الشيخ السديس.. مزمار داود الذي يخطب العالم وده

صاحب صوت مجلجل تتزاحم الأكتاف لملاقاته

الشيخ السديس الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي
TT

ما إن يحل بأي بلد في العالم أجمع حتى تتلقفه الأيادي، وتتنافس على استضافته كبريات المؤسسات الدينية والجامعات العالمية، حتى إنك لتخشى أن تقع كارثة بشرية جراء تزاحم الأكتاف وتهافت الجموع عليه من كل حدب وصوب.

كتل بشرية تترى تأمل أن تسعفها أجزاء من الثانية في لقاء شخصية تربعت لنحو ثلاثة عقود على هرم إمامة وخطابة المسجد الحرام، وظلت أياديه تقترب من عنان السماء داعية بالنصر والسؤدد للمسلمين في جميع أنحاء العالم.

بصوته الرنان الشجي، الآسر للألباب، لم يتأخر في كل عام عن أقطاب المسلمين كافة، حين ظل يصدح مليا وعليا في أروقة المسجد الحرام، ليترك خلف صوته الرقراق قصصا متعددة وسردا طويلا من التدرج القرائي والزمني، لرجل قال عنه كثر بأنه أعطي مزمارا من مزامير آل داود.

الصوت الشجي الصداح كان له عميق الأثر في زلزلة القلوب في سويدائها، فقد عرف عن الشيخ السديس منذ ثلاثة عقود إبان تسنمه إمامة الحرم المكي، أنه صاحب ترانيم الصوت الجهور، ينقلك نحو إيمانيات وجماليات، تفضي بك من حيث تدري ولا تدري نحو «الاستلابة»، والوصول إلى مناطق حفت بالجمال وتموضعت بالحسن.

حمل صوت الشاب عبد الرحمن السديس، ذي الاثنين والعشرين ربيعا، بصمته الخاصة، إبان قدومه لمكة إماما، فهو يحمل في حشرجات صوته نوابغ الجمال، وبساتين الإيمان والورع، استطاع من خلال أول فريضة أم فيها جموع المسلمين في شهر يوليو (تموز) 1984، أن يسرق الأفئدة من أضلعها، حين تمكن بملائكية صوته من أن يرسم خرائط صوتية جديدة بمداد من نور في أروقة المسجد الحرام.

وذاع صيت الشيخ السديس، الذي توسد القرآن أضلعه، في جميع أنحاء السعودية آنذاك، حتى انشغل صغار الحفظة بتقليد نسائم صوته، إعجابا وتيمنا بجهورية صوته الجميل، الذي حرك في الناس أحاسيسها، فصوته المخلخل ذو البعد الجهوري الحاد، والقوي في الأسماع، بعث في صدور محبيه محبة القرآن وحسن تدبره.

ظل الشيخ السديس بدعائه المعروف في ختم كل فريضة من شهر رمضان المبارك، مثار انتظار لأكثر من مليار ونصف المليار مسلم حول العالم، فبادل الإمام التحية دائما بأحسن منها، إذ لم يتورع عن الدعاء لكل المسلمين والأمصار، وأن يعز الله الإسلام والمسلمين في كل مكان.

الشيخ عبد الرحمن السديس من مواليد منطقة الرياض في عام 1962، وهو إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة، ومن أشهر مرتلي القرآن الكريم في العالم. تمكن من حفظ القرآن ولم يكن يبلغ من العمر اثنتي عشرة سنة.

وفي سنة 1979 حصل السديس على شهادة من المعهد العلمي بالرياض بتقدير ممتاز. بعد ذلك في سنة 1983 أتم السديس دراسته العليا بالجامعة، حيث حصل على شهادة في الشريعة، ثم بعدها على الإجازة من الجامعة الإسلامية محمد بن سعود سنة 1987. ونال بعد ذلك الدكتوراه في الشريعة الإسلامية سنة 1995 من جامعة أم القرى. وعرف عبد الرحمن السديس بالنبرة الخاصة في صوته التي تخشع معها الأفئدة، وتجويده الممتاز للقرآن الكريم. ونال جائزة الشخصية الإسلامية للسنة في الدورة التاسعة لجائزة دبي الدولية للقرآن الكريم سنة 1995.

شغل السديس عدة مناصب، أبرزها تعيينه إماما وخطيبا في المسجد الحرام بأمر ملكي في عام 1984، وكانت أول خطبة له في رمضان من العام نفسه.

حصل على درجة الدكتوراه من كلية الشريعة بجامعة أم القرى بتقدير ممتاز، مع التوصية بطبع الرسالة عن رسالته الموسومة «الواضح في أصول الفقه لأبي الوفاء بن عقيل الحنبلي: دراسة وتحقيق» من عام 1996.

من أبرز أعماله عمله إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة، بالإضافة لكونه أستاذا بقسم الدراسات العليا الشرعية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، والمشرف العام على مجمع إمام الدعوة العلمي الدعوي التعاوني الخيري بمكة المكرمة، ومدير جامعة المعرفة العالمية «التعليم عن بعد».