما، «انتقاما» للهزيمة التي نزلت بسيغولين رويال.

غريب أمر هذا السياسي الذي لم يتقلد أبدا منصبا وزاريا بعكس سيغولين رويال. وكانت النكتة الرائجة قبل أعوام هي تسميته فرانسوا رويال باعتبار أن رفيقة دربه كانت أكثر منه شهرة وهي التي تسنمت المناصب الوزارية الواحد بعد الآخر وانطلقت قبله في الحياة السياسية وكانا قد تعرفا إلى بعضهما البعض في معهد العلوم السياسية وعاشا معا أكثر من عقدين دون أن يتزوجا.

عندما أعلن فرانسوا هولاند، في 31 مارس (آذار) من عام 2011 ترشحه لخوض المنافسة داخل الحزب الإشتراكي من أجل الانتخابات الرئاسية، قليل من المراقبين كان يتوقع أن يختاره رفقاؤه ممثلهم ليحمل علمهم ويعيد فتح باب الإليزيه أمام اليسار الذي لم يدخله سوى مع فرانسوا ميتران. فهذا الرجل المولود في قرية قريبة من مدينة كان «منطقة النورماندي» عام 1954 لم يكن الخيار الأول للاشتراكيين. هؤلاء كانوا عقدوا العزم على ترشيح مدير عام صندوق النقد الدولي دومينيك ستروس - كان الذي كانت تبرز استطلاعات الرأي العام كلها تفوقه الكبير على نيكولا ساركوزي.

كان ستروس - كان يتمتع بعلاقات دولية من الطراز الأول نسجها من مكتبه في واشنطن وبفضل موقعه والدور الريادي الذي لعبه الصندوق وما يزال في الأزمات المالية والاقتصادية العالمية المتلاحقة منذ عام 2007. وقبل صندوق النقد، احتل ستروس - كان وزارة الاقتصاد وهو خبير اقتصادي مرموق وخصوصا صاحب تيار التحديث والمعاصرة داخل الحزب الاشتراكي وله أعوان ومؤيدون. وباختصار، كان «دومينيك» كما يدعوه - أصدقاؤه ومريدوه «الرجل المناسب في المكان المناسب» وكانت له مهمة واضحة: إخراج ساركوزي واليمين من قصر الإليزيه. لكن ستروس - كان، بسبب منصبه وواجباته الدولية، لم يكن قادرا على إعلان ترشحه رسميا. والحقيقة أن هولاند، عندما أعلن ترشحه، كان يعي أن منافسه سيكون مدير عام صندوق النقد. ومع ذلك، لم يتردد في الانطلاق بادئا جولاته المنهجية على المناطق الفرنسية وجامعا حوله بعض أصدقائه وهم أقلية.

نفيسة ديالو يدين هولاند بالكثير لعاملة غرف اسمها نفيسة ديالو لاقى طريقها درب ستروس - كان يوم 15 مايو من العام الماضي في الغرفة 2806 في فندق سوفيتيل، في مدينة نيويورك حيث دأب الأخير على النزول فيه عند توقفه في المدينة التي تحتضن تمثال الحرية. بالطبع، لا أحد يعرف بالضبط ما الذي حصل بين رجل شهير يحب النساء إلى حد المرض وامرأة متواضعة، في لقاء لم يدم أكثر من عشر دقائق. لكن المهم في الأمر أن الفضيحة التي أثارتها شكوى الاغتصاب التي تقدمت بها ديالو أمام شرطة نيويورك وتوقيف ستروس - كان وسجنه وتبين الفضائح الكثيرة العالقة باسمه ما بين فرنسا وبلجيكا والولايات المتحدة أصابت من طموحاته الرئاسية مقتلا مما شرع الباب أمام هولاند لأنها نزعت من رجله الشوكة التي كانت ستعيق سباقه الرئاسي.

عندما بدأت الانتخابات التمهيدية لاختيار المرشح الاشتراكي، تبين للاشتراكيين وللفرنسيين على حد سواء أن فرانسوا هولاند «الجديد» قد نزل إلى الأسواق. الرجل تغير بدنيا إذ خسر الكثير من وزنه وبدل نظاراته وصبغ شعره وأصبح جامدا في حركاته وتعابير وجهه. والأهم أنه افترق عن روح الدعابة التي كان يتمتع بها والتي كانت تنقذه في أكثر من مناسبة، من المواقف الحرجة.

