النظام السوري يدير الانتخابات التشريعية بيد والعمل العسكري بأخرى

المعارضة واكبتها بالإضراب والتظاهر.. والناشطون نظموا «انتخابات خاصة بهم»

عاملون بإحدى الحملات الانتخابية لمرشحي البرلمان السوري أثناء استراحتهم خارج اللجنة في دمشق أمس (أ.ب)
TT

غير آبه بالحملات المعترضة على إجراء الانتخابات التشريعية في ظل احتدام الوضع الأمني في مختلف المحافظات السورية، أدار النظام السوري العملية الانتخابية يوم أمس على وقع إطلاق النار وحملات الاعتقال التي كانت تنفذها قوات الأمن في أكثر من منطقة سورية، في وقت قاطعت فيه أعداد كبيرة من السوريين المعارضين للرئيس السوري بشار الأسد العملية الانتخابية.. بينما دعا المجلس الوطني السوريين للإضراب والتظاهر للتصدي لما سماها «مسرحية تستهين بدماء آلاف الشهداء».

وفيما أكد وزير الداخلية السوري، محمد إبراهيم الشعار، أن انتخابات أعضاء مجلس الشعب سارت بشكل طبيعي، متحدثا عن إقبال ملحوظ من قبل الناخبين إلى مراكز الاقتراع.. صعّدت قوى المعارضة السورية دعواتها لمقاطعة الانتخابات، ودعا «المجلس الوطني السوري» السوريين يوم أمس إلى الإضراب والتظاهر، في الوقت الذي تجرى فيه الانتخابات التشريعية في البلاد، واصفا هذه الانتخابات بأنها «مسرحية تستهين بدماء آلاف الشهداء».

وقال المجلس في بيان: «إننا ندعو السوريين للإضراب أو التظاهر في ساعات الانتخاب، للتعبير عن رفضهم لهذه المسرحية»، وأضاف: «بصفاقة قل نظيرها، يدعو النظام السوري لإجراء انتخابات لمجلس الشعب على وقع الرصاص والقذائف من كل نوع، وجرائم الإبادة والعقوبات الجماعية».

ورأى البيان أن إجراء هذه الانتخابات «يستهين بدماء آلاف الشهداء السوريين»، ويدل على «استهتار نظام الأسد بالمبادرة الدولية العربية»، مؤكدا أن «ملايين السوريين أقسموا منذ أكثر من سنة، أنهم يريدون إسقاط النظام القاتل، وهم بالتأكيد ينظرون بكثير من الاستخفاف لدعوتهم لتجديد شرعية النظام عبر انتخابات هزلية».

بدوره، اعتبر عضو المجلس الوطني السوري، لؤي صافي، أن «إصرار النظام على إجراء الانتخابات في ظل الوضع الأمني المتردي الذي تشهده سوريا دليل يؤكد أن الأسد محرج ومرتبك، ويسعى لإقناع المجتمع الدولي بأنه ينفذ عملية الإصلاح التي يتحدث عنها صبحا ومساء»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «من سيصدق مسرحيات الأسد وأنه أجرى انتخابات نيابية حرة وديمقراطية والدبابات في الشوارع والجيوش تحاصر المدن والقرى؟»، متوقعا أن يخرج النظام بأعداد ونسب بما خص عملية الاقتراع والمقترعين شبيهة بالأرقام الخيالية التي عود عليها السوريين والمجتمع الدولي، وأضاف: «من يستطيع أن يكذّب أرقامه بالمستندات، ولا مراقبين دوليين يشرفون على العملية الانتخابية، ولا معارضين من الداخل السوري قادرون على مواكبة الاستحقاق عن كثب؟».

وفي اتصال مع «الشرق الأوسط»، نقل فارس محمد، عضو لجان التنسيق في الزبداني، أجواء العملية الانتخابية في المدينة، مؤكدا أن «المدينة التي تعد من المدن المعارضة بنسبة 100 في المائة واكبت دعوة النظام للاقتراع بحملات انتخابية هزلية، فتم ترشيح شهداء المدينة ليكونوا أعضاء في المجلس، فعلقوا صورهم على الأعمدة وفي الشوارع، وتم تسيير صندوق اقتراع، فانتخب الأهالي شهداءهم تلبية للحملة التي أطلقها الناشطون تحت عنوان (انتخبوا شهداءنا)».

