عبر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة عن رغبته في فتح صفحة جديدة مع فرنسا، بمناسبة وصول الاشتراكيين إلى الحكم، تقطع مع التوتر الذي ساد العلاقات الثنائية في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي، جراء الخلاف الحاد الموروث عن الماضي الاستعماري. ودعا بوتفليقة الفرنسيين، أمس، في خطاب إلى «إجراء قراءة موضوعية للتاريخ بعيدا عن حروب الذاكرة والرهانات الظرفية». واعتبر ذلك وحده كفيلا بمساعدة الجانبين (الجزائري والفرنسي) «على تجاوز رواسب الماضي العسير»، في إشارة إلى الخلاف حول النظرة إلى الاستعمار.
فالجزائريون يصرون منذ سنوات على أن تعترف فرنسا بجرائم الفترة الاستعمارية (1830 - 1962) وتقدم الاعتذار والتعويض المادي. أما الفرنسيون، فيرفضون ذلك بشدة. وقال الرئيس السابق ساركوزي لما زار الجزائر عام 2007: «إن الاستعمار ظالم، لكن لا تطلبوا من الأبناء أن يعتذروا عما فعل آباؤهم». وفهم من حديث بوتفليقة عن «قراءة موضوعية للتاريخ بعيدا عن حروب الذاكرة»، دعوة إلى التهدئة، وإقامة علاقات عادية مع فرنسا خالية من الاستفزاز. ويعتقد قطاع واسع من الجزائريين، بمن فيهم كبار المسؤولين في الدولة، أن وصول الاشتراكي فرنسوا هولاند إلى الحكم، مؤشر إيجابي من شأنه أن يفتح عهدا جديدا في العلاقات الثنائية.
وكان بوتفليقة يتحدث بمناسبة مرور 67 عاما على أحداث 8 مايو (أيار) 1945، عندما خرج مئات الآلاف من الجزائريين بمدن شرق البلاد، لدعوة فرنسا إلى الوفاء بوعودها بخصوص منح الاستقلال لمستعمراتها، عندما يدحر الحلفاء ألمانيا النازية. وانتهت المظاهرات بحمام دم، سقط فيه 45 ألف شخص برصاص المستعمر.
وقال بوتفليقة إن «الدولة الجزائرية عملت منذ خمسين عاما على إقامة علاقات صداقة وتعاون مثمر، مع مختلف دول العالم وفي مقدمتها الدولة الفرنسية، رغم الثمن الباهظ الذي دفعه الشعب الجزائري بأجياله المتعاقبة من أجل حريته وكرامته».
وتطرق بوتفليقة في خطابه، للانتخابات التشريعية التي ستجري غدا، مبرزا خوفه من عزوف الجزائريين عن صناديق الاقتراع. ولاحظ مراقبون أن السلطات تقوم منذ شهور «بحملة تخويف من التدخل الأجنبي»، إن لم يخرج الناخبون بكثافة يوم الاقتراع للتصويت. ومعنى ذلك، في مفهوم المراقبين، أن مصير الجزائر سيكون شبيها بما حدث لليبيا إن لم تنجح في تنظيم انتخابات حرة.
ومما جاء في خطاب بوتفليقة في هذا الشأن: «إن شباب الجزائر سيتصدى لدعاة الفتنة والفرقة وحسابات التدخل الأجنبي، وسيبرهن مرة أخرى أنه أهل للمسؤولية وسيرفع التحدي، ويصدح بصوته عاليا رافعا الوطن شامخا، جاعلا هذه الانتخابات وثبة أخرى في مسيرة البناء والتجدد الوطني، ويوم الاقتراع عرسا للديمقراطية في جزائرنا الحبيبة». وأضاف: «إننا نعيش اليوم مرحلة مفصلية في تاريخ البلاد تتطلب تضافر الجهود لتحقيق وثبة نوعية في مسيرة التنمية، والتجدد بعد نصف قرن من استرجاع السيادة الوطنية».
وبلغ حرص الرئيس على أن يصوت الجزائريون بكثافة، إلى حد تشبيه انتخابات البرلمان بأحداث 8 مايو 1945. وكان في خطاب سابق شبهها بثورة الاستقلال (1954). وقرأ مراقبون «تضخيم» الموعد الانتخابي، بأن السلطة تخشى من فشلها في تنظيم انتخابات حرة ونزيهة. إذ حينها ستصبح «الاستثناء» من ضمن تجارب انتخابية وصفت بالناجحة في تونس ومصر والمغرب.