وما بين نهاية الانتخابات الرئاسية الماضية وبدء الجديدة، غير هولاند الكثير في حياته فانفصل نهائيا عن سيغولين رويال وارتبط بعلاقة ثابتة وإن لم تكن رسمية مع صحافية سياسية اسمها فاليري تريويلر تعمل مقدمة برنامج سياسي في قناة تلفزيونية خاصة اسمه «ديركت8». وفي مقابلة صحافية، وصفها هولاند بأنها «امرأة حياته». وبعد فترة من الوقت بقيت خلاله وراء الستارة، أخذت فاليري تريويلر تظهر إلى جانب هولاند في مهرجاناته الخطابية وفي لقاءاته وتنقلاته كما أنه خصص لها مكتب مستقل في مقر حملته الانتخابية في الدائرة السابعة من باريس. وتفيد مصادر قريبة من هولاند أن علاقته بهذه المرأة الأم لولدين تعود لعام 2006 أي قبل إعلان الانفصال رسميا عن رويال. ومع الانتخابات، بدا هولاند شخصا جديدا. وعندما سئل عن التحولات البينة في شخصه وشخصيته، رد ببساطة أن الوظيفة التي يرمي شغلها تحتم عليه هذا التغيير.

سياسيا، اجتاز هولاند بنجاح اختبار الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الاشتراكي حيث كان المتنافسون خمسة وصل منهم إلى الدورة الثانية المرشح الرئاسي الحالي وأمينة عام الحزب مارتين أوبري. وكانت المعركة بين «الرفيقين» شرسة ولم يخفف من شراستها أنها تدور بين شخصين ينتميان إلى عائلة سياسية واحدة وأن مارتين أوبري هي ابنة جاك ديلور، رئيس المفوضية الأوروبية الأسبق وأن فرانسوا هولاند كان يعد بمثابة «ابنه الروحي». وأخذت أوبري على هولاند أنه يمثل «الاشتراكية الرخوة» وتعني ضمنا أن اشتراكيته مشكوك بأمرها وأنه «يفتقد لقناعات حقيقية» كونه يسعى دائما لتفادي الخلافات والنزاعات ويسعى للإجماع فضلا عن أنه يغير آراءه ومواقفه.. كذلك أخذت عليه افتقاره للتجربة الحكومية بحيث أنه لم يشغل أبدا أي منصب وزاري خلال الفترات التي حكم فيها اليسار فرنسا سواء مع الرئيس الاشتراكي فرانسوا ميتران أو في عهد رئيس الوزراء ليونيل جوسبان «1997 - 2002». ورغم الانتقادات التي وصلت أحيانا إلى حد التجريح، تفوق هولاند على أوبري وتوج مرشحا رسميا للحزب الاشتراكي في الخريف الماضي الأمر الذي عد انطلاقا لحملته الرئاسية الناجحة «حتى الآن» التي قادته إلى الدورة الثانية وربما غدا إلى قصر الإليزيه.

ورغم كل ما حصل في الانتخابات التمهيدية، التف الحزب الاشتراكي بكل تياراته حول مرشحه وجاءت أوبري في الصف الأول إذ وضعت كل طاقتها وطاقات الحزب بتصرف هولاند ونجحت في لجم كل الحساسيات وصولا للهدف الأسمى وهو إخراج ساركوزي من قصر الإليزيه.

كثير من الناس يغير انتماءاته السياسية بحسب التجربة والنضج. فالرئيس شيراك بدأ شيوعيا يبيع صحيفة الحزب «لومانيتيه» على مدخل معهد العلوم السياسية في باريس. لكنه لاحقا، التحق بحزب الجنرال ديغول وأصبح وزيرا في حكومة الرئيس جورج بومبيدو قبل أن يرث الديغولية ويحكم فرنسا باسمها طيلة ولايتين. وفرانسوا ميتران بدأ يمينيا لا بل اتهم أنه كان من أنصار المارشال بيتان الذي تعاون مع النازيين ثم حكم عليه بالإعدام بعد تحرير فرنسا على أيدي جيوش الحلفاء والمقاومة الفرنسية في الداخل والخارج. أما فرانسوا هولاند فقد انتمى إلى الحزب الاشتراكي في عام 1979. ومنذ ذلك التاريخ لم يغير لا الانتماء ولا الهوى.