وإذ أكد عضو لجان التنسيق في الزبداني أن المدينة «لم تشارك لا من قريب ولا من بعيد بالانتخابات، بل سارت فيها المظاهرات المنددة بإجراء الانتخابات تحت القصف ووسط حملات الاعتقال»، تساءل قائلا: «أيدعونا النظام لانتخاب رجالات المافيا في سوريا فيما دباباته تحاصر مدننا وجيشه يجول بين منازلنا؟ عن أي انتخابات يتحدث والأزمة السورية تتجه للتدويل في ظل وجود المراقبين الدوليين بيننا؟».

وبالتزامن، وصف القيادي في جبهة التنسيق الوطني في سوريا، عبد العزيز الخير، الانتخابات التشريعية التي أجراها النظام بأنها «تزييف جديد وصفيق لإرادة الشعب، وهي محاولة لإطالة عمر الاستبداد بقناع وبأجواء جديدة». وأكد الخير أن «هذه الانتخابات تقول إن السلطة لن تتغير ولا تريد أن تغير شيئا، وهي تتابع نهجها الذي اعتادته تاريخيا في تزييف إرادة الناس.. وبينما تقول السلطات إن هذه الانتخابات ستنقل البلاد إلى مرحلة التعددية الديمقراطية، فإن أجواء التوتر الأمني التي تعيشها البلاد تلقي بظلالها على عمليات الاقتراع».

وكانت وكالة الأنباء السورية «سانا» تحدثت عن أن عملية الاقتراع تمت في «جو من الديمقراطية، وبمشاركة شعبية تعكس حرص المواطنين السوريين على ممارسة حقهم الانتخابي بإرادة حرة لاختيار من يرونه الأكفأ لتمثيلهم في مجلس الشعب، بما يسهم في تحقيق تطلعاتهم إلى الارتقاء بالواقع الخدمي والتنموي بشكل يتماشى مع الحراك الذي تشهده عملية الإصلاح في سوريا»، وأفادت بأنه بدأ في الساعة السابعة صباح يوم أمس انتخاب أعضاء مجلس الشعب للدور التشريعي الأول لعام 2012 في ظل الدستور الجديد للبلاد الذي أقر في شهر فبراير (شباط) الماضي.

وأوضحت الوكالة أنه تنافس على عضوية مجلس الشعب 7195 مرشحا ومرشحة في 15 دائرة انتخابية، منهم 710 سيدات، من خلال 12152 مركزا انتخابيا في مختلف أنحاء سوريا على 250 مقعدا، منها 127 مقعدا مخصصة لقطاع العمال والفلاحين، و123 لباقي فئات الشعب، مشيرة إلى أن من لهم حق الانتخاب هم 14 مليونا و788 ألفا و644، بمن فيهم المغتربون، وعسكريو الجيش والشرطة الذين لا يحق لهم الانتخاب طيلة فترة وجودهم بالخدمة.. وأن الانتخابات جرت تحت إشراف قضائي مستقل بالكامل وبمواكبة إعلامية من قبل مندوبين لما يزيد على 200 وسيلة إعلامية عربية وأجنبية، بالإضافة إلى مائة شخصية سياسية وفكرية وحقوقية وإعلامية من دول عربية وأجنبية موزعة في المراكز الانتخابية للاطلاع على سير العملية.

يذكر أن سبعة أحزاب من بين تسعة أعلن عن تأسيسها منذ إصدار قانون تنظيم الأحزاب الجديد، بالإضافة إلى المستقلين وقائمة الوحدة الوطنية التي أعلنت عنها الجبهة التقدمية التي يقودها حزب البعث وتشرف على الحكم في البلاد، شاركت يوم أمس بالعملية الانتخابية بغياب أي حزب أو شخصية معارضة.

وقد شددت صحيفة «تشرين» الحكومية في افتتاحيتها صبيحة يوم الانتخابات على أن أهمية الانتخابات تأتي «من الرؤية الجديدة التي أخذت تتبلور حول مهمة مجلس الشعب في المرحلة المقبلة، واللغة التي يفترض أن يتحدث بها عن مصالح الوطن والمواطن، والأهم الرقابة التي يود كل منا أن يمارسها على أداء المجلس ومدى تمثيله لمصالح المواطن وصيانة مكتسباته».

واعتبرت «تشرين» أن «المشاركة في انتخابات مجلس الشعب اليوم لا تنبع أهميتها فقط من كونها ردا شعبيا على ما تتعرض له بلادنا من تآمر خليجي - غربي يتجسد بقتل وتخريب وتدمير، وإنما لأن مستقبل سوريا لا يصنعه إلا أبناؤها المؤمنون بقوتها ومحبتها وشموخها».