وحظ هولاند أو وصوله إلى الحزب الاشتراكي حصل قبل عامين فقط من فوز فرانسوا ميتران بالرئاسة في شهر مايو من عام 1981. وكان أحد المقربين لميتران واسمه جاك أتالي الذي أصبح لاحقا المستشار الشخصي الخاص للرئيس الجديد يبحث عن خبراء اقتصاديين شباب وكان هولاند أحد الذين يرتبطون بعلاقة معه. والأخير كان قد أنهى دراساته في معهد الإدارة العالي وهو «المصهر» الذي يخرج كبار رجالات الدولة والكادرات العليا للإدارة. وفي معهد الإدارة، كان من بين رفاقه رئيس الحكومة السابق دومينيك دو فيلبان والوزيران جان بيار جوييه رونو دونديو دو فابر وبالطبع سيغولين رويال التي أقنعها بالانضمام إلى لجنة دعم ترشح ميتران للرئاسة. وقبل ذلك، تخرج هولاند في معهد العلوم السياسية وحصل على إجازة في الحقوق وأخرى من المدرسة العليا للتجارة، مما يعني أنه يتمتع من الناحية الأكاديمية، بالكفاءة التي تؤهله لأعلى المناصب. ومقارنة بالرئيس ساركوزي الذي جل ما حصل عليه هو إجازة في الحقوق وبداية دراسة في معهد العلوم السياسية لم ينته منها، فإن التفوق هو في جانب هولاند.

وهكذا وجد هولاند نفسه «ومعه سيغولين رويال» بفضل أتالي ولكن أيضا جاك ديلور، في قصر الإليزيه مستشارا فنيا للشؤون الاقتصادية وهو في السابعة والعشرين من عمره. ومباشرة بعد ذلك وقع عليه الاختيار لينازل جاك شيراك في معركة نيابية في منطقة كوريز «وسط فرنسا». الفشل كان نصيبه في المرة الأولى. غير أن هذه التجربة جعلته يحب المنطقة التي بقي فيها حيث أصبح في عام 1988 أحد ممثليها في البرلمان وهو اليوم نائب عنها «ممثلا لمدينة تول» ورئيسا لمجلسها الإقليمي.

والأكثر من ذلك، فقد ارتبط بعلاقة صداقة برئيس الجمهورية السابق الذي يقول المقربون منه إنه صوت لهولاند مفضلا إياه على خليفته في قصر الإليزيه نيكولا ساركوزي. وتباعا، أصبح هولاند مديرا لمكتب ناطقين باسم الحكومة الاشتراكية الأولى. ثم بعد وصوله إلى الندوة البرلمانية، أصبح مقررا لميزانية وزارة الدفاع وأمينا عاما للجنة المال والتخطيط. وقرن عمله النيابي بنشاط أكاديمي حيث أصبح أستاذا للاقتصاد في معهد العلوم السياسية ومحاميا وبالعمل الحزبي داخل الحزب الاشتراكي متقربا من التيار الذي كان يديره رئيس الحكومة بيار موروا مع ليوينل جوسبان.

في إحدى خطبه، تحدث فرانسوا هولاند عن حياته الشخصية وعن عائلته. وفي تاريخه العائلي جرح سعى للتخلص بالحديث عنه علنا. وهذا الجرح مصدره والد الطبيب جورج هولاند الذي كان ينتمي إلى اليمين المتطرف ومن أنصار تيار «الجزائر فرنسية» لا بل بعضهم اعتبره مقربا من «المنظمة السرية المسلحة» التي لعبت دورا دمويا في الجزائر وهي مسؤولة عن مئات القتلى كما أنها حاولت اغتيال الجنرال ديغول. وكان هولاند الابن «ممزقا» بين قناعات والده اليمينية المتطرفة وقناعات أمه العاملة في الحقل الاجتماعي والمنتمية إلى التيار اليساري الكاثوليكي. وانتقلت العائلة عام 1968 من منطقة نورماندي إلى مدينة نويي سور سين الراقية الواقعة على مدخل باريس والتي أصبح نيكولا ساركوزي لاحقا رئيس بلديتها ونائبا عنها. ولذا فالمرشحان الرئاسيان بمعنى ما «جاران». ومن فوائد هذا الانتقال أنه هيأ لهولاند أن يرتاد أفضل مدارس الجمهورية.

يقول ليونيل جوسبان عن فرانسوا هولاند إنه «الأفضل، الألمع والأكثر تحليا بحس سياسي» داخل الحزب الاشتراكي. ولذا، عندما قرر جوسبان خوض الانتخابات الرئاسية للمرة الأولى ضد شيراك عام 1995، عين هولاند ناطقا باسمه. وعندما فاز اليسار في الانتخابات التشريعية في العام 1997 وأصبح جوسبان رئيسا للحكومة وكان قبلها أمينا عاما للحزب الاشتراكي، تخلى عن الأمانة العامة لهولاند الذي أصبح مسؤولا عن الحزب السياسي الأول في فرنسا وعن الأكثرية وشريكا في صياغة سياسة الحكومة. لكن هولاند بقي قريبا من جاك ديلور ممثل تيار الاشتراكية الحديثة والبراغماتية وهو اليوم يعتبر نفسه وريثه. وتأسف هولاند كثيرا لرفض ديلور الترشح للرئاسة في عام 1995. وكان هولاند، قبل ذلك، قد تدرج في المناصب الحزبية وأهمها أمينا عاما مساعدا مسؤولا عن الشؤون الاقتصادية.

استمر هولاند على رأس الحزب الاشتراكي طيلة 11 عاما وحتى عام 2008 عندما خلفته في منصبه مارتين أوبري وسط أجواء من الانقسامات الحادة داخل الحزب الذي خسر الانتخابات الرئاسية عام 2007. ومعروف أن الحزب الاشتراكي يحتضن في أوساطه ما يسمى بـ«الفيلة» أي بارونات الحزب وزعماء تياراته المختلفة. وخلال هذه الفترة الطويلة كان يتعين على هولاند أن يلعب دور «الإطفائي» لتهدئة النزاعات الآيديولوجية والتوفيق بين الطموحات الشخصية المتعارضة. وتعود لهذه المرحلة صفات «الرخاوة» التي تلتصق بهولاند لأنه من غيرها لكانت قيادة الحزب أمرا مستحيلا. لكن هولاند عرف أن يؤلف بين المتناقضات ما يفسر بقاءه طيلة هذه المدة على رأس الحزب رغم الأزمة الحادة التي اجتازها في عام 2005 بمناسبة الاستفتاء على الدستور الأوروبي الجديد حيث كان الحزب منقسما على نفسه. وعمد هولاند إلى تنظيم استفتاء داخلي فاز بموجبه أنصار التصديق على معارضيه وكان على رأسهم رئيس الحكومة السابق لوران فابيوس الذي يبدو الأكثر حظا بالفوز بوزارة الخارجية في حال انتخاب هولاند رئيسا في 6 مايو والمرشح الرئاسي جان لوك ميلونشون الذي حصل على 11 في المائة من الأصوات يوم الأحد الماضي. وكانت النتيجة أن الشعب الفرنسي صوت ضد الدستور مما أربك الاتحاد الأوروبي وأحدث شرخا عميقا داخل الحزب الاشتراكي وأضعف هولاند سياسيا. ومع ذلك فقد أعيد انتخابه أمينا عاما للحزب بنسبة 77 في المائة.

لم تدم هذه «الوحدة» طويلا إذ انقسم الاشتراكيون مجددا مع اقتراب انتخابات عام 2007 حيث تكاثر المرشحون وأهمهم سيغولين رويال ودومينيك ستروس - كان ولوران فابيوس. وكان موقع هولاند بالغ الصعوبة إذ إنه من جهة رفيق درب رويال ومن جهة أخرى أمين عام. وبعد خسارة الانتخابات الرئاسية ثم النيابية في ربيع عام 2007، اضطر هولاند لترك منصبه على رأس الحزب لأوبري عقب مؤتمر عام للحزب تميز بالحدة والمرارة وعمق الانقسامات واتهامات بالتزوير. ومنذ تلك اللحظة وكما اعترف بذلك لاحقا، قرر هولاند أن دوره قد حان ليكون مرشح الاشتراكيين واليسار لرئاسة الجمهورية. وبعد أن كان ربط ترشحه بفوزه في الانتخابات المحلية وعلى رأس المجلس الإقليمي لمنطقة كوريز «وسط فرنسا»، أعلن هولاند ترشحه رسميا في 31 مارس (آذار) بادئا بالتحدث عن «الحلم الفرنسي» ومقدما نفسه على أنه «مرشح عادي» ليعطي صورة مضادة تماما لساركوزي وعن طريقته في ممارسة السلطة طيلة السنوات الخمس المنصرمة حيث كان يوصف بالرئيس «سوبرمان» الذي يتدخل في كل شيء في صغائر الأمور كما في كبرياتها.

يعتقد كثير من المراقبين أن «الحظ» ساعد هولاند وسهل من مهمته باعتبار أن الرئيس المنتهية ولايته يثير لدى العديد من الفرنسيين الرغبة في التخلص منه بسبب أسلوبه في ممارسة السلطة وتخبطه السياسي في السنوات الخمس التي أمضاها في قصر الإليزيه. ورهان هولاند الأول هو أن تكون الانتخابات استفتاء على ساركوزي وعلى محصلة عمله على رأس السلطة التنفيذية منذ ربيع عام 2007. ولذا، فإن مرشح الاشتراكيين الذي أصبح اليوم مرشح اليسار سعى ومنذ البداية للتركيز على سياسة الرئيس المنتهية ولايته في الميادين الاجتماعية والاقتصادية والضريبية حيث زادت أعداد العاطلين عن العمل وتراجعت القدرة الشرائية فيما السياسة الضريبية جاءت لمصلحة الأغنياء الذين زادوا غنى وعلى حساب الفقراء الذين زادوا فقرا. ولذا، فإنه يركز على العدالة الاجتماعية والشباب والتعليم ولا يتردد في القول إنه سيفرض ضرائب تصل إلى 75 في المائة على من يزيد دخله على المليون يورو سنويا وسيطلب من الأغنياء أن يساهموا بدرجة أكبر في ميزانية الدولة. وبالمقابل، فإنه يعد ذوي الدخل المحدود بزيادة دخلهم بشكل معقول. ورغم تمسكه بالسعي لخفض مديونية الدولة والمحافظة على توازنات الميزانية، فإنه يرفض سياسة التقشف ويطالب الاتحاد الأوروبي بالتركيز على النمو الاقتصادي.

ويريد هولاند الشفافية التامة في برنامجه الانتخابي وعلى رأس الدولة. ولذا، فقد اقترح ستين تدبيرا ضمنها في كتيب وزع بالآلاف على المواطنين كما عرض وبشكل تفصيلي الإصلاحات والتدابير التي سيقوم بها في المائة يوم الأولى من حكمه ثم في سنته الأولى.

ومنذ شهور، تفيد استطلاعات الرأي أن هولاند سيكون الرئيس. وبعد الدورة الأولى، أخذ الأخير يردد أنه الأكثر حظا وتأهلا للفوز برئاسة الجمهورية. لكن الأيام التي ما زالت تفصل عن الدورة الثانية قد تأتي بمفاجآت حيث يبدو الرئيس المنتهية ولايته عازما على استخدام كل الحجج والفزاعات لقطع طريق الإليزيه على المرشح الاشتراكي. وبما أن المرشح اليميني يحتاج لأصوات اليمين المتطرف لتوفير فرصة للفوز، فإنه يرفع بوجه هولاند اقتراحه إعطاء حق التصويت في الانتخابات المحلية للمهاجرين من غير القادمين من دول الاتحاد الأوروبي. ولذا، فإن ساركوزي ومعه أركان اليمين يتهمون هولاند بتهديد الهوية الوطنية وبالتخلي عن حق سيادي للمواطن الفرنسي فضلا عن رفع ملف الهجرة والإسلام والأمن بوجهه لأنه يقترح تسوية أوضاع المهاجرين غير الشرعيين «وفق معايير موضوعية». والمشكلة أن الكلام المنطقي والتحليل الموضوعي يختلطان بالدعاوى السياسية والخطاب الانتخابي فتضيع الحقائق ويصعب التمييز بين ما هو موضوعي وما هو دعائي. ولذا فالسؤال اليوم هو: هل سينجح هولاند في مقاومة هذا المد الجارف من الانتقادات والتخويف فتتحقق نتائج استطلاعات الرأي ويصل إلى قصر الإليزيه أم أنه سيكون ضحية أخرى من ضحايا الرئيس ساركوزي الذي يؤمن اليوم وأكثر من الأمس بأنه قادر على هزيمته كما هزم سيغولين رويال قبل 5 سنوات؟